هل أترك زوجتي وأولادي ووظيفتي الحالية لدراسة اللغة الإنجليزية في أمريكا؟
2012-08-09 22:09:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام أنتم بخير، أنا من أب فلسطيني، ومن أم سعودية تخرجت عام 2002 من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا – تخصص إدارة النقل الدولي، واللوجستيات بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، والثالث على الدفعة.
كانت دراستي الجامعية باللغة العربية وتضمنت دراسة 6 مقرارات للغة الإنجليزية، ولكن مشكلتي منذ عام 1998م وحتى الآن هي أنني لم أتقن اللغة الإنجليزية، وأرى أن هذا الأمر أدى إلى ضياع الكثير من الفرص الوظيفية المميزة، فلم ألتحق بالشركات الأجنبية والشركات الضخمة، على سبيل المثال: شركة المنتجات الحديثة ( P & G ) أو شركة أرامكس، وأيضاً أشعر أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم حصولي على ترقية في الشركات التي عملت بها هي أنني لم أتقن اللغة الإنجليزية.
فكرت مراراً وتكراراً، واستخرت الله كثيراً في أن أترك عملي الحالي ووضعي الوظيفي الجيد، وأتغرب لمدة قصيرة خارج المملكة ( 4 أو 5 أشهر ) لإتقان اللغة الإنجليزية حتى يتحسن وضعي المالي، ولكن هذه الفكرة تأتي، ثم أستخير ثم تنصرف الفكرة في حينها، ثم تعود مرة أخرى، وأنا أعتقد أمرين:
الأمر الأول: أن دراسة اللغة الإنجليزية في المعاهد الموجودة في مدينة جدة غير مجدية، وذلك بعد تجربة أكثر من معهد.
الأمر الثاني: أنه في حال تيسر لي أمر دراسة اللغة الإنجليزية في أمريكا سأستطيع حينها استغلال خبرتي وشهادتي الجامعية للحصول على الوظيفة المثلى ذات السلم الوظيفي، حتى أتمكن من بلوغ أعلى الدرجات الوظيفية.
آسف على الإطالة، ولكن هذا الأمر مهم للغاية لي، وفيه العديد من التضحيات: فقد الفرصة الوظيفية الحالية، البعد عن زوجتي وأولادي الثلاثة.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نواف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فأنا أقترح عليك إتمام دراسة اللغة الإنجليزية في أي مكان من دول العالم المتقدمة التي تستطيع من خلالها أن تتقن اللغة الإنجليزية إتقانًا جيدًا، عسى الله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك سببًا في فتح أبواب الأرزاق أمامك، والنبي – عليه الصلاة والسلام – أخبرنا بقوله: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) وأيضًا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فنحن أمة مطالبة بالتميز، ودراستك للغة الإنجليزية سيزيدك قوة وثباتًا حتى وإن ضاعت الفرصة المتاحة الآن، إلا أن الفرص ستكون أفضل - بإذن الله عز وجل – والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يكن أحدكم إمعة) بمعنى: لا ينبغي أن يكون الإنسان ذنبًا، أو أن يكون ذيلاً أو أن يكون عاجزًا، لأن هذا يتنافى حقيقة مع ما أراده لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – من أن نكون متميزين كما ذكرت، والدليل على ذلك أنه قال: (إذا سألتم الله فسلوه الفردوس) وأنت تعلم أن الفردوس هي أعلى منزلة في الجنة، وكذلك أيضًا قال – صلى الله عليه وسلم - : (سددوا وقاربوا) ومعنى سددوا: أي أن تصيب مائة بالمائة، أن تكون في القمة، فإن لم تستطع أن تحصل على مائة بالمائة فلا أقل أن تكون قريبًا من ذلك.
وأرى أن المدة ما دامت ليست طويلة، وكونك تترك زوجتك وأولادك لمدة شهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر أعتقد أن هذا أمر سهل، فإن المرأة تصبر على زوجها لستة أشهر بطريقة طبيعية، كما ورد فيما سنّه عمر رضي الله عنه في غيبة الرجل المجاهد عن أهله.
فأرى إن كانت المدة قصيرة أن تتوكل على الله، وأن تأخذ بالأسباب، وأن تجتهد في الحصول على شهادة في اللغة الإنجليزية تجعلك متميزًا، وتفتح أمامك أبواب أوسع من الأرزاق، وهذا لا يتعارض أبدًا، أو يتنافى مع التوكل، بل إنه عين التوكل، فإن التوكل هو الأخذ بالأسباب مع ترك النتيجة لله تبارك وتعالى وحده، ونحن أمة كما ذكرت حثنا الإسلام على أن نكون متميزين، وبإذن الله تعالى لك رزق سوف يأتيك، ولكنك أخذت بالأسباب، والله تبارك وتعالى قال: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}.
فعليك أن تعقد النية، وأن تأخذ بالأسباب، وأن تذهب إلى أي مكان من دول العالم فيه اللغة متقدمة، حتى تستطيع أن تحصل على شهادة تفتح لك آفاقًا أوسع وأرحب مما أنت عليه الآن، وهذا كله كما ذكرت لك من الأخذ بالأسباب، لكن أتمنى أن تدرس هذه اللغة بنية خدمة الدين أولاً ، ثم بنية أن تحيا حياة كريمة طيبة، حتى تكون طالب علم حقًّا؛ لأن مجرد دراسة اللغة للدنيا سيجعلها أمرًا عاديًا، لكن عندما تريد بها أن تكون أكثر قدرة على التحاور مع الطرف الآخر، ولعل الله أن ينفعك بذلك في خدمة دينك ومعرفة أيضًا ما يدبره لنا أعداؤنا، لعل ذلك أن يكون دافعًا لك أولاً: في أن تجتهد اجتهادًا كاملاً وكبيرًا وقويًّا في التحصيل، وثانيًا: علّ ذلك أيضًا أن يكون دافعًا لك ألا تتوقف عند الشهادة وإنما تحاول أن تدرس فقه اللغة حتى تكون - إن شاء الله تعالى – عملاقًا فيها، وحتى تكون متميزًا تستطيع من خلال هذا التميز أن تتعرف على أفكار الآخرين، وكيف يفكرون ويخططون لنا.
وفي نفس الوقت سيكون بمقدورك أيضًا أن تتعامل مع مساحة أكبر من البشر خاصة إذا كانت الشركات التي تعمل فيها فيها مزيج من المسلمين وغيرهم، فستكون أقدر على محاورة وإقناع غير المسلمين للدخول في الإسلام، وبذلك ستتحول هذه اللغة إلى عامل جذب وإلى عامل قوة للإسلام والمسلمين، وفي نفس الوقت أيضًا سيكون لها من المردود المادي ما يجعلك في وضع أحسن مما أنت عليه الآن.
أسأل الله أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك إلى كل خير، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.