تأتيني وساوس كفرية نغصت عليّ حياتي، فماذا أفعل؟
2012-07-17 10:19:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي هي الوسواس اللعين الذي سلب الطعم والحلاوة من حياتي منذ خمس سنوات, أفكار كثيرة ومتعددة, وصلت أخيرا إلى الكفر بالله -والعياذ بالله- والمشكلة الأكبر هي انني -استغفر الله- تأتيني وسواس كفر شديدة لا أقوى على ذكرها من هولها وشدتها, وأصبحت أتخيل أيضا أن من حولي يقومون أيضا بهذه الإساءات -والعياذ بالله-.
مثلا أتخيل صديقي يكفر بالله, وهو متدين وليس كذلك, والكثير من أحبائي .. حتى أصبحت أخاف عليهم أكثر من خوفي على نفسي, صرت أخاف أن يعاقبهم الله بوساوسي -لا قدر الله-.
هل أقطع رأسي لأتخلص من دماغي القذر ولكي يرتاح العالم مني؟ إذا كان تفكيري قذر ما ذنب أحبائي بأن يحشروا بهذه الأفكار القذرة؟ اللهم لا تؤاخذهم بأفكاري السفيهة.
أتناول منذ شهر دواء فافرين بجرعة 200 ملغ, ولكن التحسن طفيف, ساعدوني أرجوكم, أنا ما يهمني هو أن أعرف أن الله يحبني, ويحب من أحب من أهلي وأصدقائي, وأعرف أنه راضٍ عني وعنهم تمام الرضا, ولا أريد شيئا آخر من هذه الدنيا.
أتمنى لو تصلني إشارة من الله سبحانه وتعالى بأنه يحبني وراضٍ عني - آآآآخ - صدقوني أنا أحب الله كثيرا, وأحب أهلي وأصدقائي أكثر من حبي لنفسي, وأخاف عليهم أكثر من خوفي على نفسي, وأخاف أن وجود شخص مثلي معهم قد يضرهم لأن دماغي يقول عن الله أشياء غير لائقة, وهم متدينون, وأخلاقهم عالية, أعتقد أنني لا أستحق العيش معهم, لقد تعبت كثيرا ساعدوني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإني أقدر تمامًا وطأة الوساوس عليك، لكني في نفس الوقت أقول لك – بل أبشرك – أن الأمور أفضل مما تتصور، فأنت لم تكفر بالله تعالى – والعياذ بالله – هذه الوساوس اللعينة هي التي تزرع مثل هذا الفكر وتفرضه عليك، وبإلحاح وسخف واستحواذ، هذا معروف، وحقيقة أنت – وأقول لك ودون أي لوم لشخصك الكريم – لم تتعامل مع الأمر بما هو مقتضى في مثل هذه الحالات.
أولا: الوساوس يجب أن تعالج، وهذه حقيقة يجب أن نتفق عليها، وأنت تعيش في دولة متقدمة جدًّا من ناحية الخدمات الطبية النفسية، والوساوس الآن علاجها لدرجة كبيرة يقوم بها الأطباء المختصون، أطباء نفسانيين مؤهلين، ويتفهمون طبيعة هذه الوساوس، والحمد لله تعالى يوجد الكثير من الأطباء الثقة، فقدم نفسك للعلاج الآن، وهذا لا يعني أنني أتراخى عن واجبي حيالك، أبدًا، أنا كنت أتمنى أن أراك، وفي ذات الوقت أقول لك وبكل ثقة أنني لا أريدك أبدًا أن تهمل نفسك الآن، اذهب وقدّم نفسك للعلاج، وهذه الوساوس سوف تزول تمامًا.
بصفة عامة: الوساوس ذات المحتوى الديني أو الجنسي لا نؤيد أبدًا أن يناقشها الإنسان، إنما يُغلق عليها من خلال التحقير والتسخيف والتجاهل والاستبدال بفكر مخالف، وأن تقول للوسوسة: (أنت وسواس لعين) وتستعيذ بالله منه، وتنتهي كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ولماذا أنت تصاب بكل هذا التشرذم النفسي؟! مَن هم خيرٌ منا أصابهم هذا الوسواس، فقد أتى بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – واشتكوا إليه أنه يأتيهم في نفوسهم ما لا يستطيعون أن ينطقون ويتكلمون به، فقال لهم (أوجدتموه، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) وأوصى من وجد ذلك في نفسه بقوله: (فليستعذ بالله ولينته) فبشرهم الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم – أن هذا من صميم الإيمان وقال: (ذاك صريح الإيمان).
إذن أنت بخير، وما أصابك من تلك الوسوسة أصاب من هم خيرٌ منا وأصاب غيرك ذلك في هذا الزمان، وأنا أقول لك إن الوساوس دائمًا تأتي في الأمور الحساسة، وتأتي للطيبين والأفاضل من الناس، فعليك أن تغلق على هذه الوساوس.
امتداد الوساوس ليشمل الآخرين تحت إلحاح التفكير هو جزء منها، فأغلق عليه إغلاقًا تامًا، لا تناقش هذه الوساوس، إنما تحقر، وتربط بما هو كل سيء ومنفر ومقزز، فهذه وسيلة من وسائل العلاج السلوكي، فأرجو أن تقدم نفسك للأطباء أيها الفاضل الكريم.
العلاج الدوائي سوف يفيدك كثيرًا، فهو يطفئ نار الوسواس، ويمهد للإنسان العلاج السلوكي فتكتمل الحلقة العلاجية.
الفافرين دواء جيد جدًّا، لكن ربما تكون الجرعة محتاجة إلى تعديل، ثلاثمائة مليجراما مثلا، أو ربما تحتاج أن تضيف إليه البروزاك بجرعة عشرين مليجرامًا، ولا بد أن تضيف أحد المكونات الأخرى مثل الرزبريادون بجرعة واحدة إلى اثنين مليجراما.
العلاجات أبشرك أنها موجودة وممتازة، فقط تتطلب الصبر والقناعة بفعاليتها وتطبيق التطبيقات السلوكية.
أنا أستبشر تمامًا أنك سوف تُشفى، فلا تتأخر أبدًا عن العلاج، ولا تدع مجالاً لهذه الوساوس لتكون سببًا في تعطيلك وإبعادك عمّا هو جيد وعمّا هو مفيد لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونحن في غاية السرور أن نجيب على استفسارات، وأرجو أن تبشرنا في المرة القادمة أن هذه الوساوس اللعينة قد انتهت.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة المستشار الدكتور/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة المستشار الشيخ/ موافي عزب مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
++++++++++++++++++++++++++++++
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجنبك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يربط على قلبك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلنا وإياك وسائر المسلمين من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل– فإنه مما لا شك فيه أن قضية الوسواس بهذه الصورة من القضايا المزعجة جدًّا، ومن القضايا المؤلمة حقًّا، وكان الله في عونك بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولكن أحب أن أبشرك أن النبي -صلى الله عليه وسلم– بشر أمثالك وكل من يتعرض لأي نوع من الابتلاء, أو الامتحان, أو الاختبار بالجنة إذا صبر على ذلك, واحتسب أجره عند الله تبارك وتعالى، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: (ما يُصيب المسلم من همٍّ ولا غمٍّ ولا حزنٍ) فإذن هذا الغم الذي غمّك وهذا الهم الذي أهمَّك وأحاط بك كله مأجور عند الله تبارك وتعالى: (ما يُصيب المسلم من همٍّ ولا غمٍّ ولا حزنٍ ولا مرضٍ حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه).
فإذا كان للعبد خطايا فإن مثل هذه الهموم وتلك الأمراض سوف تكون ساحقة ماحقة لتلك الخطايا كلها، وإذا لم يكن له من خطايا – بمعنى أنه كان من عباد الله الصالحين الذين يخافون الله في السر والعلانية, والذين يستحون أن يفعلوا ما يُغضب الله تعالى, حسناتهم أعظم من سيئاتهم – فهذه ستكون رفعة لدرجاتهم - بإذن الله تعالى – وهذا ما قاله الله تبارك وتعالى بقوله: {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
فهذا الابتلاء الذي حدث لك ثوابه عند الله تبارك وتعالى, شريطة أن تصبر, وأن تحتسب, وأن تأخذ بالأسباب، والصبر كما لا يخفى عليك ليس أمرًا سلبيًا، وإنما الصبر يختلف عن غيره، فالعبد الصابر هو الذي يتلقى الألم, ولا ييأس, ولا يجزع, ولا يسخط على أقدار الله, ولا يعتب على الله، وإنما يأخذ بالأسباب إذا كان هناك دواء كيمياوي مركب أو علاج فإنه يتعاطاه بكل ثقة، لأن أخذ الدواء وعرض النفس على الأطباء لا يتعارض مع حسن الظن بالله, ولا يتعارض مع الصبر، بل إنه مطلوب شرعًا، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (تداووا عباد الله، ولا تتداووا بمحرم) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (تداووا عباد الله فإن الله ما خلق داءً إلا خلق له دواء).
فهذه الأمور التي ذكرتها في رسالتك لها علاج - بإذن الله تعالى – ولعل أخِي الاستشاري النفساني أخبرك بأن الأمر سهل, وأن علاجه ليس مستحيلا، كل ما عليك أن تعرض نفسك على الأطباء الثقات الذين يعينونك على تجاوز هذه المحنة - بإذن الله جل جلاله, والأمر سهل ميسور، خاصة وأنه كما ذكر لك أخِي الاستشاري النفساني أنك في بلد فيه الطب متقدم، وتستطيع -بإذن الله تعالى– أن تعرض نفسك على الأخصائيين النفسانيين، وستجد -بإذن الله تعالى– علاجًا لهذه الحالات، حتى وإن طال العلاج.
واعلم أن الوسواس لا يصيب اللاعبين, ولا الهازمين, ولا الفاسدين, ولا الحاقدين, ولا الحاسدين، وإنما يصيب ذوي الأخلاق العالية، ذوي الإيمان الراقي، ذوي الإحساس المرهف، ذوي الحس الرقيق، أصحاب النظافة والأدب والنظام. إذن هو لا يصيب عامة الناس، وإنما يصيب خواصهم، وهذه إرادة الله تبارك وتعالى، وأنا أبشرك بأن هذا المرض مأجور عليه -بإذن الله تعالى– يقينًا، وأن الله لن يضيع صبرك أبدًا على هذا الأمر، واعلم أن الله تبارك وتعالى عند حسن الظن، بل أبشرك –وبشرى أخرى أيضًا– أن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: (إذا أحب الله عبدًا ابتلاه، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط).
فأنت الآن أكاد أن أقسم لك بأن الله يُحبك، لأنه لو لم يكن يُحبك ما ابتلاك بهذه الابتلاءات، خاصة وأنك عبد أحسبك من الصالحين وإخوانك من الصالحين كما ذكرت أنت أيضًا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا امتحان من الله تبارك وتعالى واختبار لك، وأنك ستنجح فيه, وسوف تجتازه بمهارة وتميز، وسوف تكون من خاصة عباد الله تعالى، ولكن بشرط: عدم اليأس والجزع والقنوط، عدم الشكوى لغير الله تبارك وتعالى أحدًا من خلقه، الإكثار من الدعاء أن يشفيك الله تبارك وتعالى جل جلاله، لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، وأنت تعلم أن أيوب – عليه السلام– نبي من الأنبياء ابتلاه الله ابتلاءً عظيمًا، ودعا الله تبارك وتعالى فشفاه الله واستجاب له.
فعليك - بارك الله فيك - أن تُلح على الله عز وجل أن يشفيك، وعليك أن تطلب الدعاء أيضًا من الصالحين من عباد الله، خاصة من الوالدين أو من الإخوة والأخوات، أو الأعمام والعمات، أو من الأرحام، أو من أئمة المساجد الصالحين وعباد الله الذين تتوسم فيهم الخير، سلهم أن يدعو لك، لأن العبد إذا دعا لك فإن دعائه مستجاب، لأن الملَكُ يؤمّن على دعائه.
فعليك بارك الله فيكَ بالعلاج، وعليك بالتداوي، وعليك بالأخذ بالأسباب، وعليك بمتابعة الأخصائيين النفسانيين كما أشار لك أخِي الاستشاري النفساني، وبإذن الله تعالى أنا أبشرك بأنه ما من ليلٍ يشتد ظلامه إلا ويعقبه فجر يُبدد هذا الظلام، وما من حبل يتم شده بقوة إلا وينقطع، فأنت الآن وصلت إلى درجة سوف يعقبها الفرج، ولكن بالأمور التي ذكرتها لك.
أبشر بفرج من الله قريب، واعلم أن الله تبارك وتعالى لا يتخلى عن أوليائه، واعلم أنه يحب الصبر، ولذلك ابتلى عباده حتى يصبروا، وأبشرك أيضًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه، فمن قوي إيمانه اشتد بلاؤه).
فأسأل الله عز وجل أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، وألا يحرمك أجر هذا الابتلاء، كما أسأله تبارك وتعالى أن يعينك على الصبر، وأن يثبتك حتى تحصل على عظيم الأجر، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.