الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأنا أريدك أن ترجع إلى ما كُتب من الناحية الشرعية حول الوساوس, الوساوس لا تعني ضعفا في الشخصية، ولا قلة في الإيمان، أبدًا على العكس تمامًا هي قد تكون من صميم الإيمان، وهنالك من أتى من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم– إليه, وعبروا عن ذلك أنهم تأتيهم إلى نفوسهم ما لا يستطيعون أن يبوحون بها أو يقولونه، وكانت هي الوساوس حقيقة، والرسول -صلى الله عليه وسلم– طمأنهم أن هذا من صميم الإيمان، وقال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) وورد في الحديث أيضًا: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: من خلق كذا، ومن خلق كذا، حتى يقول: من خلق الله) وهنا على الإنسان أن ينتهي ويستعيذ بالله من الشيطان، وأن يكون صارمًا في مواجهة هذه الأفكار.
فأنت على خير -إن شاء الله تعالى– والوساوس دائمًا تجيء إلى الناس في أجمل وأعز ما عندهم، والدين هو أعز ما نملك، وبعض الناس تأتيهم وساوس في أمور جنسية –وهكذا– فمحتوى الوساوس من هذا النوع, نعم هو مزعج, وجارح للنفس, ومفتت لها، لكن -إن شاء الله تعالى– كل هذا سوف يزول تمامًا.
الوساوس ذات الطابع الديني يجب ألا تناقش. كثيرًا ما يحاول الإنسان أن يجد تفسيرات لهذه الوساوس, أو يخضعها لنوع من المنطق, أو يجري حوارًا معها من أجل أن يضعها في قوالب معينة, يقنع نفسه بأنها وساوس، وهذا خطأ، الوساوس يُغلق أمامها، تقول له (أنت وسواس حقير، لن أناقشك، أنت وسواس حقير، لن أناقشك) ودائمًا تربطه بالأمور الفظيعة والسيئة، لا تربط الوساوس بشيء جميل أبدًا، وتجاهلها، وصدها.
كما أن أساليب تخفيف الوساوس مثل الاستعجال في السجود –مثلا– هذا خطأ، هذا يُعضد ويقوي الوساوس، على العكس تمامًا أصر أن تسجد سجودًا يقينيًا مرتاحًا مطمئنًا، لكن أن يحاول الإنسان أن يجد المخارج التي تُخفف عليه وطأة الوساوس هذا يمكنه، لأن هذا نوع من التجنب, هذا يجب أن تبتعد عنه كممارسة.
الأمر الآخر: أريدك أن تطبق تمارين الاسترخاء، فيها فائدة كبيرة جدًّا لك، وهنالك استشارة –وغيرها كثير– لدينا تحت رقم (
2136015) طبق هذه التمارين.
أيضًا عليك أن تصرف انتباهك من خلال وجود أنشطة حياتية أخرى: القراءة، الاطلاع، ممارسة الرياضة، زيارة الأهل، لا تترك فراغًا أبدًا للوساوس لكي تزعجك.
ربما بعض السلوكيين يقول لك: اكتب هذه الوساوس واحدة تلو الأخرى، ابدأ بالأقل ثم بالأشد، وحاول أن تكتب الوسواس عشر مرات –على الأقل– تأمل فيه، بعد ذلك حقره, هذه أيضًا وسيلة لا بأس بها، لكن أعتقد أن الأمر واضح، يُغلق أمام الوسواس من خلال رفضه وتحقيره، والقناعة التامة بأنه سخيف.
البُشرى الكبرى هي أن العلاج الدوائي حسّن نسبة علاج الوساوس من عشرين بالمائة إلى ثمانين بالمائة، قبل أن تظهر الأدوية المضادة للوساوس كانت نسبة نجاح العلاج السلوكي والعلاج التحليلي وغيره ليست أكثر من عشرين بالمائة، أما الآن نسبة النجاح فقد قفزت إلى ثمانين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدًّا في الطب، فاشرع في تناول الأدوية مباشرة.
وبالطبع سوف تسأل وما علاقة الأدوية بالوساوس؟ الإجابة هي أنه اتضح وبما لا يدع مجالاً للشك أن النواقل –الموصلات والمرسلات– العصبية في الدماغ -على وجه الخصوص المادة التي تسمى بالسيروتونين– يحدث فيها شيء من الاضطراب أو عدم الانتظام في إفرازها، ولا توضع في مساراتها الصحيحة إلا من خلال الأدوية الفاعلة التي تقوم بذلك، ومن أفضل هذه الأدوية العقار الذي يعرف تجاريًا باسم (بروزاك) ويسمى علميًا باسم (فلوكستين).
أرجو أن تبدأ في تناوله مباشرة ما دمت لا تستطيع أن تذهب إلى الطبيب، والجرعة هي عشرون مليجرامًا (كبسولة واحدة) تتناولها بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلها كبسولتين، وهذه هي الجرعة المضادة للوساوس، استمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى كبسولة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.
في بعض الأحيان ربما نحتاج إلى أدوية داعمة للبروزاك مثل الفافرين, أو جرعة صغيرة من عقار رزبريادون، لكني لا أعتقد أنك في حاجة لكل هذا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.