السؤال:
السلام عليكم.
رزقكم الله الفردوس, فبفضلكم استفاد عباد الله من استشاراتكم, وتخلصوا من مشاكلهم, وأنا الآن أود أطرح عليكم مشكلتي:
أنا إنسان هادئ نوعًا ما, وأعاني قليلاً من صعوبة في التأقلم مع الآخرين, أو عدم الثقة بالنفس, رغم أني تغيرت كثيرًا هذه السنة, وخجلي تلاشى, حتى أن أمي وأبي أخبروني بذلك, وعمتي قالت لأمي: إن ولدك قضى على الخجل, وأصبح اجتماعيًا.
على كل حال: أنا لدي ولد عمة عمره 22 تقريبًا, وهو خاطب, وأنا عمري 14, وهو كان مسافرًا للدراسة, وقبل عدة أشهر رجع, وعندما رجع لبلده ذهبنا بيتهم لاستقباله, وهو كان غير موجود في غرفة الاستقبال, وبعد أن أتى سلم على أبي, ولكني لم أسلم عليه, وهو يظن أني ما زلت صغيرًا وخجولاً, وبعد أن مرت الأيام وعندما نجتمع في بيت جدي كنت أسلم عليه, وأعيره اهتمامًا, وأصبح أيضًا يسلم عليّ, وهو من النوع المرح.
بالأمس كنا في بيت جدي فأتى هو بيت جدي, وسلم على أبي وعمي وجدتي وعماتي, إلا أنا فلم يعرني اهتمامًا, بل كان ينظر إليّ, وجلس بجانبي ولم يسلم, ولم يقل لي: ما الأخبار؟
من تلك اللحظة كرهته, ولم أَقبَل أن يزعزع ثقتي بنفسي, وشعاري "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب".
وأنا أرتقب أي فرصة أراه فيها في بيت جدي وأسلم على الجميع إلا هو فسأتركه كي يعرف قدر نفسه جيدًا, فهل توافقوني على أن لا أعيره أي اهتمام؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاني حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابننا الكريم- في موقعك, ونحن نسعد عندما تأتينا استشارة من شخص في هذه السن, وفي هذا العمر من الشباب، وهذه الاستشارة التي كتبتها تدل على أنك واثق من نفسك - والحمد لله - وأن لك قدرات عالية, ومهارات عالية في الطرح وبيان ما في صدرك، وتوضيح الأمر الذي يشغلك، وهذا يشير لنا أيضًا أنك تتحسن وتتقدم فعلاً, وهذا دليل على أنك على درجة عالية من الوعي.
مرحبًا بك في موقعك, ونحن - إن شاء الله تعالى - في مقام الأب, وفي مقام الأخ, وشرف لنا أن نخدمك, وأن نخدم أمثالك في الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، ونتمنى دائمًا أن تشاور إخوانك وآباءك في موقعك, قبل أن تتأخذ أي خطوة لئلا يندم الإنسان، وما ندم من استشار, ولا خاب من استخار، وما حصل من ابن العمة ينبغي أن يمر مرور الكرام, ولا تقف عنده طويلاً، بل إننا ندعوك إلى أن تبادره الاهتمام والسلام؛ لتكون أنت الأفضل، لتكون أنت الأحسن، وأرجو أن تعلم أن الإنسان في بعض الأوقات يكون مشغولاً عنده بعض الهموم، ولا أظن أنه يقصد هذا, ولكن الإنسان عندما يكون موجودًا مع الكبار قد لا يلتفت للصغار, ونحن لا نوافق على هذا، لكن بعض الناس عندهم ضعف في التركيز؛ لذلك نحن نتمنى أن لا يأخذ هذا الموقف أكبر من حجمه، وتجتهد في أن تكون الأفضل, وأن تعامل بالحسنى, فإذا قصر فلا تقصر؛ لأنك ترجو من الله تعالى الأجر، ولا أظن أنه يقصد هذا الموقف, فأنا متأكد مائة في المائة أنه لم يقصد الإهانة، ولم يقصد إهمالك، ولم يقصد كل هذه الأشياء, ولا أظن أنها جاءت في باله، ولو فرضنا أنه فعلاً كان يقصد هذا فإن أبلغ رد وأحسن رد يُرَدُّ على من يبتعد عنا أن نهتم به، وعندها سوف يعرف فعلاً أنه صغير, وأن هؤلاء كبار، وأن هؤلاء ناضجين، فهذا هو الذي نوصيك به، خاصة وأنه ابن عمتك, وبيننكم صلة رحم, والمسلم ينبغي أن يكون الأفضل, وينبغي أن يكون الأحسن، وينبغي أن يكون مبادرًا، ادفع بالتي هي أحسن، هذا هو منهج المسلم، بل هذا هو منهج الإنسان الذي يثق من نفسه، الذي لا يبالي بمثل هذه التصرفات، ومثل هذه المواقف, والإنسان يعرف مكانته, ويعرف قدر نفسه, ويحترم نفسه, ولذلك هو أكبر من مثل هذه المواقف.
أما عبارة: "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب" فهذه عبارة لا نوافق عليها, وهذه عبارة لا تخلو من روح الجاهلية, كما قال الشاعر الجاهلي:
ومن لا يظلم الناس يُظلَمِ.
لا, الإنسان يتجنب الظلم, ويتجنب الإساءة, ويسعى دائمًا ليكون الأفضل، هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، حتى عندما يتخاصم الإنسان مع إخوانه فقد قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, يلتقيان فيعرض هذا, ويعرض هذا", ثم قال: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فأنت ينبغي أن تكون الأفضل والأحسن، وأرجو أن يكون هذا منهجًا لك، "ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، ولا يتعامل مع ردود الأفعال, فهذا هو الذي يسير على الطريق الصحيح, حتى لو كان كل الناس على الخطأ، لا يكون المؤمن إمّعة، إذا أساء النّاس أساء معهم، وإذا أحسنوا أحسن معهم, ولذلك أنا أتمنى إذا قابلت ابن العمة أن تهتم به, وتقبل عليه, وتستفيد منه، وترحب به, وتحييه بتحية الرجال الحية، ولن يضرك إذا قابلك بنفس الطريقة, أو لم يقابلك؛ لأنك ترجو ما عند الله تعالى، وسوف يأتي اليوم الذي يكتشف فيه أنك إنسان كبير، وأنك شخص ناضج وواعٍ، وأنت بحاجة فعلاً إلى أن تغير هذه النظرة التي بدأت - ولله الحمد – تتغير, والجميع يشعر أنك تتقدم، وأنت - ولله الحمد - في عمر إنسان ناضج, والذي يدل على نضجك - أيها الفاضل - هو السؤال والتواصل مع هذا الموقع.
نتمنى أن تكون أكبر من هذا الموقف, بل عليك إذا قابلته أن تحييه, وتقبل عليه, واسأله عن أحواله؛ لأنه إذا كان قاصدًا فسوف يدخل عليه الحرج، وإذا لم يكن قاصدً هذا, وهو غالب الظن عندنا, أنه انشغل بالأعمام والعمات الكبار، وهذا طبعًا ينافي المراسيم الاجتماعية, وينافي الآداب الشرعية, لكن الإنسان يلتمس لإخوانه الأعذار, فإذا لم يجد عذرًا يقول لعل عنده عذرًا أنا لا أعرفه, أو لعل عنده عذرًا خَفِي عليّ، أو لعله انشغل ونسيه، وأنا أتكلم عنا لأننا كلنا بشر, فالإنسان من الممكن أن يمر على صديق ولا يتذكر أنه سلم عليه, أو لم يسلم, أو من الممكن يسلم على صديق بطريقة باردة, لكنه لا يسلم عليك بطريقة فاترة, بل هو مشغول, وعنده هموم, بأن كان يفكر في موضوع, والإنسان مرات ينظر إليك لكن عقله ليس معك, فإذن أنت ينبغي أن تلتمس له العذر, وتكون أنت الأفضل دائمًا, وسوف نكون سعداء جدًّا بتواصلك مع الموقع، وأرجو أن نسمع عنك الخير, وإن العفو عن التصرفات مما يزيد ثقة الناس بالإنسان, بخلافات التصرفات التي يرجع فيها الإنسان لأمثال جاهلية, أو يتصرف بطريقة غير صحيحة, فهذا يعيد الإنسان إلى المربع الأول، ومجرد السؤال والتواصل قبل التصرف يدل على أنك ناضج, وأنك على خير, فواظب على هذه النعمة التي وهبك الله إياها, وبادر بالمصالحة, وكن أنت الأفضل دائمًا, وهذا هو شعارك: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" وكن الأفضل في كل الأحوال.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد.