هل المصائب التي أتعرض لها ابتلاء أم عقاب؟ وما الحل في كثرة مصائبي؟
2014-10-23 02:41:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
تحية طيبة، وبعد:
أنا شاب عمري 24 سنة، كنت مواظباً على الصلاة وقيام الليل في الأيام الفاضلة، والدعاء والصيام والتضرع إلى الله، وبعد ذلك أصبحت أقطع في الصلاة، وتركت قراءة القرآن إلا يوم الجمعة كنت مواظباً على قراءة سورة الكهف، وكنت مدمناً على العادة السرية يوميًا لمدة ثلاث سنوات تقريباً حتى توفي ابن خالتي، وأتى رمضان فاستيقظت ورجعت إلى العبادة والصلاة، وقيام الليل وقراءة القرآن حتى انتهى رمضان.
بدأت المصائب تنهال علي من حوادث في السيارة، ومشاكل مع الأصدقاء، ومشاكل في العمل، وكنت أحمد الله، وبعد ذلك بدأت الأمراض تنهال على جسدي، بدأت في مرض القولون العصبي، وبعد ذلك تشنج في الرقبة وظهري وأرجلي، وصداع أحياناً ووجع في الخصيتين؛ بسبب التوقف عن العادة السرية، وكثر التشجؤ، والشعور بالبرد في أغلب الأوقات، ثم الإصابة بمرض اللوز -التهاب حاد.
الأدوية لم تنفع، وبدأت بأخذ مضادات حيوية إبر، وعملت جميع الفحوصات ولم يظهر إلا نقص في فيتامين د، وزيادة قليلة في الحديد، وأخذت العلاج المناسب، أصبح عندي وسواس أن عندي مرض الإيدز بسبب قلة المناعة وكثرة الأمراض، (مع العلم أني لم أكن على علاقة مع أي فتاة- أو السرطان، لم أرتح يوماً بعد رمضان، أشعر أن أحلامي كلها تبخرت، حاولت قراءة الرقية الشرعية وواظبت عليها، ولكني لا أعرف هل نفعتني أم لا؟ والله اعلم.
الآن بعد أن كنت سأحصل على ترفيع وعلاوة المدير، أصبح يريد نقلي، دعوت الله كثيراً حتى إني أصبحت أتمنى الموت.
لا أعلم هل هذه المصائب ابتلاء أم عقاب؟ وإني أعمل في بنك إسلامي، وتوجد فتاوي في العمل والتعامل لصالحه، هل أترك العمل؟ وما الحل في كثرة الأمراض والمصائب التي أتعرض لها؟ أرجو المساعدة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أيها الأخ الكريم- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية والشفاء.
من الناحية الطبية سيتفضل أحد الإخوة الدكاترة الأطباء بإفادتك بما تحتاج إليه من وصايا ونصائح، أما من الناحية الشرعية فاعلم -أيها الحبيب- أن كل ما يُصيب الإنسان المسلم من الأمراض والأوجاع والآلام والمقادير المكروهة، كل ذلك يُقدّر الله تعالى له فيه الخير، سواء كان رفعة لدرجاته أو محوًا لسيئاته، فالمؤمن أمره كله له خير، إن أصابته سراءَ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له.
والمصائب -أيها الحبيب- فيها منافع عديدة، منها: أنها توقظ الإنسان المسلم وترده إلى الله تعالى، وتُشعره بافتقاره وحاجته إلى ربه، وهذا يدفعه إلى الطاعة وتعلق القلب بالخالق جل شأنه، وهذه أعظم المنافع وأكبرها.
فاحتسب ما ينزل بك من البلاء، واصبر على ما يُقدِّره الله تعالى عليك، وخذ بالأسباب الشرعية، كذلك التداوي لدفع هذا المكروه، واعلم أن لكل أجلٍ كتاباً، فإن الله تعالى يقدر على الإنسان المصائب لا ليُهلكه ولكن ليُطهره وليرفع درجته ويرده إليه، فكن لبيبًا حاذقًا في الاستفادة من هذه الأقدار التي تنزل بك، ولا تجمع على نفسك مصيبة الدنيا ومصيبة الآخرة، فمصيبة الدنيا حاصلة لا محالة لما يتعرض له الإنسان من الأوجاع والأقدار، فلا يضم إلى ذلك فوات ثواب الآخرة والانتفاع بهذه المصائب.
ولا يهمك هل هذه المصائب رفعة للدرجات أو تكفيرٍ للسيئات، فكل ذلك خير يعود عليك، وينبغي للإنسان المسلم ألا يُزكيَ نفسه ويظن بها الظن الحسن الجميل الذي يصل به إلى تطهيرها وتبرئتها من الذنوب والمعاصي، فكلنا نُذنب ونعصي وإن كنا نتفاوت في هذه الذنوب، فينبغي للإنسان العاقل أن يكون دائمًا متهمًا لنفسه بالذنب والتقصير، وإذا كان الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام– وهم أعلى الناس قدرًا عند الله ومنزلة وجاهًا وأكثر الناس عبودية لله تعالى وطاعة، يتهمون أنفسهم بالذنب والتقصير، ويُكثرون من الاستغفار، ويسألون الله تعالى العفو والتجاوز، فما بالك بنا نحنُ، فالظن بنا -أيها الحبيب- أن ما ينزل بنا من المصائب والآلام تكفيرٍ لذنوبنا ومحوٍ لسيئاتنا، وهذه منحة من الله تعالى كبيرة، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (ما يُصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سُقم ولا حُزن، حتى الهم يُهَمُّه إلا كُفِّر به من سيئاته).
فهذا فضل من الله تعالى ورحمة، ينبغي لنا أن نحتسب ثوابنا وأجرنا عند الله تعالى، ولا تسمح لليأس أن يسيطر على نفسك، فإن رحمة الله تعالى قريبة وفضله واسع، فأحسن الظن بالله، فإنه يُذهب المكروه ويُغني الفقير، ويفرج عن المكروب، فهو أهلٌ لكل ظنٍّ حسن، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظنَّ عبدي بي) وفي رواية ابن حبان: (فمن ظنَّ خيرًا فله، ومن ظنَّ شرًّا فله).
فخذ بالأسباب في دفع المكروهات عن نفسك، ومن ذلك التداوي، والإكثار من الرقية الشرعية، واصحب الصالحين، وأكثر من مجالستهم، وداوم على ذكر الله تعالى، وظُنَّ بالله تعالى ظنًّا حسنًا بأنه سيفرج عنك ويُولِيك نعمه وإحسانه.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقدر لك كل خير، وأن يصرف عنك كل مكروه.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية،
وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
نرحب بك في إسلام ويب، وما ذكره لك الأخ الشيخ أحمد الفودعي –حفظه الله– هو عين الحقيقة، ويجب أن تأخذه بحذافيره وستبصر به، كلام جميل وكلام مفيد، فخذ بإرشاده أيها الفاضل الكريم، وكن على يقين تام أن الأمر كله بيد الله.
ومن الناحية الطبية النفسية والاجتماعية، أقول لك: إن الأحداث والشكاوى والأعراض التي تحدثت عنها هي عادية جدًّا، هذا لا يعني أننا نقلل من شأن شكواك، لا، شكواك تأخذ عندنا كل الاعتبار، لكن هذه الأعراض هي أعراض بسيطة تحدث لعدد كبير من الناس، هنالك من تأتيه أمراض شديدة يصبر عليها، هنالك من هو مُقعد، ويُصاب بعد ذلك بأمراض أخرى، شاهدتُ هؤلاء ونجدهم في غاية الصبر.
فيا أيها الفاضل الكريم: غيِّر مفهومك -هذا مهم جدًّا– كل الذي بك من قلق، وأعراض نفسوجسدية، وشيء من عسر المزاج، هو جزء من الحياة، وهذا يمكن علاجه ويجب مقاومته والصبر عليه، وأن تسعى لأن تُطور من ذاتك، أنت لست مصابًا بعلة لا يمكن البرء منها، أنت لست مصابًا بمرض عقلي، أو حتى مرض نفسي ذي بالٍ وشأنٍ ويصعب علاجه.
مخاوفك المرضية لا أساس لها، وأنا أرى أن شيئاً من الهشاشة النفسية قد أصابك؛ مما جعلك قليل التحمل، قليل الصبر، وهذا يجب أن تنتبه له، الله تعالى حباك بالقوة، بالمعرفة، بالتفكير السليم والعقل الراجح، استبصر حياتك بإيجابية، عشها بقوة.
العادة السرية لا فائدة فيها قطعًا، وهي تجلب الكثير من المصائب النفسية والسلوكية، وليس هنالك ما يدعوك لتمني الموت.
كل الذي تحتاجه الآن هو أن تتناول أحد الأدوية البسيطة المحسنة للمزاج، وتمارس الرياضة، وتنظم وقتك، وفوق ذلك تثق في الله تعالى ثقة مطلقة، ثم تثق في مقدراتك.
هذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك، فاذهب إلى الطبيب وقابله. فحوصاتك كلها سليمة، وتناولك لأحد الأدوية المضادة للقلق وللمخاوف سيكون كافيًا تمامًا؛ ليزيل ما بك، وحتى إن بقيت بعض الأعراض يجب أن تصبر عليها، فالصبر نفسه علاج.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق.