ليس بيني وبين أقاربي تواصل فهل أنا قاطع رحم؟

2013-04-05 16:19:28 | إسلام ويب

السؤال:
أولًا: أحب أن أشكر القائمين على هذا الموقع, وعلى جهودهم في نشر الفائدة - جزاكم الله خيرًا -.

عندما أسمع الأحاديث الدالة على الوعيد لقاطع الرحم كقوله: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) أرتعد، وأقول لنفسي: هل أنا قاطع رحم؟ حيث إننا عندما كنا صغارًا كانت زياراتنا لأقاربنا قليلة جدًّا؛ مما جعل بيننا حاجزًا لقلة الزيارات بيننا، وإلى هذا اليوم وزياراتنا لأقاربنا معدومة، وأنا أتكلم بلساني ولسان إخواني فقط، علمًا أنه ليس بيني وبين أي أحد من أقاربي أدنى شحناء، وعلاقتي بإخواني وأخواتي ووالدي جيدة جدًّا, فأردد دائمًا: هل أنا قاطع رحم؟

أرجو منكم الإجابة عن سؤالي بما يشفي قلقلي.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرزاق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدرك للإيمان، وأن يوفقك في أعمال الإسلام، كما نسأله تبارك وتعالى أن يعينك على بر والديك, وصلة رحمك، والإحسان إلى أهلك وأقاربك، وأن يجعلك ممن يصلهم بوصله الذي لا ينقطع في الدنيا ولا في الآخرة، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإنه مما لا شك فيه أن صلة الأرحام جزء من هذا الدين العظيم الذي أكرمنا الله تبارك وتعالى به، وهي شعبة من شعب الإيمان، حث عليها مولانا جل جلاله في القرآن الكريم وبيّنها نبينا - عليه صلوات ربي وسلامه – في السنة النبوية المطهرة؛ ولذلك فالمسلم الصادق الذي يريد أن يلقى الله تعالى وهو عنه راضٍ يحافظ على صلة رحمه؛ لأن الله تبارك وتعالى وعد واصلي الأرحام بخير الدنيا والآخرة، وتوعد قاطع الأرحام بالعذاب الأليم في الآخرة، وذلك في قوله سبحانه وتعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم}، والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (لا يدخل الجنة قاطع رحم).

أما بالنسبة للصورة التي وردت في رسالتك: فهذا لا يعتبر قطعًا بالمعنى الشرعي، وإنما هو نوع من فتور العلاقة، أما القطع فهو الذي يكون قائمًا على الهجران، وقائمًا على خصومة, وعلى تناحر وتشاحن، وهذا من القطع؛ لأن كلمة القطع هنا مفهومها الشرعي واللغوي هو ما سبق، أما الذي ذكرته فهو - كما ذكرت لك - نوع من الفتور في العواطف، إلا أن المحبة موجودة, والمودة موجودة, والاحترام موجود، إلا أننا لا نفعله، وهذا يعتبر قصورًا مما لا شك فيه من الطرفين معًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم – بيّن أن أفضل الناس هو الذي يحرص على أن يصل من قطعه، وأن يعطي من حرمه، وأن يعفو عمن ظلمه، فهذه من أعمال أهل الجنة.

لذا عليك - أخي الكريم الفاضل – أن تجتهد في التواصل مع أهلك وأقاربك حسب ظروفك وإمكاناتك، ولو اتصالًا بالهاتف ما بين الحين والآخر، كل شهر مرة مثلًا، حتى لا تكون من القاطعين، وإنما تكون من الواصلين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – بيّن أن الواصل هو من إذا قُطعت رحمه وصلها.

الصورة التي ذكرتها لا نجد فيها مظهرًا من مظاهر القطع - لا منكم ولا منهم - وإنما هو نوع من فتور العواطف وتبدد المشاعر؛ وذلك نتيجة البُعد, وعدم التواصل المستمر، وأنت تريد أن تأخذ أجرًا عظيمًا, وأن تكون من الواصلين، فعليك - بارك الله فيك - بالتواصل ولو عبر الهاتف - إذا كان لك عم أو عمة، أو خال أو خالة - ولو مع هؤلاء الكبار، أو أولادهم الكبار الذين هم في مثل سنك، فتواصل معهم, وتفقد أحوالهم؛ وبذلك سوف يدعون لك, وسوف تكسب أجرًا عظيمًا أيضًا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – بيّن أن صلة الرحم من عوامل طول العمر, وسعة الأرزاق، فعليك بذلك.

أما الذي أريد أن أطمئنك إليه أن هذا لا يسمى بقطع الرحم المنصوص عليه الذي توعد الله تبارك وتعالى فاعله بالعذاب الأليم، إلا أن هذا الوضع القائم وضع مؤلم، ووضع لا ينبغي أن يكون، وهذا أصبح سمة عامة لمعظم العلاقات القائمة ما بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، خاصة المغتربين عن بلادهم الأصلية، والذين تركوا وراءهم أهليهم وأقاربهم، فقلَّ ما يتصلون بهم، وبذلك تفتر العواطف, وتتبلد المشاعر، وإذا لقيهم الإنسان يشعر تجاههم ببرود في العواطف، وكأنهم ليسوا من أهله ولا من أرحامه.

لذا عليك - بارك الله فيك - أن تتواصل معهم ولو عبر الهاتف بصفة شهرية، أو أكثر من ذلك، ولا تفوتك المناسبات الشرعية, كعيد الفطر والأضحى, وكذلك التهنئة – على سبيل المثال – بدخول مواسم العبادة الكبيرة كموسم شهر رمضان مثلًا، وإذا كانوا في حاجة فلا مانع أن تقدم يد العون والمساعدة، كذلك أيضًا مناسبات الأفراح، أو نجاح أبنائهم، أو أي مناسبة سعيدة لديهم، كذلك المشاركة في الأتراح والأحزان بأن تكون معهم حسب ظروفك وإمكاناتك، فكل ذلك - إن شاء الله تعالى – سيكون من عوامل الخير والبر، ولن تعدم أجره وفضله عند الله تعالى.

أسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يجعلنا وإياك من واصلي الأرحام، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net