أعاني من اكتئاب حاد وكل يوم أدعو الله أن يميتني!
2015-08-25 01:00:21 | إسلام ويب
السؤال:
سلام الله عليكم
أنا طالب شاب، مشكلي هو أني أعاني من اكتئاب حاد منذ سنوات، وكل يوم أدعو الله أن يميتني لعدم قدرتي على تحمل ما أعيشه، أنا إنسان انطوائي بارد، لا يشغل خاطري شيء، لا أهتم لشيء، ولا أطمح لشيء.
لا أستطيع النوم في النهار، ومعظم حياتي أقضيها وحيدا بالليل، ورغم أنني قريب من الله -عز وجل- ولم أرتكب يوما معصية كبيرة، وكثير الاستغفار والدعاء، حتى أني قمت برقية شرعية مرات، ولم يتغير حالي.
أكاد أشعر بدمي الذي امتزج بالكآبة لا يستطيع فراقي، ورغم أني باشرت طبيبا نفسيا، ولكني امتنعت عن أن أعالج بمثبطات السيروتونين؛ لأني مقتنع أنه علاج وهمي، بل أريد علاجا فرويديا، ولكن أظن أني لن أنال مرادي، فقد أخبرني أن الأمر صعب، وعرفت أن حالتي مستعصية، طلبي هو أن تدعو الله أن يميتني!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخِي الكريم: أرحب بك في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
أعتقد أن مشكلتك الأساسية هي مفاهيمك وتوجهك حول العلاج وفوائده ونفعه، أنا أحترم رأيك جدًّا –أخي الكريم– لكن أعتقد أن رفضك للعلاج الدوائي مشكلة كبيرة جدًّا، وأعتقد أنه قرار ليس بالسليم، مع تكرار احترامي وتقديري لك.
والمشكلة الثانية هي الاكتئاب النفسي الذي تعاني منه، وأعتقد أنك الآن تعيش في وضعٍ جعلك تتواءم مع الحالة الاكتئابية، حالة الكدر والضجر والسلبية وعدم الفعالية، وهذا أمرٌ خاطئ، لا بد أن تتخذ قرارًا أنك تريد أن تتحسَّن، لا بد أن تتخذ قرارًا أنك تريد أن تتعافى، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تُفعِّل ما نسميه بإرادة التحسُّنِ لديك، لأن الله تعالى لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسهم، فالإنسان الذي لا يريد أن يتغيَّر، الذي يستكين لوضعه الذي هو فيه قطعًا لن يحدث له تغيُّر.
فأنت محتاج أن تتوقف عند هذه النقطة وتُعيد صياغة أفكارك، وتكون أكثر إيجابية.
الأمر الآخر -وهو ضروري- أن العلاج له أربع مكونات –أيها الفاضل الكريم– هنالك المكوّن الدوائي، والمكون النفسي، والمكون الاجتماعي، والمكون الديني. الحمد لله تعالى أنت في المكون الديني ملتزم بصلاتك وطاعاتك، وتثق في الله أنه سوف يُعافيك، وهذا مهم وضروري جدًّا.
الشيء الوحيد الذي لا أتفق فيه معك هو أنك تدعو الله تعالى أن يُميتك، هذا ليس أمرًا صحيحًا، هذا أمرٌ خاطئ تمامًا، الإنسان لا يتمنى الموت، وأنت حالتك ليست ميؤوسا منها لتدعو على نفسك بهذه الطريقة.
العلاج الاجتماعي يتمثل في أن يفصل الإنسان بين مشاعره وأفكاره وأفعاله، يعني: مهما كانت الأفكار سلبية والمشاعر سلبية يجب أن تُفعل ضلع الفعالية –كما نسميه– إذا نظرنا للسلوك في شكل مثلث (أفكار – مشاعر – أفعال) هنا الأفعال يجب أن تُفعَّل مهما كانت المشاعر والأفكار، يعني أن ترتبط اجتماعيًا، أن تتواصل اجتماعيًا، أن يكون لك وجود في داخل الأسرة، أن تكون لك مساهمات، أن تمارس رياضة جماعية، أن تُصلي مع الجماعة، أن تذهب إلى الأسواق، أن تشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، وهكذا.
أما العلاج السلوكي: لا أدري لماذا أنت تُريد في مشاكل العلاج الفرويدي؟ لا أعتقد أنه ذو فائدة، والمدرسة الفرويدية الآن أصبحت جزءًا من تاريخ الطب النفسي، ولا أعتقد أنها مفيدة في حالتك، الذي يفيدك هو العلاج السلوكي المباشر، والذي يقوم على مبدأ التفكير الإيجابي، الأفعال الإيجابية، وتقليص السلبيات، وأن تجعل لحياتك هدفًا.
المكون الرابع في العلاج هو المكون الدوائي، والحمد لله تعالى ومن فضله علينا أننا الآن لدينا أدوية فاعلة جدًّا لعلاج الاكتئاب النفسي، فيا أيها الفاضل الكريم: لا تحرم نفسك من العلاج الدوائي، اذهب إلى الطبيب الذي تثق فيه، ودعه يوضِّح لك ويشرح لك ويضع لك الخطة العلاجية الدوائية، وإن كان بالإمكان أن تتواصل معه علاجًا سلوكيًا هذا أراه أيضًا سوف يكون مفيدًا بالنسبة لك.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عامٍ وأنتم بخير.
+++++++++++++++
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د/ أحمد المحمدي المستشار التربوي
+++++++++++++++
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: الاكتئاب -أخي أحمد- مرتبط بأمرين:
1- ضعف الوازع الديني.
2- كثرة الاستغراق في السلبيات وتجاهل الإيجابيات.
وحتى يتخلص المرء من الاكتئاب عليه أن يجتهد في إصلاح الأمرين معا.
ثانيا: حتى يقوى الوازع الديني؛ لا بد من فهم عدة أمور:
1- ما أنت فيه لون من ألوان الابتلاء، والبلاء -أخي الحبيب- مراد لذاته؛ حتى يعلم الله الخبيث من الطيب، وهذا البلاء لا يخلو أحد منه في هذه الحياة؛ فهي دار كدر وابتلاء، وقد قال الله تعالى: {الم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} لابد –إذن- من البلاء والفتن حتى يصبر أهل الحق فيرفعهم الله إلى أعلى درجات الجنة.
الشاهد أن طبيعة الحياة مجبولة على الكدر والابتلاء، وأي زعم بأن بيتا خال من المشاكل هو قول نظري لا صلة له بالواقع، فما من بيت إلا وفيه هم أو غم، أو مشاكل من أي نوع، تلك طبيعة الحياة التي أوجدنا الله فيها:
جبلت على كدر وأنت تريدها == صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها == متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة == والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما == تبني الرجاء على شفير هار
2- يشد عزمك -أخي الحبيب- تذكر قصص أهل البلاء، ومنها قصة أيوب -عليه السلام-، يقول أحد المعاصرين: وقصة ابتلاء أيوب -عليه السلام- من أروع القصص في الابتلاء، والنصوص القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل، وأيوب -عليه السلام- هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله: {أني مسني الضر} ووصف ربه بصفته: {وأنت أرحم الراحمين} ثم لا يدعو بتغيير حاله؛ صبراً على بلائه، ولا يقترح شيئاً على ربه؛ تأدباً معه، وتوقيراً، فهو أنموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه؛ اطمئناناً إلى علمه بالحال، وغناه عن السؤال، وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب -عليه السلام- إلى ربه بهذه الثقة، وبذلك الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت نهاية الابتلاء، قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم} رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم {رحمة من عندنا} فكل نعمة فهي من عند الله ومنه {وذكرى للعابدين} تذكرهم بالله وبلائـه، ورحمته في البلاء، وبعـد البلاء، وإن في بلاء أيوب -عليه السلام- لمثلاً للبشرية كلها.
3- يقوي عزمك ويجعلك صلبا: الإيمان بالقضاء والقدر، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، بل لن تحصل على سعادة حياتك إذا لم يترسخ عندك هذا الفهم، يقول أهل العلم: من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش، المؤمن –أخي- يعلم قطعا أن الله لا يريد له إلا الخير، وأن ما هو فيه هو الخير لك قطعا، ويؤمن أنه قد يتمنى الشر يظنه خيرا ولا يدري، وقد يبتعد عن الخير عمدا وهو لا يعلم، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}. فكن على يقين بأن اختيار الله لك هو الأفضل دائما، وهنا سيطمئن قلبك ويستريح، فلا نريدك أن تقلق أو تضطرب، أو تتمنى ما ذكرت، فقد يكون عين ما تخاف منه هو قلب ما تريده، وقد يكون ما تظنه شرا الآن هو الخير في الغد، وقد تكون تلك النازلة من ورائها الخير الذي لا تعلمه:
ولرُبٌّ نازلةٍ يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها * فُرجت وكنت أظنها لا تُفرجُ
4- من أهم الأسباب الدافعة إلى زيادة معدل الإيمان ما يلي:
- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته؛ ازداد إيماناً بلا شك.
- النظر في آيات الله الكونية، والشرعية قال تعالى: {وفي الأرض آيات للموقنين* وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
- كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته؛ ازداد بذلك إيماناً سواء كانت هذه الطاعات قولية أم فعلية، فالذكر يزيد الإيمان كمية وكيفية، والصلاة والصوم والحج تزيد الإيمان أيضاً كمية وكيفية.
5- لا تتمنّ الموت فأنت لا تدري ما بعد الموت، وقوّ ثقتك بالله تعالى فهو الذي يستطيع تغيير أحوالك، ففي حديث أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي. رواه السبعة إلا أبا داود. وفي مسند أبي يعلى: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي.
5- الصحبة الصالحة -أخي الفاضل- هي الإطار الجامع الذي يحفظ عليك ما مضى من طاعة ومن خير، والمرء بإخوانه وإخوانه بدونه.
ثالثا: يقوي عزمك تذكر ما أنعم الله به عليك، فإنك ذكرت الأمور السلبية، لكنّا على ثقة من أن في حياتك أمورا كثيرة إيجابية، نرجو أن تذكرها دائما خاصة إذا غلب عليك التفكير في السلبيات.
هذا -أخي الحبيب الفاضل- مع ما ذكر الطبيب الفاضل- هو الطريق السديد للخروج مما أنت فيه، فاستعن بالله ولا تعجز، وعليك بالدعاء؛ فهو سهم صائب، ونسأل الله أن يحفظكم وأن يرعاكم، والله المستعان.