أعاني من الوسواس الشديد، ولم أستطع الإعراض عنه
2015-01-27 23:25:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا طالب في السنة الثالثة شريعة، تخصص أصول الفقه، ومن عائلة ميسورة الحال، أنا أحافظ على الصلاة في وقتها وجماعة، وأقوم بالصالحات، والذكر، والدعاء، وأجتنب الكبائر والصغائر، وأتوب في الحال إذا وقعت في أي ذنب، لكن لدي مشكلة كبيرة جدا: ابتلاني الله بمرض غريب جدا، دام 3 سنوات، ولحد الآن أنا لم أفهم ما هو هذا الابتلاء أو الفتنة؟ ولم أعرف ما حلها؟
شخصني الأطباء على أنني مريض بالوسواس القهري والشخصية الوسواسية، فأنا أعاني من الوسواس الشديد، ولم أستطع الإعراض عنه أو قطعه، وأعاني من كثرة حديث النفس بدون انقطاع، وأحس بأنني فعلت أعظم ذنب في العالم، وأني مسؤول على فتنة، وأشعر أنني مشهور، وأن حديث النفس يترجم في الواقع، ويحدث فتنة وكأنه كلام، ولا أعرف ما ذلك الصوت النسائي في رأسي الذي هو لامرأة أعرفها، بل وأحبها، ويقنعني رأسي بأن كل هذا صحيح.
أنا أعاني من الوسواس، والعشق، والقلق، والاكتئاب، والهم، والغم، والحزن، والتعب، والفشل الاجتماعي، والأخلاقي، وفي كل الميادين، وأحس أنني خسرت ديني ودنياي، يوسوس لي الشيطان بأنني لم أحقق الإيمان، ولكنني أنا مسلم، ومؤمن الإيمان اليقيني الجازم التام بالله واليوم الآخر، والملائكة والكتب والرسل، والقدر خيره وشره.
يقتلني الخوف من الكفر والشرك، والنفاق، والخوف من أن أدخل النار، أو أنني أستحق النار بهذه الفتنة الافتراضية، وأخاف أن أموت على غير ملة الإسلام، ويوسوس لي الشيطان: أن الناس يقعون في الكفر، وهذا أمر غريب جدا، ويقنعني رأسي بأن هذا صحيح، ثم وسوس لي الشيطان بأنني وقعت في منهج الخوارج، لكنني لست منهم، وأشهدكم أنني أتبرأ من الخوارج، وأنني من أهل السنة والجماعة، والمعاصي سواء كبيرة أو صغيرة لا تخرج من الإسلام قطعا، ولكنني أسمع الكفر الأكبر القولي يصدر من كثير من الناس، وأحس أنني من نفرت الناس عن دينهم، وأنني واقع أو مسؤول على فتنة كبيرة جدا غيرت العالم.
الغريب في الأمر أنني ألطف إنسان، وأكثر إنسان طيب، ولا أفعل الشر أبدا، ولا أقول الكلام البذيء أبدا، إنما كل هذا حديث النفس الذي يوسوس لي الشيطان، كأنه يعمل كالرادار مع أنني حتى في داخل نفسي لا أقول إلا الخير.
طال عذابي، وأظلمت الدنيا في عيني، وأكد لي الرقاة: أنني لست مسحورا، ولكن حالتي وكأنها السحر الأسود، وأظن أن حالتي هي أبشع حالة، وأحس أنني لا أستطيع أن أتخطى حاجز الوسواس الذي يوسوس لي لمجرد زلة لسان، وأنا أعاني من الانطواء، وعدم التفهم لحالي الذي تعذبت منه طيلة هذه المدة، أنا كثير الخوف من الكفر، وأراجع كل كلمة أقولها، وكل فعل أفعله، أنا كثير الخوف من الشرك، وأصبح ذلك هاجسا مخيفا، وكأن كل ما أفعله هو اجتناب الشرك والكفر، وبت أخاف أكثر من ذي قبل من النفاق خوفا شديدا.
أجيبوا عن هذه بالتفصيل؛ فإن حالتي هي مرجع للمبتلين.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك –أيهَا الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية والشفاء، وأن يُذهب عنك ما تجده من هذه الوساوس.
ما تُعانيه –أيهَا الحبيب– من وساوس بالكفر والشرك لا تضرك -بإذن الله تعالى- في دينك، فأنت على إسلامك وإيمانك، وأكبر دليل على وجود الإيمان في قلبك هو خوفك الشديد من هذه الوساوس، ومن الكفر والموت عليه، نسأل الله تعالى أن يتوفانا وإياك على الإسلام.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد شكى إليه بعض الناس وساوس يجدونها في صدورهم، وأن الواحد منهم يُفضل أن يُحرق حتى يصير حُممة على أن يتكلم بها، فلما وجد ذلك منهم قال -عليه الصلاة والسلام-: (ذاك صريح الإيمان) فجعل كراهتهم لتلك الوساوس ونفورهم منها وخوفهم الشديد منها دليلاً على وجود الإيمان في القلب، والأمر كذلك، إذ لولا وجود الإيمان في القلب المنافي والمُغاير لهذه الوساوس لما انزعج القلب وتألم ولما عشتَ هذه الحالة التي تعيشها.
فنحن نبشرك -أولاً- بأنك على إسلامك وإيمانك، والعلاج الأمثل لهذه الوساوس هو أن تُعرض عنها إعراضًا كُليًّا لا تلتفت إليها، ولا تُعرها اهتمامًا، فإذا فعلت ذلك وثبت على هذا الطريق سيُذهبها الله تعالى عنك، وسييأس الشيطان منك ويتحول عنك.
ولا تبحث عن أجوبة أو استفسارات أو غير ذلك، فإن الإمعان في الجري وراءها لا يزيدها إلا رسوخًا وثباتًا في الصدر، فأعرض عنها إعراضًا كليًّا، وستزول عنك بإذنِ الله.
نسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية، وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
++++++++++++++++++++++++++++++++++++
نسأل الله تعالى أن يسدد خطاك، وأن يبلغك مبتغاك، وأن تكون عالماً شرعياً راقياً ومفيداً لأمته.
أيها الفاضل الكريم: بالفعل أنت تعاني من وساوس، وهي وساوس من النوع السخيف جداً، ومؤلمة على نفسك الطيبة، أيها الفاضل الكريم، الوسواس مرض ذكي، مرض تعسفي، مرض استحواذي، يمزق الكيان الإنساني، خاصة إذا أصيب به الفضلاء والصالحون من الناس.
أيها الفاضل الكريم: هذه الوساوس لا تعني ضعفاً في إيمانك، أو ضعفاً في شخصيتك، هي نوع من الابتلاء، وسوف يزول إن شاء الله تعالى.
أنت صاحب نفس رقيقة، صاحب نفس لوامة، وهذه النفس اللوامة تسلطت عليك من خلال هذه الوسوسة، وجعلتك تحس بالذنب وتحمل نفسك مسؤوليات حيال العالم هي فوق طاقتك، وأنت لست مذنبا في هذا الأمر أبداً، فيا أيها الفاضل الكريم، هذه هي حالتك يجب أن تفهمها، وساوس قهرية ساقتها إليك نفسك اللوامة، والنفس اللوامة هي الضابط وصمام الأمان، والمحبس الراقي والرقيق الذي يدفعنا -إن شاء الله- نحو أن تكون نفوسنا مطمئنة، ويحمينا أن تكون نفوسنا أمارة بالسوء.
أيها الأخ الكريم: حقر هذه الوساوس، لا تعطها اعتبارا، لا تحاورها ولا تدخل في نقاشها، هذا هو جوهر العلاج في حالتك، يضاف إلى ذلك العلاج الدوائي، وساوسك كلها وساوس فكرية، والوساوس الفكرية تعالج علاجاً فاعلاً ومؤثراً من خلال تناول الأدوية، والسبب في ذلك أن معظم هذه الوساوس ناتجة من عدم توازن في كيمياء الدماغ، فأريدك أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وإن شاء الله تعالى سوف تستفيد كثيراً.
إذا لم تستطع أن تذهب إلى الطبيب النفسي يجب أن تقتنع بتناول الدواء، والدواء الذي سوف يفيدك هو عقار باروكستين، ويسمى زيروكسات في الجزائر، وتوجد مركبات أخرى من هذا الدواء، الجرعة المطلوبة في حالتك هي أن تبدأ بـ 20 مليجراما حبة واحدة تتناولها ليلاً لمدة شهر، ثم تجعلها 40 مليجراما أي حبتين ليلاً، وهذه الجرعة العلاجية التي يجب أن تستمر عليها لمدة 4 أشهر، ثم خفضها حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، هذه المدة الوقائية الضرورية،
بعد انقضاء 6 أشهر اجعل الجرعة الباروكستين 10 مليجرام أي نصف حبة يومياً لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم نصف حبة مرة واحدة كل ثلاثة أيام، ثم توقف عن تناول الدواء. وأريدك أن تضيف دواء آخر داعما يعرف باسم ريزبيردون، والجرعة المطلوبة هي 1 مليجرام تتناولها مع بداية العلاج، تتناولها ليلاً لمدة شهر، ثم تجعلها 2 مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم 1 مليجرام ليلاً لمدة شهرين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
أخي الفاضل: هذه الأدوية سليمة وفاعلة، وربما تسبب لك آثارا جانبية بسيطة، مثل: زيادة النعاس، أو الشعور بالاسترخاء في بداية العلاج، كما أن هذه الأدوية قد تؤدي إلى تأخر القذف المنوي بالنسبة للمتزوجين، لكن أبداً لا تؤدي إلى العقم أو التأثير على ذكورية الرجل.
أيها الفاضل الكريم: املأ وقتك بحسن إدارته، ولا تترك مجالا للفراغ الذهني أو الفكري، أو المعرفي، أو الزمني، فالوسواس يتسرب إلى النفوس من خلال الفجوات والفراغات إن وجدت في أفكارنا، أو في محيطنا الزمني أو الجعرافي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.