كيفية التصرف عند تقصير الأم في العدل
2004-11-28 10:32:06 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الأفاضل المكرمون السلام عليكم، وبعد:
المشكلة أساسها أمي، وإليكم التفصيل:
أنا رجل متدين وسني بل إن شئت قل شيخ، أعمل في مجال التحقيق منذ عشرين سنة تقريباً، وعملي حر، بل من الله علي ولي كتب مطبوعة، متزوج وأسكن في شقة من غرفتين في بيت والدي رحمه الله، وطبعاً في مجال التحقيق ممكن أظل أبحث عن معلومات للتوثيق لا يعبأ بها صاحب دار النشر كتقدير مادي، فبالتالي يكون الدخل النهائي يعتبر محدوداً، وكما كان يقال زمان حينما يقال مثلاً: فلان أصبح من أصحاب المحبرة فكان يبشر بالفقر.
بدأت حياتي متوكلاً على الله وأنا وإلى الآن في توكل على الله تعالى لعله محمود.
والدي يعتبر ميسوراً مادياً وريح أخوتي وسكَّن في البيت بعض أخوتي في شقة أربع غرف، ومن سكن من أخوتي بعيداً عن البيت أعطاه بديلاً، وأنا لأن سكني في شقة صغيرة قال يكون لك عندي الفارق وقدر من غير ظلم بمبلغ 3000 جنيه مصري، فلما توفي وذلك منذ 17 عاماً بالتقريب أعطاني أخوتي المبلغ وطبعاً اشتريت بكم منه مراجع وسددت جزءاً من الديون وجزءاً احتفظت به حتى أنتهي من الكتاب الذي أعمل فيه وقتها.
وظللت أعمل حتى الآن في المجال الديني وأصبح لي ولدان وأربع بنات، 3 ختموا القرآن منذ فترة (كل ذلك في الشقة ذات الغرفتين (67 متر تقريباً) التي أعمل في التحقيق في جزء من إحدى حجراتها) .
ما المشكلة:
والدي جعل الشقة الكبرى التي كان يعيش فيها (120متر) من نصيب أخوتي البنات (وهن ثلاث: مهندسة وصحفية في كبرى جرائد مصر والثالثة مدرسة إنجليزي وزوجها محام ميسور)، والوحيد من ذكور أبي المقر بهذا منذ وفاته حتى الآن هو أنا وحدي، أما الباقين فيعتبرون أنفسهم شركاء في الشقة كلهم ولكن تأدباً سيكون ذلك بعد وفاة والدتي المسنة (أبقاها الله ومتعها بالصحة وحسن العمل).
عقار والدي به شقتان مسكونتان من غير أخوتي فطبعاً كلنا أمل لو خرجوا حتى ولو بالمال.
والدتي (وبفضل الله تعالى أنا أبر ولدها بها، بل وزوجتي المنتقبة أبر بها من بناتها فالحمد لله، أما خدمات أخوتي فلطمع في مالها، ورغم إنني أفقر بل لا يوجد في أسرة أبي فقير غيري فلي دكتور جامعي طبيب جراح ويعمل في الجامعة وماهر وممتاز، ويعمل الآن في السعودية، وطبيب آخر عمل في السعودية عشر سنوات ويقيم الآن بمصر و...
فرغم أننا الفقراء بلا منازع في الأسرة إلا أن الله تعالى أكرمنا بسعة الصدر.
أوقات يأتي إلي من يطلب العلم ويقيم إقامة كاملة بزوجته فنقسم الشقة إلى نصفين، (ولكن هذا والأولاد صغار أما الآن فلم يطلب مني أحد حتى أكون في فتنة الرفض).
أقول: ورغم برنا بوالدتنا وأنا كنت قبل اشتداد المرض نوعاً ما الذي أنظف لوالدتي الشقة أنا أو ابنتي الكبرى المنتقبة أو زوجتي المنتقبة، وظللنا على ذلك فترة وكانت تتعمد إرهاق ابنتي أو إرهاقي.
كل ذلك لأنها تميل قلبياً لبناتها، فلا تريد منهن الحضور إلا وشقتها التي تبلغ 120 متراً منظفة حتى لا يتحرجوا هن ويضطروا للتنظيف.
وهي تتمنى أن لو تعطيهن كل شيء (القلب وما يريد).
حينما كانت تتصور والدتي خروج أحد السكان لأنها تريد الشقة لبنتها الصغرى، ولأن المفروض يكون في منافستها (العبد الفقير) فيعطيهم الشقة الصغيرة، ويأخذ الشقة الكبيرة ويقدروا الفرق ويخصم مستحقي من الشقة الفارغة ثم أدفع المتبقي (وكنت سأقترض هذا المبلغ).
لأنني المفروض أدبياً ابن صاحب البيت وذو الأبناء الكثير، أما هي ذات الزوج الميسور والأبناء الأقل.
لأنني أيضاً كنت المفروض أنافسها (رغم أنني لم أصرح أبداً)، لأنني أستبعد الرحمة منهم، كان نصيبي من ثورة أمي عليّ حتى لا أطمع في هذه الشقة الفارغة مما جعلني وأنا الأقل مالاً والأكثر عيالاً، والذي أعمل دينياً في نصف غرفة من المنزل. جعلني حزنها أن أتنازل لها عن نصيبي لأختي في الشقة وبدون مقابل.
ثم ما لبث الأمر وبعد أن كان تنازلي لها الميسر لها فكم من إخوتي اضطر اضطراراً نحوها إلى إرجاء الدفع . متى تريد.
من حقد والدتي -عفواً في التعبير- وهي ثرية أنها كانت تقول: (لاحظوا هي طوال السنين منذ زواج أختي الصغيرة من 15 سنة وأنا الأنيس لها فلا يدخل عليها أحد إلا أنا وكان الوقت ساعة في النهار ابتداء من يقظتها الواحدة ظهراً وإعداد الإفطار لها، وساعة بعد العشاء، ثم النوم في غرفة من شقتها وترك أولادي لأنه يخشى أن يدخل عليها سارق (لأنها مسنة 80 سنة وثرية).
ظل ذلك حتى جاءت أختي البيت وسكنت من عام تقريباً فأصبحت تشركني في الجلوس معها ساعة أو ساعتين لكن البيات طبعاً ترفض.
أقول: من حقد أمي كانت تقول: أنتم لما أموت هتغنوا، وكانت تقولها وكأنها تتحسر، ومين في أولادها الذي سيحدث له طفرة في ذلك هو أنا فقط الباقي مستريح فصعبت علي نفسي وقلت لها: يا والدتي إن شاء الله تعالى لو كان يوم وفاتك قبل وفاتي فإن شاء الله ما سيكون من مالك لي هو صدقة جارية لك في معهد السرطان، وأخذت على أولادي عهداً إن أصابني الله بمرض السرطان لا يدخلوني في المعهد الذي قررت أن يكون مالها فيه حتى لا يصيبني من مالها شيء، وقلت لهم يذهبوا بي إلى معهد بعيد (نسأل الله وحده العافية، ولكنه القهر والشعور بالظلم ممن!!، ممن هي مفروض تكون أرحم بك من نفسك).
سكنت أختي وبفضل الله تعالى يسرت لها السكن، ووقفت مع زوجها، ونظفت معه الشقة ولا غضاضة.
ثم دار بهم الأمر لأنهم يحسون أن أولادي كلهم بل العارفين بالوضع يعرفون أني ظلمت، فالآن يريدون إجباري بشتى الوسائل وخاصة حينما يعلمون مثلاً أن ديناً من الديون وجب سداده ولا أجد ما أدفعه، أن يدفعوا لي مبلغاً بسيطاً ويعتبروه هو حقي، فأقول لهم إن أختي لها نصيب في شقة والدتي تعطينيه بدلاً عن حقي في الشقة التي أخذتها، وأقول لهم: لأن والدتي معتادة على السعة يكون ذلك بعد العمر الطويل لوالدتي لكنهم يرفضون.
ويعتبر الكثير ذلك حقي فلأني أرفض غير ذلك فهم مع والدتي يغضبون علي.
فهل في نهاية الأمر أنا مخطئ، المشايخ عندنا يعتبرون تنازلي وعدم أخذي للشقة ورضوخي لوالدتي خطأ كبير.
لاحظوا الضيق بسبب أنني أكون ناظراً في الصفحة وأظل نصف ساعة إن لم يكن أكثر لا أستطيع كتابة سطر واحد.
آسف لعرض الموضوع ولكن لأنني وجدت في شبكتكم الموقرة هذا الباب فقلت أتنفس وأعرض المشكلة للتشخيص، وإن كنت مخطئاً في أن الشبكة الإسلامية لا تعنى ذلك بقولها استشارات نفسية فأرجو إخباري بذلك، وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/Sallhaly حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً، ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يعوضك خيراً، وأن يبارك لك في أهلك ودينك وولدك، ووقتك وصحتك، وعافيتك، وأن ينفع الناس بعلمك، وأن يعطف عليك قلب والدتك وإخوانك، وأن يرزقك الرضا بما قسم الله، إنه جوادٌ كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك، فإنه لمن المؤسف حقاً أن نجد في المسلمين مع الأسف الشديد من يقابل الإحسان بالسوء والنكران، والتواضع والتراحم بالعلو والاستكبار، وإن كان هذا في الواقع ليس بجديد على الناس، فلقد اشتكى بعض الصحابة مثلما تشتكي أنت منه الآن، حيث تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضاً عليه شكواه قائلاً: (يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت على ذلك) رواه مسلم، وبما أنك رجل ملتزم ومحقق للكتب الإسلامية خاصة، فلا يخفى عليك مثل هذا الحديث، فهذا لعمري أشبه ما يكون بحالك، ورغم ذلك لم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع رحمه أو هجرها، بل حثه على مواصلة الإكرام، رغم هذا الجحود والنكران، وإنكار الجميل، بل إن هناك من الأحاديث ما يوضح لنا أمراً يغيب عن بال الكثير من المسلمين، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) رواه البخاري.
وأُحب أن أبشرك أخي الفاضل ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) متفق عليه.
كم أتمنى أن تواصل الحلم عنهم، والصبر عليهم، ومقابلة طمعهم في حقك بالصفح والعفو، وعدم إنصاف والدتك بالمسامحة، وعدم التغير، واعلم أخي الحبيب أن الله لا يضيع أهله، بل ولا يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى، وأن الضيق الذي تعانيه من سوء تصرفات أهلك معك خاصة والدتك، سوف يكون سبباً في تفريج كربتك، وتوسيع رزقك، والبركة في أهلك وولدك، واحمد الله أن من عليك بتلك النعمة التي لا تعدلها نعمة، ألا وهي حفظ أولادك للقرآن الكريم، أما علمت أن حبيبك صلى الله عليه وسلم قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) فاحمد الله حمداً كثيراً، فهذه ورب الكعبة أفضل من قصور كسرى وقيصر، وأعظم من كنوز الدنيا كلها، وفوق ذلك التزام زوجتك وبناتك.
اسمح لي أن أقول لك: أنت أغنى ملايين المرات من أهلك الذين يرضون بالفتات، ويتزاحمون على جناح البعوضة، وأوصيك ختاماً بالصبر الجميل، (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، فأبشر بالخير العظيم والعطاء الجزيل، والخير الوفير.
أما عن قسمك لوالدتك بأنك لم ولن تستفد أو تأخذ من مالها شيء، حتى ولو تبرعت للجهات الخيرية، فهذا ليس لك، حتى وإن كان على سبيل رد الفعل، فالذي أعطاك الحق في ميراث أمك إنما هو الله، فكفّر عن يمينك، ولا تحرم نفسك خيراً ساقه الله إليك، وواصل الصبر على والدتك وأهلك، واستمر في الإحسان إليهم، واجتهد في الدعاء والإلحاح على الله أن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وإن يبارك لك في أهلك ومالك وولدك، واعلم أن ما أوتيته من فضل الله لا تعدله كنوز الدنيا، فأنت أغنى من أصحاب الملايين، فلا تشغل نفسك بالفتات، ولا ترعى مع الهمل، وأبشر بفرج من الله قريب.
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد، وسعة الأرزاق، ومزيداً من البركة في الأولاد.