أحس بنوع كره للأصدقاء ولا أتفاعل معهم، فما السبب؟
2015-08-06 02:26:46 | إسلام ويب
السؤال:
عندي مشكلة بعلاقاتي مع الناس وخصوصاً الأصدقاء.
مع الأصدقاء يكون عندي نوع من الكره، وحقد يكون بعض الأحيان بسبب طفيف لا يستوجب الغضب أصلاً، وليس بالسبب الكافي لكل هذا التوغر، مثلاً يقول أحدهم كلمة عابرة فأحس أنها موجهة لي، فيبدأ الكره، ولا أستطيع أن أدافع عن نفسي أبداً بالكلام، وأحياناً يكون الغضب بدون سبب.
العجيب في الأمر أنه عندما يتكلم معي هذا الشخص؛ أنسى تماماً كل الحقد والكره، ولكن عندما يعاود الأسلوب الذي غضبت منه يرجع الكره مرة أخرى، وإذا لم يعاود الأسلوب أنسى كل شيء تماماً.
أنا الآن متبعثر، وأجد صعوبة في وصف ما بداخلي، كل ما أجتهد بالصداقة كان قدر هذا المرض (الحقد والبغضاء) الذي بصدري أكبر، فأكثر وأقرب صديق لي هو الآن أكره إنسان عندي! وأعلم بأنه يكنّ محبة لي بصدره، ويريد أن يتواصل معي دائماً، وبقدر ما يريد أن يقترب مني أود الابتعاد عنه، ومن خلال ملاحظته لهذا التصرف الذي أتصرف به أحس بأنه كشف ما بداخلي، وهو بالفعل يلومني ملامة، وهو نادم على أنه أضاع وقته معي، ويقول أيضا: ليتني كنت أعلم بأنك هذا؛ لابتعدت عنك.
أنا لا أخفي كلام الحق، فهو إنسان صادق في مشاعره، ويقدر الصداقة، ووفي بكل تصرفاته، وعندما أكون بحاجته أجده بجانبي، عكسي تماماً، فلم يجد مني سوى جسم بلا فائدة.
ولي صديق آخر عرف ما هي طريقتي وتصرفي مع الصديق، أي بمعنى عرف كل ما ورائي وما سأفعله بالمستقبل، فهو لا يتعمق معي بالصداقة مثل ما يتعمق مع بقية أصدقائه، وأحس أن عنده هذا الإحساس تجاهي (هذا ما ينفع أنه يكون صديق أفصح بكل أسراري عنه، وليس بكفء للصداقة، وليس عنده المعرفة الكافية، ولا يجيد التصرف إلا بالقليل) مع أن هذا الصديق أقدم صديق لي، وإلى الآن صديق.
أنا أحس بأني غافل، ولست نبيها، وأحس بأنه ليس علي إلا من نفسي، وهذا الشعور نتج بعدما حصل لصديقي أزمة نفسية، فلم أحاول بأن أفعل شيئاً له، إلى أن أتم الله عليه بالشفاء بعد معاناة خمس سنوات، وكان السبب في شفائه صديق له.
بعد فوات الأوان ندمت أني لم أساعده، ولو كنت أعلم ما به؛ لساعدته.
أحس بأني صديق مزيف، ولست بالصديق الذي يضرب به المثل: (الصديق عند الضيق) وأحس بأن المساعدة ثقيلة جداً، والتضحية أيضا من أجل الصداقة. ربما بعض كلامي غير مفهوم، ولكن هذا ما استطعت أن أطلعكم عليه، ولا أعرف لماذا يحصل معي هذا؟
اعذروني على الإطالة بكلامي، فأنا متبعثر جداً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: الإسلام -أخي الحبيب- يحث على الصداقة، ولا يغفل أهميتها، وقد جعلها الله من البيوت التي يجوز للمسلم أن يأكل فيها، قال تعالى: {... أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم}.
وتظهر مكانة تأثير الصديق عند قول بعض أهل النار يوم القيامة: {فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم} وقد أكد هذا المعنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (المرء على دين خليله) وقد قال الله عن شأن الأخلاء يوم البعث والحساب: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌّ إلا المتقين}. وقال: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}.
ثانيا: قد أفاض الشعراء في وصف صفات الصديق، وما يجب أن يكون عليه الصاحب، فقال أحدهم:
إِنَّ صَدِيقَ الحقِّ مَنْ يَمْشِي مَعَــكْ ** وَمَـنْ يَضُـرُّ نَفْسَــهُ لِيَنْفَعـَكْ
وَمَـنْ إِذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَـكْ*****شَتَّـتَ فِيكَ شَمْلَـهُ لِيَجْمَعَـكْ
وتحدثوا عن غياب الأفعال إذا لم تكن مقرونة بالأقوال، فقالوا:
وَلَيْـسَ أَخِي مَـنْ وَدَّنِـي بِلِسَانِـهِ ****وَلَكِنْ أَخِي مَنْ وَدَّنِـي وَهُوَ غَائِـبُ
وَمَنْ مَالُـهُ مَالِي إِذَا كُنْتُ مُعْـدِمًـا****وَمَالِـي لَـهُ إِنْ أَعْوَزَتْهُ النَّـوَائِـبُ
وقد ذكروا كذلك أن المرء لا يحسن أن يعيش وحده، أو يعيش لنفسه، وذكروا أن هذه ليست الحياة السعيدة فقالوا:
وَمَـا المَـرْءُ إِلَّا بِـإِخْـوَانِــهِ****كَمَـا يَقْبِـضُ الكَفُّ بِالمِعْصَـمِ
وَلَا خَيْـرَ فِـي الكَفِّ مَقْطُوعَـةٌ*****وَلَا خَيْـرَ فِـي السَّاعِدِ الأَجْـذَمِ
ثالثا: ما تعاني منه -أخي الحبيب- من الكره والحقد هي من أمراض القلوب، وأمراض القلوب بصفة عامة تحتاج إلى مجاهدة النفس ومغالبتها، ذلك أن الصفات السلبية وخاصة القلبية كما قال أهل العلم: عوامل هدم وقضاء على الفرد والمجتمع معًا. فالفرد الحَقُود لا يعرف البناء بل طابَعه السلبيَّة، ومحاولة تحطيم مَن هو أحسن منه وضعًا أو حالاً بعد أن يحطِّم نفسَه هو. والمجتمع الذي يَشيع فيه خُلق الحِقد لا يعرف الوحدة ولا يصل يومًا ما إلى التماسُك. وكل ما له من عمل هو تبادُل التمزُّق حتى الفناء كمجتمع أو كأمّة.
رابعا: العلاج الناجع -أخي الحبيب- إلى إضعاف هذا المرض، ومن ثم إزالته، هو تقوية الإيمان بالله، والنظر إلى ما أنعم الله به عليك من نعم أكثر من النظر إلى ما نقص منك مما كمل عند غيرك، وأن تعلم أن الله حكم عدل، وأن الله يوزع عطاياه على خلقه، فلن تجد منعما عليه في كل شيء، ولا مبتلى في كل شيء.
خامسا: استحضر أجمل ما في إخوانك عند التفكير في أمر يحملك على الحقد عليهم أو كرههم، فإن هذه النظرة تخفف كثيرا من تلك الحدة.
سادسا: تعلم أن تعين إخوانك ولو بالدعاء، المهم أن تتعود على معاونتهم دون انتظار أن يعاونوك أنت، تعلم أن تفعل ذلك طلبا لرضى ربك وتحصيلا للأجر على ذلك، فإن هذه المساعدة عند النية الصادقة من باب قضاء حوائج المسلمين. ولا يخفى عليك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) وفي رواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (... وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا).
سابعا: من الأمور التي تساعدك -أخي الحبيب- على تجاوز تلك المرحلة: إحسان الظن بالآخر، وتفسير الكلام على المحمل الطيب ما أمكنك ذلك.
وأخيرا: استعن بالله ولا تعجز، وأكثر من الدعاء أن يصرف الله عنك هذا الداء، واعلم أن الله قريب مجيب الدعوات.
نسأل الله أن يحفظك ويرعاك.
والله الموفق.