الأفكار وأحلام اليقظة تقلقني

2015-01-26 04:35:32 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم
في البداية أود أن أشكركم على الموقع الرائع.

مشكلتي بدأت منذ عام تقريبا، وكانت عبارة عن مشاكل في النوم، حيث كنت لا أنام سوى بضع ساعات، استمرت لعشرة أيام ثم خفت، لكني استطعت أن أتخطاها، واستمرت حياتي جيدة نوعا ما مع بعض الصعوبات في النوم.

لكن ومنذ بضعة أشهر أصبح الوضع سيئا، حيث أصبحت مشكلة النوم أكبر، سواء صعوبة في البدء، أو الاستمرار فيه، أو حتى الاستيقاظ مبكرا، وأيضا لا أضع رأسي لأنام حتى أحس بأن الدنيا كلها في ذهني، سواء كان ذلك أحداثا تتعلق بي أو غيرها، مثل: الحوارات التي أجريتها مع الأصدقاء، الكلام الذي دار في المحاضرة وغيرها، وأيضا ما سأفعله، كأن أريد أن أعمل بحثا أو مراجعة دكتور، فيدور كل شيء أريد قوله في ذهني (كسيناريو) طبعا دون أن أتخيل الموقف، فهي اقتحامية، أو ممكن أتخيل موقفا وممكن أكون فيه، وأتخيل الرد عليه كيف سيكون؟ وهذا الشيء أصبح جل تفكيري طوال اليوم وليس أثناء النوم فقط.

وحين الاستيقاظ من النوم أجد دماغي مركزا أو متخيلا الشيء ذاته، موقفا أو سيناريو ما مر علي، مثلا: أستيقظ أغلب الوقت مبكرا، وبسبب ذلك أجد دماغي متخيلا موقفا وأنا مع الأصدقاء، وكأني جزء من ذلك، أشبه بالحلم، وهذا الشيء متكرر، ونتحدث مع بعض فهل هي تخيلات أم ماذا؟

بناء على اطلاعي على استشارات سابقة أشعر أن لدي حديث نفس، وأحلام يقظة، وتخيلا أكبر من اللازم، فما أن يذكر موقف ما أو جملة ما إلا ويطير دماغي متخيلا ذلك الموقف، وهكذا...، أو تأتي تلك المواقف وأتخيل كيف أرد عليها وحدها دون سابق إنذار، علما أنها لا تستاهل ذلك التخيل، فأنا إما خضتها أو أستطيع تجاوزها بسهولة.

الآن أصبح الشيء أكبر بكثير من الأول، وأصبحت حياتي كلها مجرد تفكير في المشكلة التي لدي، أتساءل: ترى ما الذي أعانيه؟ يتراء لي أنه شيء كبير كمقدمة لفصام، أو اكتئاب، أو قلق، أو وسواس، فكل ما يذكر ذلك أمامي يزيد القلق والتفكير لدي بنسبة كبيرة جدا، فلم أعد أحتمل ذلك؟

الأمر الذي يقلقني أكثر هو: أني قرأت أن القلق المرتبط بالحيرة والتوقع السلبي يكون من مقدمات الفصام أو الهلاوس بشكل عام، فكل ما أتذكر تلك الجملة أتخيل كيف يكون السيناريو أليما؟ وكيف يكون موقفي بعدها؟ حيث كل أحلامي وطموحاتي تتحطم، وهكذا أصبح عقلي كله تفكيرا في تفكير، إن لم يكن في المشكلة ففي كل ما مر علي من أشياء، كلها من دون استثناء، كما ذكرت سابقا، سواء حديث قلته، أو جملة ناقشتها، أو كلام من دكتور في محاضرة، كل ذلك أحسه يدور في ذهني باستمرار دون توقف.

لكن بالرغم من هذا فأنا أدرس الماجستير، ودرجاتي جيدة نوعا ما، وأمارس الرياضة (الكرة)وأشاهدها على الرغم من قلة شغفي بها منذ أسبوع تقريبا، فلم أعد أنتظرها كالسابق؛ لكثرة القلق والحيرة المرتبطة بي حول ما أعانيه، كل ذلك كان منذ أشهر وكنت أستطيع تحمل ذلك، لكن منذ أيام زاد الشيء بشكل كبير، أكبر من التحمل، صحيح أني أستطيع التعايش معه لكن إلى متى؟ التحمل والصبر له حدود.

أود أن تطمئنني حول هذه الأعراض، حول النشاط الكبير للدماغ، حيث التخيل في كل ما يدور وما يحيط بي، وما أمر أو سأمر به، حيث يتخيل كل شيء، وخاصة حين أقوم مبكرا من النوم، فأجد نفسي أتخيل أو أحلم، لا أعرف أن أصفه، مثال: جالس مع أصدقاء لي ونتحدث حول موضوع ما، ونمزح ونتناقش، وهكذا، وطبعا ذلك يمر علي يوميا حين الاستيقاظ ومع ظروف وأحداث مختلفة كلها قريبة مني. ما طبيعة هذا الشيء وما السبيل للخلاص منه؟

- أو أن أعرف ما طبيعة التشخيص الممكن حول ذلك الموضوع؟، خاصة وأن جل تفكيري حاليا منصب حول تخيل سيناريو الإصابة بالمرض النفسي وشبحه، وما هو موقفي تجاه ذلك؟ فقلقي حول ذلك كبير جدا فما إن يذكر ذلك أمامي إلا والقلق يزيد بشكل كبير جدا، لا أعرف لماذا؟ وما الحل؟

- أيضا تركيزي قل بشكل كبير عن السابق خصوصا منذ أسبوع، فتجد أصدقائي يضحكون ويتحدثون بكل عفوية وأنا أفكر فيما لدي، أكره ذلك اليوم فأقول في نفسي: ما الذي بك؟ ما حل بك؟ أحاول الخروج من تفكيري لكن لم أستطع، فجل تفكيري فيما لدي.

- أخيرا هل ما لدي شيء خطير؟ أو مآله خطير؟ وهل ممكن أن يؤثر على طموحاتي وأحلامي خاصة مع قرب إعداد رسالة الماجستير والخطوبة -إن شاء الله- وهل يستدعي كل هذا القلق مني؟

عذرا على الطول، وتشتت الطرح، لكني خائف جدا من الموضوع، وأتمنى الإفادة في أسرع وقت، وجزاك الله كل خير.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخِي الكريم: أنت لست مريضًا نفسيًا، من خلال رسالتك الذي استنبطته هو أنك -في الغالب- تعاني من درجة من القلق النفسي المرتبط بشخصيتك، أي أن لديك حالة قلقية كجزء من التكوين النفسي لذاتك ووجدانك وشخصيتك، وهذا أمر نراه لدى الكثير من الناس، ومن يعاني من مثل هذه الحالة دائمًا تجد أن دماغه مُنشغل وتتداخل الأفكار، ويكون في حالة من اليقظة الفكرية المستمرة، وهذا قطعًا يؤدي إلى كثيرٍ من أحلام اليقظة، والاسترسال في الأفكار، وربما يدخل الإنسان أيضًا في طابع وسواسي فيما يخص تفكيره: أسئلة مُحيِّرة، ردودٍ مُحيِّرة، أفكارٍ لا معنى لها، وهكذا...، وأعتقد أنك تمر بشيء من هذا.

أخِي الكريم: حالتك ليس لها علاقة بمرض الفصام، من قال لك أن القلق المرتبط بالحيرة والتوقع السلبي يكون في مقدمات الفصام أو الهلاوس، هذا ليس صحيحًا أبدًا، والأمر ليس هكذا، وليس بهذه البساطة، فمرض الفصام مرض له ضوابطه التشخيصية، وليس له علاقة حقيقية بمرض القلق، فأرجو أن تطمئن أيها الفاضل الكريم.

إذًا أنت تعاني من ظاهرة، ظاهرة قلقية، وأعتقد أن طاقاتك النفسية هذه –أي طاقة القلق– يمكن أن تُوجِّهها توجيهًا صحيحًا، ولتستفيد منها أكاديميًا واجتماعيًا، والتوجيه الصحيح للقلق يكون من خلال ممارسة الرياضة؛ لأن الرياضة تمتص كل الطاقات القلقية السلبية، وتُدعِّم الطاقات الإيجابية التي تجعل الإنسان يحسُّ بأمانٍ واسترخاءٍ، وقطعًا الرياضة تؤدي إلى ترميم خلايا الدماغ وتزيد من فعاليتها، هذا الكلام مُثبت ولا شك فيه، فاجعل الرياضة هي المتنفَّس الأساسي لك.

وعليك أيضًا بحُسن ترتيب الوقت وإدارته، ولا بد أن تكون هنالك بعض التنظيم في تفكير الإنسان من حيث أهدافه، لا بد أن توضع تدابير، وأن تكون الأهداف واضحة وجليَّة (أهداف قريبة المدى، أهداف متوسطة المدى، أهداف بعيدة المدى) هذا يجعل التفكير منضبطًا ويجعله مفيدًا للإنسان، ويُقلل جدًّا من التشويش وأحلام اليقظة.

هذا هو الذي أراه في حالتك، ولا بأس أن تتناول عقارا بسيطا جدًّا مثل عقار يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل Dogmatil) ويسمى علميًا باسم (سلبرايد Sulipride) هو يُهدئ كثيرًا من مثل هذا النوع من القلق، ويجعل التفكير أكثر تركيزًا واستقامة، والجرعة التي تحتاجها هي خمسون مليجرامًا في المساء لمدة أسبوعين، ثم تجعلها خمسين مليجرامًا صباحًا وخمسين مليجرامًا مساءً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا مساءً لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء، وهو من الأدوية الممتازة جدًّا والفاعلة.

بالنسبة لموضوع النوم: من الملاحظ أن الكثير من الذين لديهم قلقٍ نفسي كمكوّن نفسي لشخصياتهم تجدهم لا يحسُّون بحاجة للنوم، هذا أمرٌ ملاحظٌ ومعروفٌ، ونحن نعتبرها حالة طبيعية جدًّا، لكن هنالك أيضًا ضوابط للنوم الصحي، فاحرص عليها:

1) تثبيت وقت النوم ليلاً.
2) الحرص على النوم المبكر.
3) ممارسة الرياضة.
4) تطبيق تمارين الاسترخاء.
5) تجنب النوم النهاري.
6) الحرص على الأذكار.
7) عدم تناول المثيرات والمنبهات والمُيقظات كالشاي، والقهوة، والكولا، والبيبسي، والشكولاتة خاصة في فترات المساء.

دخول الإنسان في مزاج استرخائي عام، وقراءة شيء من القرآن، وهذا دائمًا يكون ساعة قبل النوم، ولو جلس الإنسان على كرسي سوف يحسُّ أن النوم بدأ يأتي إليه، والمبدأ العام -أخي الكريم محمد- هو أن نجعل النوم يبحث عنا ولا نبحث عنه؛ لأننا لو بحثنا عنه سوف ينفر منا، لكن لو تركنا الأمور تسير بعفوية، وعلى نظامها البيولوجي الدقيق فإن النوم يأتي تلقائيًا إن شاء الله تعالى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net