مرضي أفقدني الأمل في الله، أرجو نصيحتكم.
2014-10-28 01:33:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
عندي مشكلة دينية: أنا فقدت الأمل في ربنا، عندي فيروس سي وأتعالج منه بالانترفيرون على نفقة الدولة، لم أصلي منذ بدأت العلاج، والذي من أعراضه الجانبية أنه يمكن أن يجعل خلق الشخص ضيق.
قبل العلاج كنت أصلي بشكل منتظم، وقليلا ما تفوتني صلاة، لكن منذ أن تخرجت من الكلية، ولم أجد عملاً، وزملائي معيدون في الجامعة، برغم أن مستواي العلمي أفضل منهم، صرت لا أحس بالصلاة، حتى عندما بدأت في علاج فيرس سي توقفت عنها بالكامل؛ لأنني لم أعد أحس بها.
دعوت ربنا كثيرًا أن أعيّن معيداً، وكانت هناك فرصة أن أعيّن في قسم آخر، لكن حتى هذه ذهبت وبشكل غير متوقع؛ فصدمت حينها، ودعوته كثيراً جداً ألا يحملني ما لا طاقة لي به، وأنا منذ تلك الساعة وأنا أخسر، ولم أعد قادراً على أن أتحمل.
خسرت المعيد، وجاءني شغل وأذللت فيه بشكل غير جيد، وظهر عندي فيرس سي، وأصحابي كل واحد في عالمه، ولا يشعرون بي، لا توجد حاجة جيدة يمكن أن أعتمد عليها، لا أستطيع أن أدعو؛ لأني متوقع أن ربي سيخذلني!
جاءتني وظيفة المعيد الآن بعد سنة، لكني غير محس بها جيداً في ظروف العلاج هذه، وجزء من تفكيري ذهب إلى أن ربنا هو الذي يسر لي المعيد أخيراً وفي القسم الذي أريد، مثلما كنت أتمنى منذ سنة، لكني غير قادر على تقبل العذاب والألم النفسي، وذل السنة التي فاتت.
الصلاة بالنسبة لي هي نوع من الدعاء، ولا أريد أن أدعو مرة أخرى، لا أريد أن أفقد الأمل، أنا واثق أنه لو لم يأت الذي دعوت به، فسيأتي مكانه شيء جيد، لكن الذي يحصل أنه يأتي بعد عذاب وألم، لم أعد قادر على أن أحتمله.
أنا أبعث الرسالة هذه لأني غير قابل للحالة هذه، وبداخلي إيمان راسخ بوجود ربنا، وأن المشكلة عندي في فهمي لربنا، وليست المشكلة في ربنا.
أتمنى أن أجد عندكم ما أبحث عنه.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرد عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقك في حياتك الجديدة، وأن يجعل لك من لدنه وليًّا ونصيرًا، وأن يعينك على حسن الظن به وصدق التوكل عليه، وأن يوفقك في دينك ودنياك وآخرتك.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل-: أرى أن الشيطان قد استطاع أن ينال منك وبقوة؛ لأن الشيطان –لعنه الله– ليس له من هدف حقيقة إلا إفساد العلاقة بين الخلق والخالق، وبين الخلق بعضهم بعضًا، بل وبين الإنسان ونفسه، وأرى أنه -فعلاً- قد نال منك منالاً عظيمًا، وحقق قدرًا كبيرًا مما خطط له وأراده.
أنت –ولله الحمد والمنة– تتكلم عن الدعاء رغم أن الله قد أكرمك، وإن كان قد مر عام، إلا أن الله استجاب لك، ومما لا شك فيه أن هذه نعمة عظيمة تدل دلالة قاطعة على محبة الله لك، وعلى إكرام الله لك، وعلى أن الله تبارك وتعالى قد حقق لك ما كنت تتمنى، حتى وإن كانت هناك فترة من الزمن؛ لأن الله تبارك وتعالى يعلم الوقت المناسب لإجابة الدعاء، ألم يقل سبحانه وتعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}؟ أرى أنك قد ظلمت نفسك، وأسأت إلى ربك بهذا الفهم القاصر.
ثانيًا: أنت الآن أفرحت الشيطان وأسعدته جدًّا بتركك للصلاة، اعلم أولاً: أنك لن تضر الله شيئًا، وأن الله غني عن عبادة العابدين وطاعة الطائعين، ولو أننا جميعًا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا، ولكننا نحن نضر أنفسنا، وأنت تضر نفسك –أخِي الدكتور أحمد–؛ لأنك عندما تبتعد عن الله؛ فأنت ترمي نفسك في أحضان الشيطان، وبالله عليك هل الشيطان سيكون أرحم وأرأف عليك من ربك ومولاك الذي هو أحنّ عليك من أمك التي ولدتك؟! أنت أخطأت الطريق فعلاً، وتجاوزت حقيقة، ولكن من رحمة الله تعالى أن الله لطف بك، وأن الله تبارك وتعالى لم يُعجّل لك بالعقوبة.
أرى –بارك الله فيك– أن تستعيد قواك مرة أخرى، وأن تعود إلى الصلاة مع شيء من المجاهدة، كونك لا تشعر بحلاوة الصلاة الآن، هذا ليس معناه أن الصلاة غير صحيحة، أو أن الصلاة غير مقبولة أبدًا؛ لأن القلوب لها إقبال وإدبار، والشيطان –لعنه الله تعالى– يحرص على أن يصرف العبد عن الطاعة والعبادة بأي صورة ممكنة من الصور.
أرى –بارك الله فيك– أن تتوكل على الله، وأن تجمع قواك، وأن تعود إلى الصلاة مرة أخرى، وأن تتوجه إلى الله بالدعاء أن الله تبارك وتعالى يوفقك، خاصة وأن هذا المرض الآن الذي تتكلم عنه أصبح له علاج، أنت تتعالج الآن على نفقة الدولة، وهي فترة معينة، وسوف تتعافى -بإذن الله تعالى- وتستعيد صحتك وعافيتك وتألقك وكل شيء تتمناه، خاصة وأنك ما زلت في مراحل الشباب، ولم تصل بعد إلى مرحلة الكهولة أو الضعف.
أرى أنك جحدت نعم الله عليك –أخِي الدكتور أحمد– مَنَّ الله تبارك وتعالى عليك بتحقيق أمنيتك وأصبحت مُعيدًا، حتى وإن كان قد مرَّ عليك عام؛ لأنه من الممكن أن تنتظر التعيين لعامٍ أو لعامين أو ثلاثة، وهذا وارد جدًّا خاصة في ظروف كالظروف التي تمر بها مصر.
أرى أن الأمر عادي، ولكنك ضخمته، والشيطان ركز عليك؛ حتى يُفسد العلاقة بينك وبين ربك، ثم المرض –كما ذكرت لك– يسَّر الله لك وللإنسانية اكتشاف دواء ناجع الآن ومفيد، في أكثر من تسعين بالمائة من الحالات -بفضل الله تعالى- يتم شفاؤها، خاصة إذا كانت في مراحل متقدمة كمرحلتك التي أنت عليها الآن.
أرى – بارك الله فيك – أن علاجك في العودة إلى ربك ومولاك، وأن ترتمي على أعتاب بيوته، وأن تقول له: (يا رب، ما لي حيلة سواك، ما لي رجاء إلا فيك، ما لي أمل إلا فيك، ليس لي من ربٍّ سواك ألجأ إليه) وحاول أن تتذلل وتنكسر بين يدي الله تعالى، حتى تستطيع أن تُخرج نفسك من هذه المرحلة التي تتسم باليأس، والتي مُلئت -فعلاً- بالقنوط والإحباط.
اعلم أن حل مشاكلك كلها بيد الله تعالى، وأنك عندما تعطي ظهرك لله فأنت الوحيد الخاسر؛ لأن الله إن وكلك إلى نفسك (والله) لن تستطيع تعيش ساعة واحدة، فعُد إلى ربك سبحانه وتعالى، واستغفر ربك وتب إليه، وحاول أن ترتب لنفسك برنامجًا قرآنيًا كل يوم، ولو أن تقرأ كل يوم صفحة من القرآن؛ لأن القرآن هو مستودع الإيمان، وحافظ على الصلوات في جماعة، واجتهد في ذلك، وألحَّ على الله تبارك وتعالى، واعلم أن الله استجاب لدعائك، وكما استجاب في تحقيق أمنيتك بالعمل معيدًا، سيستجيب لك في كل شيء ما دام في صالحك ولا يتعارض مع شرعه سبحانه.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، إنه جواد كريم.