أصابني الاكتئاب بسبب الصدمة بوفاة والدي.. ما نصيحتكم؟
2014-12-07 04:38:29 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
حين كنت صغيرا توفي والدي وأنا ألعب الكرة خارج البيت، فرأتني ابنة خالتي الكبيرة في السن ألعب بالكرة فأرادت أن تسكتني فخرجت علي وهي تصرخ وتبكي، وتقول: أتلعب وأبوك ميت؟!
لم أكن أعرف أن والدي قد توفي، وعندما سمعت ذلك أصبت بصدمة أثرت علي نفسيا، وأنا الآن أتعالج نفسيا، وكلما تذكرت الموقف شعرت بألم كبير.
اختلطت بداخلي مشاعر الشعور بالذنب والتقصير في حق والدي، وأصبح لدي خوف مرضي من أن يتكرر معي ذلك مرة ثانية، ولذلك أصبحت أمتنع عن كل مظاهر الفرح الذي ممكن الناس تراه، وتفتكر أني فرحان، ويتكرر معي ذلك، هل ما فعلته معي صحيح أم يعتبر من الظلم والإيذاء؟ وهل سآخذ حقي في الآخرة منها لما فعلته بي؟ وهل الخوف الذي بداخلي وامتناعي عن مظاهر الفرح خوفا من أن يتكرر ذلك معي صحيح أم خطأ؟ وإن كان خطأ فكيف آمن من أذي الناس وتكرار هذا الموقف معي؟ وما هي الطريقة الحكيمة التي أخبر بها الطفل بوفاة والده؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكر لك التواصل مع إسلام ويب.
أيها الفاضل الكريم: أنا أعتقد أن ابنة خالتك لم تكن تقصد أبدًا أن تُسبب لك أذىً، ربما أنها لم تُحسن التعبير، وتعرف أن هول الموت واضطراب الناس في تلك الأوقات قد يجعل بعض الناس لا يُحسنون تصرفاتهم من دون قصد.
أخي الكريم: لا تحمل عليها أبدًا، والأثر النفسي الذي تركته هذه الحادثة من المفترض أن يتلاشى الآن، أنت كنت صغيرًا والموقف – كما ذكرت لك – كان فيه الكثير من المهابة، ومشاعر الناس متقدة، وكلٌ يتصرف ليس بإرادة كاملة، إنما بشيء من اللاإرادية أيضًا.
لا تجعل هذه الحادثة محفورة في ذاكرتك، لا، رحم الله والدك، وأنت كنت صغيرًا لا تُدرك أو كنت لا تعلم حتى بوفاة والدك، وهذه الفتاة أرادت أن تُخبرك بوفاة والدك لكنها لم تُحسن التعبير، ويجب أن يكون هنالك سعة في النفوس، لا نحاسب على كل شيء.
الذي أراه الآن – وحتى لا تحسُّ بالذنب – هو أن تدعو لوالدك، (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) ومنها (الابن الصالح الذي يدعو له) وأنت - إن شاء الله تعالى – كذلك من الصالحين.
أمر آخر، هو أن تتواصل مع الذين كان يصلهم والدك، هذا أيضًا فيه الكثير من الشيء الذي يؤازرك نفسيًا.
أيضًا اسع لتحقيق أحلام والدك، تصور إن كان والدك حيًّا ماذا كان يريدك أن تكون؟ قطعًا يريدك أن تكون من المتميزين، من المتفوقين، من الشباب الصالحين، اسعَ لتحقيق ذلك، هذا هو البر لوالدك - أيها الفاضل الكريم -.
الأمر لم يصل لحد الظلم والإيذاء، ويجب أن تكون متسامحًا مع هذه الفتاة، وأعتقد أن حساسيتك وتقديرك للأمور بشيء من السلبية هو الذي جعلك تُسقط غضبك على ابنة خالتك هذه.
الخوف - إن شاء الله تعالى – سوف ينتهي من خلال تطبيق ما ذكرته لك، وعش حياتك بفعالية، اجتهد في الدراسة، كن إنسانًا مؤثرًا، أدر وقتك بصورة صحيحة، اسعَ لبر والديك، من هو حيٌّ ومن هو ميتٌ، وخالق الناس بخلق حسن، ومارس الرياضة، وهكذا هي الحياة، الأمر حقيقة لا يتطلب كل هذه الحساسية من جانبك.
أيها الفاضل الكريم: الإنسان ويعامل الناس بخلق حسن، ويكون حذرًا حين يتطلب الموقف الحذر في التعامل مع بعض الناس، وهكذا.
الطريقة الحكيمة التي تُخبر بها طفلاً بوفاة والده؟ هذا يعتمد على عمر الطفل ودرجة إدراكه، وأفضل شيء هو أن نجعل الطفل يستكشف الموقف وحده، الطفل دون أربع سنوات لا يحتاج أن يُخطر إلا إذا سأل يمكن أن يُجيب، مثلاً كأن نقول له: (والدك - إن شاء الله تعالى – ذهب إلى الجنة) وشيء من هذا القبيل.
أما إذا كان الطفل مدركًا وعمره أربع أو خمس سنوات فيخطر ويُخبر من خلال أقرب الناس إليه، وبصورة بسيطة، وعلى نفس المبدأ (أن والدك قد ذهب، وكما تعرف نحن في ديننا الإسلامي نقول: إن الإنسان إما أن يذهب إلى الجنة إذا كانت أعماله طيبة وصالحة، أو يذهب إلى النار إذا كانت أعماله سيئة، ووالدك الحمد لله أعماله طيبة، وذهب إلى الجنة، وهو الآن فرح جدًّا ومسرور).
هكذا مثل هذه المنهجية يقبلها الطفل، لكن يجب أن نراعي عمر الطفل ودرجة إدراكه، ولا تكون الأمور مبسطة للدرجة التي يكتشف الطفل فيها أننا قد خدعناه أو لم نقل له الحقيقة، ونعلم الطفل كيف يدعو ويطلب الرحمة لوالده.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.