إلى متى..أتوب وأرجع وأتوب وأرجع؟!
2012-01-16 10:06:15 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
النفس تعصي ربها، تحب الطاعة لكنها تؤثر المعصية، وتشعر براحة في ذنب تصيبه, وبعد الفراغ تبدأ رحلة التوبة, فقد تستمر التوبة شهراً وقد تستمر أسبوعاً وقد لا تستمر سوى ساعات, تتكرر هذه الأحوال كثيراً فربما تنكث النفسُ التوبة التي تعقدها بساعة ثم تتجدد التوبة ثم تنكث التوبة وربما تستمر ثم تقف, لا يوجد ثبات على التوبة!
النفس تحب الطاعة وتجد بها حلاوة وكذلك تجد في المعصية راحة لكن سرعان ما تكره هذه المعصية؛ لأن كفة حب الطاعة تميل أكثر, النفس تسمع الآية: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب". فتقول أي جهالة وأنت بيدك تنكث ما عقدت مع ربك وبيدك ترجع, وكأن الأمر أصبح كلعبة في يدك, متى شئت أقبلت ومتى شئت تركت؟!
النفس تحب الطاعة والالتزام وتبغض العاصين, ولكن تفعل بعض أفعال من تبغضهم, أشعر وكأني لا أبغض ما لا يحب الله كما أراد الله -وكأن بغضي لذلك ناقص ويحتاج...- النفس تعصي آخذة أمرا بالتوبة سلفاً قبل أن تعصي, وفيها نوع من حب الطاعة وترجو-لا تتمنى- لو لم تكن في هذا المكان.
ما حكم هذه المشاعر؟ هل يقبل الله طريق رحلة جديدة إليه بعد هذه الأفعال خاصة بعد أن كانت مبيتة قراراً بالتوبة سلفا؟ والله يقول: "إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب" علما بأن النفس آخذة قراراً أن تبقى ترجع وحتى لو شعرت بأن الله تركها ولا يؤيدها.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المحي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبًا بك أيها الأخ الكريم في استشارات إسلام ويب.
مما لا شك فيه أيها الحبيب أن هذه النفس جُبلت على حب الشهوات والتعلق بها، كما أخبر الله تعالى بذلك في كتابه فقال: {زين للناس حب الشهوات} وهي في الوقت ذاته فُطرت – كما أخبر الله تعالى – على الدين القيم، فقال سبحانه: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}.
ومعرفة الله تعالى وحبه والأنس بطاعته هو أقصى ما تتمناه النفس ولا تزال تبحث عنه، فإذا وصلت إليه استراحت واطمأنت، كما قال الله جل شأنه في كتابه الكريم: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} وما لم تصل النفس إلى هذه الغاية فإنها لا تزال في عناء ومشقة, ولا تزال تنتقل من موطن إلى آخر ومن لذة إلى أخرى، حتى تصل إلى هذه اللذة، فهذا هو الطيب والأنس والنعيم التي تبحث عنه النفس، وما لم تجده فإنها لا تزال معذبة حتى تصل إليه.
والنفس قد تتسلى أحيانًا بتحقيق بعض اللذائذ المحرمة عليها والوقوع في بعض الشهوات المزينة لها، ولكنها سرعان ما ترجع بالألم والوحشة، فإن هذا ليس هو ما تبحث عنه في الحقيقة، ولهذا نجد من فُتحت لهم أبواب الشهوات هم أكثر الناس ضيقًا وأعظمهم ضنكًا، وذلك لأن نفوسهم تبحث عن شيء لم تصل إليه.
فلن يجد الإنسان حقيقة السعادة ولا يجد للحياة طعمًا ولا لذة إلا حين يتعرف على ربه سبحانه وتعالى، وتشتغل نفسه بمحبته وذكره، فهنالك يجد اللذة كل اللذة والنعيم كل النعيم.
ومهما وقع الإنسان في ذنب أو في معصية أو ذنوب وإن تعددت فإن باب التوبة لا يزال مفتوحًا لا يُغلق أمام العبد حتى تصل الروح الحلقوم، وحتى تطلع الشمس من مغربها. وقد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم بأنه يقبل توبة التائبين، فقال جل شأنه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وقال عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له). فمن وقع في ذنب فالواجب عليه أن يبادر ويسارع، فإن الموت يأتي بغتة، فليسارع إلى التوبة وليندم على ما فطر منه من ذنوب، ويعزم عزمًا أكيدًا على أن لا يرجع إليها في المستقبل، فإذا فعل ذلك فإن الله عز وجل يمحو عنه الذنب ويبدل السيئة بحسنة، ولا يضره إذا رجع بعد هذه التوبة إلى الذنب مرة ثانية، فإن عليه أن يتوب مرة أخرى، وهكذا، ولا يزال الله عز وجل يتقبل منه التوبة كلما أذنب وتاب.
وأما الآية التي تفضلت بذكرها وهي قوله سبحانه وتعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب} فإن الجهالة المذكورة فيها ليس معناها الذي لا يدري أن ما فعله حرام، إنما المقصود بالجهالة معصية الله تعالى كما جاءت الآثار بذلك عن السلف، فإن كل من عصى الله تعالى فهو جاهل، ومن ثم فكل من وقع في ذنب وإن كان يعلم أنه حرام فإن الواجب عليه أن يتوب، وأن لا يقنط من رحمة الله تعالى، فإن الله تعالى يقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.
نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعليك، وأن ييسر لك الخير حيث كان.