الأمراض النفسية تلاعبت بي.. فماذا أفعل؟

2013-05-19 04:50:12 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدكتور/ محمد عبد العليم: يعلم الله أنني أكتب هذه الرسالة وأنا أعاني، وأنت تعلم أن قلوب الرجال صناديق مغلقة، وهذا يجعلني لا أستطيع أن أخبر أحدا بمرضي، وأعاني لوحدي بسبب نظرة المجتمع للمريض النفسي، لا أحب الإطالة، وخير الكلام ما قل ودل، وبارك الله فيك، وساعدك كما تساعدني أنا والمسلمين.

باختصار شديد أنا على اطلاع واسع وصاحب قراءات كثيرة عن علم النفس, فالذي أعاني منه هو وسواس قهري شديد ونوبات هلع شديدة، واكتئاب يخففه القلق نوعيا، واضطرابات شديدة جدا في النوم، لدرجة أنني يوم نمت بالأمس كل خمس دقائق أستيقظ من كابوس، وأشعر أن رأسي وأعصابي تنبض وتتحرك سريعا في رأسي في كل استيقاظ, تقريبا أنام وأصحو كل خمس دقائق من القلق بكابوس، وذلك لخمس مرات متتالية، وفي المرة الثالثة كان أخي نائما بالسرير الذي بجانبي، وكنت بين النوم واليقظة، حيث يمكنني رؤية حلم والشعور بالواقع في نفس الوقت، والمشكلة أنني كنت أسمع صوته يصرخ علي ويريد الهجوم علي، وأنا أريد ان أحرك يدي بالواقع ولا أقدر، ولكنني أتخيل أنني أحركها نوعيا داخل ما أسميه بنصف الحلم ونصف الواقع, ثم بعد ذلك دخلت في نوم عميق، وأيضا يوجد به أحلام أتذكرها وكأني بالحلم، وهذا أمر مزعج نوعيا، وعند استيقاظي من النوم أشعر بشيء ثقيل في قلبي.

أشعر وأنا مستيقظ دائما بدغدغة سريعة في رأسي، وأن إشارات تمر من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين في قشرة الدماغ، وبعض الأحيان أحس أنها تنبض كلها وتدغدغني في نفس الوقت، وأيضا أشعر بضيقة في الصدر.

استخدمت سيبراليكس وفافرين وبروزاك لمدة سنتين، وتوقفت عنها؛ لأن مدة استخدامي ممتازة وهي سنتان, وخصوصا السيبراليكس فقد أطلت فيه ولم أتركه إلا بسبب الجيوب الأنفية، والبروزاك تركته لأنه زاد القلق عندي, والفافرين استمريت عليه فترة من الزمن -بالشهور لا أتذكر كم- ولكن لا بأس بها، هذه الأعراض التي أخبرتك عنها جاءت بعد ترك مضادات الاكتئاب, وأنا الآن لي أسابيع تارك الأدوية نهائيا، أما اضطرابات النوم فحتى مضادات الاكتئاب لم توقفها كليا وإنما جزئيا.

أرجوك -يا دكتور- أريد حلا, وهل هناك دراسات جديدة تعالج ما أعاني منه أنا وإخوتي المرضى بعقار مستقبلي؟ والله إننا نعاني ولا حول ولا قوة إلا بالله، أسألك بالذي فطر السماء بلا عمد أن تريحني, أنا منذ سنتين معك -يا دكتور- أنت وأطباء خارج الموقع، ولكني لا أرتاح إلا لك ولخياراتك الممتازة صحيا ونفسيا، هل هناك عقار مستقبلي سيصدر قريبا؟

أنا أنام بالليل فقط، وأمارس الرياضة، ولا آكل كثيرا قبل النوم، ولكن -للأسف- أصبحت أكره وقت النوم بسبب هذه الأعراض، وأكره الاستيقاظ؛ لأني بعد اليقظة أعاني من انسداد نفس تام عن الحياة، وفي بعض أوقات اليوم, وقتي موزع بين وسواس قهري شديد في الأشياء وفي لمسها، ونوبات هلع شديدة وهي الأشد قسوة، وبين اكتئاب متوسط، وبين اضطراب في النوم.

أرجوك ساعدني، فقد تعبت وأملي بالله ثم بك.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أنا مطلع تمامًا على رسائلك وعلى ثقتك في هذا الموقع، فأقول لك جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك.

من الجميل جدًّا أن يكون الإنسان ملمًّا بحالته ومطلعا عليها، والقرارات الطبية النفسية الصحيحة والرصينة يجب أن تتخذ مشاركة بين الطبيب والمريض، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى –وهذا مهم تمامًا– العلاج النفسي على الأقل يمنع التدهور، حتى وإن لم يؤد إلى تحسن حقيقي، والتدخل المبكر بتناول العلاج –أيًّا كان– والالتزام به وجد أنه هو الركيزة الأساسية التي تؤدي إلى التحسن.

النقطة الثالثة: ليس من الضروري أبدًا أن نبحث عن وسائل علاجية جديدة، فهذا الأمر ليس بأيدينا بصورة مطلقة، نعم الأبحاث جارية، شركات الأدوية تتنافس، نسمع عن أشياء غريبة هنا وهناك، لكن ما بين أيدينا من آليات علاجية إذا أحسسنا استعمالها أعتقد أنها يمكن أن تفيد ثمانين إلى تسعين بالمائة من الناس، وهذه الاستفادة تكون من خلال المتابعة الطبية الصحيحة، أن يكون الطبيب ملتزمًا، وأن يكون المريض ملتزمًا، وليس من الضروري أن تكون الأدوية الجديدة هي الأفضل، فكم مرَّ علينا من تم علاجه بواسطة عقار (تفرانيل) والذي ظهر عام 1961؟!

فهذه مبادئ رئيسية، ولابد أن يأخذ الإنسان رزمة العلاج أخذًا كاملاً، يعني حين نقول للناس: (مارسوا الرياضة، نظموا أوقاتكم، لا تناموا أثناء النهار، قوموا بتمارين الاسترخاء، تواصلوا اجتماعيًا، اقرؤوا، اطلعوا، تمسكوا بدينكم، تمسكوا بالدعاء) هذه رزمة علاجية كاملة، لكن قد لا يلتزم بها الناس كاملاً، أنا وأنت والجميع قد تكون هنالك بعض الإخفاقات من جانبنا.

فيا أخِي (عبد الله) الأمل كبير والرجاء عظيم يجب أن يكون دائمًا ديدننا، وأنا أقول لك أنت - إن شاء الله تعالى – بخير، عملية الأحلام والقلق والتوتر وضعف النوم، هذه كلها أشياء يمكن احتواؤها، واحتواؤها بصورة ممتازة جدًّا، أنت لك خبرة ممتازة في الصحة النومية السليمة، فيجب أن تتبع هذا المنهج، يجب أن تمارس الرياضة، يجب أن تتناول دواء، وعقار فافرين ما دام هو الدواء الذي أفادك فأنا أؤيده تمامًا، ولا مانع أن تضيف له جرعة صغيرة من عقار (سروكويل) الفافرين دواء متميز لعلاج الوساوس ومحسن للمزاج، السروكويل يعتبر داعمًا له.

أما بخصوص الأدوية الجديدة، فهنالك أدوية واعدة يتم التحدث عنها، نسمع ذلك في المؤتمرات العلمية، وأثناء اللقاءات مع زملائنا، وكذلك بالاطلاع على الدوريات العلمية النفيسة، لكن الشيء الذي لا يقوم على الدليل والبرهان يجب ألا نعتدَّ به ويجب ألا نعتمد عليه.

الآن مثلاً يروج وبصورة قوية جدًّا لما يسمى بالاستشعار الكهرومغناطيسي للدماغ، هذا يُقال أنه من أفيد علاجات الاكتئاب، وهو يختلف عن العلاج الكهربائي المعروف، لكن حين سألنا البعض الذي تعرض لهذا العلاج كانت إجاباتهم أنهم قد استفادوا منه لكن لم تكن الفائدة كبيرة، وهنالك من قال أنه قد استفاد منه، (وهكذا).

إذن الإنسان يأخذ من المنبع العلاجي المتاح وبالتواصل والتعاون مع طبيبه الذي يثق به، وأعتقد قبيلة الأطباء مسؤولة مسؤولية كبيرة أن تكون هنالك أمانة وصدق والتعاون مع من يأتيهم طالبًا المساعدة بكل شفافية وبكل احترام وتقدير، وهؤلاء كثر موجودون أخِي الكريم.

فلا يأس أبدًا، حتى وإن كان للطب محدودية، فرحمة الله تعالى ليس لها حدود، ومهم جدًّا وكما ذكرت لك سابقًا موضوع العمل، العمل مهم جدًّا، وضروري جدًّا، والعلاج بالعمل أحد العلوم الراقية جدًّا، العمل يؤهل الإنسان فكريًا ومعنويًا وماديًا وتواصليًا، وفيه خير كثير من الناحية العلاجية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

www.islamweb.net