كيف يمكنني التخلص من وسواس الموت وحديث النفس؟
2014-08-06 06:38:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
جزاكم الله خيراً على ما تقدمونه، وبارك في سعيكم.
أنا أعاني من وسواس الموت منذ مدة تقريباً من 11 شهراً، أصابني الوسواس بعد أن مرض أبي -أطال الله عمره في الطاعة-، ومن بعدها وأنا أعاني من هذا الوسواس الذي حرمني السعادة، وبعد مدة خف عني كثيراً، وكدت أنساه، لكن منذ شهرين أصابني وسواس العقيدة، والذي نكد علي حياتي، ويجعلني أبكي كلما جاءني، وهو الوسواس الذي يلح علي أن أنطق بما يدور في نفسي، وهو سب الله -جل جلاله-، وأنا أخاف جداً أن أنطق به، أحس بشيء يجبرني عليه، يقول: انطقيه، وأنا أتعذب وأحاول تجاهله، لكنه يلازمني، وأنا أخاف أن أنطقه وأخرج من الدين، طول الوقت وأنا حزينة وخائفة، وأعيش في حالة لا يعلم بها إلا الله.
بعد دخول رمضان، رأيت في المنام أنني أختنق أو أحتضر وأنا أنطق الشهادة، لكن صوتي اختفى، فقمت مفزوعة من النوم، وبعد ذلك عاد لي وسواس الموت مرة ثانية.
والآن أعاني من الوسواسين معاً، فأخاف أن أموت على غير هذا الدين، أخاف جداً من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:" إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها".
أحيانا أتغلب على هذا الوسواس، وأحياناً يتغلب علي لدرجة أنني أصاب بحالة اكتئاب شديد، حتى صلاتي وقيامي في رمضان لم يكن كما السابق، أحس أنني أتعب إذا قرأت القرآن، وأشعر بالدوار وعدم الاتزان، وأنه سيغمى علي، ونزل وزني، وشهيتي قلت -والحمد لله على كل حال-.
وأنا من النوع الكتوم، لدرجة أنه لا أحد من أهلي علم بحالتي هذه، أعيشها وأصارعها بنفسي، لا أحب أن أشتكي لأحد، لكنني أكتب لكم لعلي أجد لديكم ما يخلصني مما أنا فيه.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ tahani حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة-:
النقطة الأولى: فإنه وبداية أحب أن أذكّرك، بأن هذه الوساوس مهما كانت العبارات التي يُطلقها الشيطان على لسانك، ومهما كانت الأفكار التي تعمل في عقلك، لن تؤثر في إيمانك -بإذن الله تعالى- ولن يؤاخذك الله -تبارك وتعالى- عليها، لأن هذه الوساوس وهذه الأفكار السلبية – خاصة فيما يتعلق بذات الملك سبحانه وتعالى – الله -جل جلاله- يعلم أن هذه من كيد الشيطان، وأنك تحبينه، وأنك مسلمة مؤمنة صادقة، ولذلك لا تشغلي بالك بهذه الأشياء، حاولي أن تنظري للفكرة على أنها فكرة تافهة، وأن يكون لديك يقين بأنه مهما حاول الشيطان أن يُلقي على لسانك مثل هذه الكلمات، أو يجعلك تفكرين بها، فإن الله لن يؤاخذك على ذلك أبدًا مطلقًا، حتى وإن تلفظت ببعض العبارات ما دامت رغمًا عنك، فأتمنى أن تتأكدي وأن تكوني على يقين من أن الله -تبارك وتعالى- لن يؤاخذك على ذلك، وأنك لست داخلة في الحديث الذي ذكرتِ جُزءً منه (أن الرجل ليعمل بالعمل من عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أنت بعيدة تمامًا، وأتمنى أن تطمئني من هذه الناحية.
النقطة الثانية: أتمنى أن تقومي بعمل رقية شرعية سريعة جدًّا، بأن تستعيني بعد الله -تبارك وتعالى- بأحد الرقاة الشرعيين الثقات ليقوم بعمل رقية شرعية بالنسبة لك على أسرع وقت، وإذا لم تستريحي (مثلاً) من المرة الأولى، لا مانع من تكرار الرقية، أو لا مانع من الاستعانة براقٍ آخر، لأن بعض الرقاة قد لا يوفق لعلاج الحالة، وتحتاجين إلى راقٍ ثانٍ وثالث ورابع، فهذا لا حرج فيه، ولا تيأسي منه.
النقطة الثالثة: أتمنى أن تستمعي إلى شريط الرقية الشرعية للشيخ محمد جبريل – هذا المقرئ المصري – وهي موجودة على الإنترنت، لو كتبت في موقع البحث جوجل (الرقية الشرعية الصوتية للشيخ محمد جبريل)، وهناك رقية طويلة ورقية قصيرة، فاستمعي للرقية الطويلة والتي مدتها تسع ساعات، حاولي أن تجعليها تعمل بالليل وأنت نائمة بصوت تسمعينه وأنت نائمة، حتى يتم تطهير البيت -بإذن الله تعالى-.
كذلك احرصي – يا بُنيتي – على ألا تنامي إلا على طهارة، وأن تقولي أذكار النوم خاصة آية الكرسي والمعوذات، وأن تظلي في الذكر حتى تغيبي عن الوعي تمامًا -بإذن الله عز وجل -.
كذلك أيضًا أوصيك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء بانتظام خاصة التهليلات المائة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحًا ومائة مرة مساءً، كذلك (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحًا ومثلها مساءً، وكذلك (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات صباحًا ومثلها مساءً.
كذلك المحافظة على الصلوات في وقتها، وينبغي ألا تفرطي فيها مهما كانت الوساوس التي تأتيك في الصلاة أو خارج الصلاة، لا تشغلي بالك بها.
اعلمي -ابنتي الكريمة الفاضلة- أن هذا نوع من الابتلاء والاختبار من الله -تبارك وتعالى- لك، وأنك مأجورة على قدر مقاومتك لهذه الابتلاءات، وهذه الأفكار السلبية، وعلى قدر صبرك، وثقي وتأكدي أن الله -تبارك وتعالى- لم ولن يتخلى عنك أبدًا.
أوصيك كذلك بالدعاء والإلحاح على الله -تعالى- أن يعافيك الله -عز وجل-، أتمنى أن تستعيني أيضًا بأخصائي يصف لك دواء، لأن هذه الوساوس القهرية التي لديك لها علاج -ولله الحمد والمنة-، و-بإذن الله تعالى- سوف تحال هذه الاستشارة على أحد الأخوة المختصين النفسانيين، وسوف يساعدك -بإذن الله عز وجل-.
إذا لم تيسر ذلك فلا مانع من الاستعانة بأحد الأخصائيين النفسيين في مدينتك.
أخيرًا: تقولين بأنك كتومة، وأنك لم تُخبري أحدًا بذلك، وهذا أيضًا جزء من المشكلة، لأنه لو لم تُخبري بذلك ما استطعنا أن نقدم لك أي شيء من المساعدة، فأنا أيضًا أتمنى أن تعرضي الأمر على والدتك أو على والدك – أقرب الناس إليك – وأن تطلبي مساعدتهم في حل هذه المشكلة، لأنه من الممكن أن يساعدونك، لأنك كيف تذهبين إلى راقٍ بغير إذن والديك؟ كيف يأتي الراقي إلى البيت دون إذنْ والديك أيضًا؟ كيف تذهبين إلى أخصائي نفساني دون إذنْ والديك؟ كيف تتعاطين دواء دون علم والديك؟ لا بد – ابنتي الفاضلة – من أن تعلم الوالدة أو الوالد أو أحدهما بمشكلتك، ولا بد أن يقفوا معك حتى تستطيعين أن تتخلصي من هذه المشكلة.
أيضًا دعاء الوالد والوالدة لك لا يُرد، فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا أن دعاء الوالدين لا يُرد، فأنت في حاجة إلى دعائهما، لأن دعائهما أنفع لك من دعاءك لنفسك.
إذًا أنت تحتاجين إلى إخبارهما، وثقي وتأكدي من أن المسألة مسألة وقت، وسوف يشفيك الله -تبارك وتعالى- ويعافيك قريبًا -بإذنه تعالى جل وعلا-.
-------------------------------------------------------
انتهت إجابة: الشيخ/ موافي عزب - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-،
وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم - استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
------------------------------------------------------
بالفعل أنت تعانين من هذه الوساوس المتأرجحة والمتقلبة، والتي تأتيك في شكل موجات تنخفض لحظة وترتفع لحظات أخرى، وهذا هو طبيعة الوساوس القهرية، لكن وساوسك أيضًا من النوع الذي يمكن علاجه -إن شاء الله تعالى- فهذا النوع من الوساوس، ولأنها وساوس أفكار في المقام الأول، تستجيب للعلاج الدوائي بصورة رائعة جدًّا.
الأخت الفاضلة: تخوفك حول الفكرة الإلحاحية المتعلقة بسبِّ الذات الإلهية – تعالى الله علوًّا كبيرًا – أقول لك: هذا لن يحدث أبدًا -إن شاء الله تعالى- نفسك طاهرة ونقية وأقوى من هذه الوساوس، ويُعرف أن الأفاضل من الناس وأصحاب الخلق القويم لا يقعون في الوساوس فعلاً أو قولاً، حين تكون ذات طابع سلبي قبيح على النفس.
أيتها الفاضلة الكريمة: من أفضل طرق علاج الوساوس هو تحقيرها، بل الاستخفاف بها، وأن تتجنبي مناقشة الوسواس، وألا تخضعيه للمنطق، ألا تحلليه، هذه الأفكار (مثلاً) خاطبيها مباشرة وقولي لها (أنت فكرة سلبية قبيحة، لن أناقشك، كل الذي سوف أقوم به أنني سوف أحقرك، وأستخفّ بك، اذهبي عني، أنت تحت قدمي) وهكذا، هذا نوع من المخاطبات الداخلية الذاتية التي وجد أنها مفيدة.
في ذات الوقت، ممارسة تمارين الاسترخاء تخفف من وطأة الوساوس، لأن المكوّن القلقي المصاحب للوساوس القهري كثيرًا ما يكون قويًّا جدًّا، ويؤدي إلى تأزم الحالة أكثر، فاحرصي على ذلك - أيتها الفاضلة الكريمة - واصرفي انتباهك أيضًا من خلال ألا تدعي أي مجالٍ للفراغ.
البشرى التي أحملها لك – وهي العلاج الأساسي – هو أن الدواء مهم في حالتك، والأدوية فاعلة وممتازة، وهي إضافة عظيمة -حقيقة- لعلاج الوساوس، أراحت الناس -الحمد لله تعالى والفضل والمنَّة له-، فاذهبي وقابلي الطبيب النفسي، حتى يُدعم لك ما ذكرته لك، وتكونين أكثر قناعة بتناول الدواء، وإن شئت أن تتناولي الدواء استنادًا وثقة فيما ذكرته لك فهذا أمر جيد.
أحد الأدوية التي أنصح بها كثيرًا من الناس، خاصة الذين أعالجهم عن بُعد، هو عقار يعرف تجاريًا باسم (بروزاك)، ويعرف علميًا باسم (فلوكستين) لأنه سليم، ولأنه فاعل، ولأنه بسيط، ولا يسبب الإدمان، ولا يسبب التأثير على الهرمونات النسوية.
جرعته هي كبسولة واحدة في اليوم، وقوتها عشرين مليجرامًا، تناوليها بعد الأكل، يمكنك أن تتناوليها صباحًا أو مساء، يفضل دائمًا في رمضان مع الإفطار، بعد أسبوعين اجعلي الجرعة كبسولتين في اليوم، وأرى أن هذه الجرعة سوف تكون كافية بالنسبة لك، علمًا أن بعض الناس يحتاجون حتى أربع كبسولات في اليوم، لكن -إن شاء الله تعالى- لن تحتاجي لهذه الجرعة، وعمومًا لو احتجت لها فهي جرعة سليمة.
استمري على جرعة الكبسولتين لمدة ستة أشهر – وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، لأن الوساوس من طبيعتها أنها متكررة وأنها انتكاسية، لذا نفضل أن تكون فترة العلاج طويلة نسبيًا، العلاج بمكونه التمهيدي والعلاجي وكذلك الجرعة الوقائية -.
بعد انقضاء الستة أشهر وأنت على كبسولتين، اخفضي الجرعة واجعليها كبسولة واحدة في اليوم، وهذه هي الجرعة الوقائية التي نتحدث عنها، استمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم اجعليها كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقفي عن تناول الدواء.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.