هل أنا مسحور؟ وهل العلاج الموصوف مفيد؟
2015-11-03 03:33:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أشكر جداً جهودكم الجبارة في هذا الموقع المميز.
قصتي باختصار: أني أشعر بضيق شديد، ونكد دائم، وعصبية شديدة حتى مع أطفالي، ولا أتحمل حركتهم، وغير موفق في حياتي، وأشعر أني أعمل وكل راتبي لا يوجد فيه بركة، وذهبت لشيخ يقرأ الرقية، فأخبرني أني مسحور، وقام بضربي ولم أشعر بشيء، ولكن كنت أسمع أثناء الرقية أصوات صراخ برأسي، وكنت شبه غائب عن الوعي، وبعد القراءة طلب مني أن أستمر على علاج معين من العسل والمسك والزيت، وأنا –بصراحة- لم أقتنع، فهل حقا أن المسحور يجب عليه أن يتعالج بمثل هذه المواد، مع المداومة على الأذكار والرقية؟
مشكلتي بعد ذلك أني أصبحت أعاني من ضغط شديد في العنق كأن شخصا يضغط على رقبتي، وذهبت لعدة أطباء، وقمت بعمل تحاليل، وتصوير، وكلها سليمة، فهل حقا أن الجان قد عاد بعد طرده كما أخبرني الشيخ؟ وبصراحة: أنا في ضيق نفسي شديد، وأخاف أن أصاب بالاكتئاب.
جزاكم الله خيرا، ساعدوني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي الكريم: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يفرج كربك، ويزيل همك، ويكفيك شر كل ذي شر.
بداية -أخي الكريم- لا تغتم، ولا تخش من شيء، وتوكل على ربك، وابرأ من الحول والقوة، وأكثر من (لا حول ولا قوة إلا بالله).
والمسلم إذا تغيرت عليه الدنيا، وضاقت به، نظر في طاعته ومعصيته، فقد يكون ما هو فيه من البلاء رفعا لدرجته، أو تكفيرا لذنبه، وداعيا إلى التوبة أو دافعا إلى طاعة يحبها الله ويرضاها، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}. فلعل الله يحب أن يسمع صوتك وأنت تناديه وتناجيه، ويفتح لك بابا في عبوديته.
ومن يدريك لعل ما أنت فيه هو من كمال نعمة الله عليك، قال ابن مفلح حكاية عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ وَالضَّرَرِ مَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ، وَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ وَذَوْقِ طَعْمِهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ وَالْجَدْبِ، أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ، أَوْ زَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّةٌ بَدَنِيَّةٌ وَنِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ.
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ وَالدِّينِ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَقَالٍ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَكَ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْتَ فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِكَ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ وَأَدْعُو فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قُضِيَ انْصَرَفَتْ. وَفِي بَعْضِ الْإِسْرَائِيلِيَّات: يَا ابْنَ آدَمَ الْبَلَاءُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ. وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ." انظرالآداب الشرعية - ابن مفلح (1/ 182)
وكثير من السلف كانوا ينظرون إلى معاصيهم عند نزول البلاء ويرون أنها هي التي جلبت عليهم ذلك البلاء، قال الفضيل: "إني لأعصي الله -عز وجل- فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي". وعن عثمان النيسابوري: أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلى الجمعة فتعوق لإصلاحه ساعة، ثم قال: ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة.
فبادر -أخي- بتوبة نصوح؛ فهذا أول العلاج.
والثاني: الزم الأدعية التي تعين على تفريج الكروب وإزالة الهم، ومنها:
دَعْوَةِ ذِي النُّونِ -عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- {لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} فَإِنَّهَا لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) رواه الترمذي والنسائي والحاكم.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ, لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ, لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ) قال النووي: "وهو حديث جليل ينبغي الاعتناء به والإكثار منه عند الكرب والأمور العظيمة. قال الطبري: كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب". شرح النووي على مسلم (17/ 47)، وقال ابن بطال: قال أبو أيوب: كتب إليه أبو قلابة بدعاء الكرب، وأمره أن يعلمه ابنه. شرح صحيح البخارى لابن بطال (10/ 108).
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِيهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةٍ (أَنَّهَا تُقَالُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وغير ذلك من أدعية الكرب.
وأكثر من الصلاة، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} وفي قصة جريج العابد وتفريج كربه بعد صلاته، وجعله الصلاة قبل طلبه ما يدل على أنه كان معروفاً عندهم أنها من مفرجات الكروب وباب قضاء الحاجات، وكذا أكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فبها تغفر الذنوب وتفرج الكروب، وعليك بالعلاجات الشرعية للغضب، وتحل بالحلم، وتغافل؛ فخير الناس الفطن المتغافل.
وما ذكرته من إخبار الراقي لك بأنك مسحور، فنقول: التشخيصات ليست يقينية، وإنما هي ظنية، فقد سُحر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يعلم ما أصابه حتى أخبره الله بذلك بعد أن استفتى ربه فأفتاه، فكيف بغير النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! ونحن لا نثبت ولا ننفي الإصابة، ولكن نريد منك أن لا تجعل خبره يقينا؛ فهو اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ.
ومسألة الضرب هذه لا نحبذها، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرقية، ولم يأمر بالضرب، وإذا اضطر الراقي للضرب فله ضوابط ليس هذا موطن ذكرها، لكن على الرقاة أن يهتموا بالرقية بكلام الله وكلام رسوله؛ فالنفع بهما حاصل يقينا.
وأما وجوب استعمال الزيت والمسك والعسل، فنقول: لا يجب، ولكن هذه مناهج ينتهجها الرقاة، ويرون فيها النفع، وثبت بالتجربة نفعها، وقد يزيدون أشياء وينقصون أشياء.
وهذه طرق -ذكرها ابن القيم في علاج السحر- نذكرها لك:
الأولى: استخراجُه وإبطاله، كما صحَّ عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سأل ربَّه -سبحانه- في ذلك، فدُلَّ عليه، فاستَخْرَجه من بئر.
الثانية: الحجامة، قال: واستعمالُ الحجامةِ على ذلك المكان الذي تضررت أفعالُه بالسِّحر من أنفع المعالجة إذا استُعْمِلتْ على القانون الذي ينبغي.
الثالثة: قال: "ومن أنفع علاجات السِّحر الأدوية الإلهية، بل هي أدويتُه النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السُّفْلية، ودفعُ تأثيرها يكون بما يُعارِضُها ويُقاومها من الأذكار، والآيات، والدعواتِ التي تُبْطِلُ فعلها تأثيرها، وكلما كانت أقوى وأشدّ، كانت أبلغَ في النُّشْرةِ، وذلك بمنزلة التقاءِ جيشين مع كلِّ واحدٍ منهما عُدَّتُه وسلاحُه، فأيُّهما غلب الآخر، قهره، وكان الحكم له، فالقلبُ إذا كان ممتلئاً من الله مغموراً بذكره، وله من التوجُّهات والدعوات والأذكار والتعوُّذات وردٌ لا يُخِلُّ به يُطابق فيه قلبه لسانه، كان هذا مِن أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السِّحر له، ومن أعظم العلاجات له بعد ما يُصيبه.
وعند السَّحَرَة: أنَّ سِحرَهم إنما يَتِمُّ تأثيره في القلوب الضعيفة المنفعِلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلَّقةٌ بالسُّفليات، ولهذا فإن غالب ما يؤثِّر في النساءِ، والصبيان، والجُهَّال، وأهل البوادي، ومَن ضَعُف حظُّه من الدين والتوكل والتوحيد، ومَن لا نصيبَ له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوُّذات النبوية.
وبالجملة، فسلطانُ تأثيرِه في القُلوب الضعيفة المنفعلة التي يكون ميلُها إلى السُّفليات، قالوا: والمسحورُ هو الذي يُعين على نفسه، فإنَّا نجد قلبه متعلقاً بشيء كثير الالتفات إليه، فيتسلَّط على قلبه بما فيه مِن الميل والالتفات، والأرواح الخبيثة إنما تتسلَّطُ على أرواح تلقاها مستعِدَّة لتسلُّطِها عليها بميلها إلى ما يناسب تلك الأرواح الخبيثة، وبفراغِها من القوة الإلهية، وعدم أخذها للعُدَّة التي تُحاربها بها، فتجدها فارغة لا عُدَّة معها، وفيها مَيلٌ إلى ما يُناسبها؛ فتتسلَّط عليها، ويتمَكَّن تأثيرُها فيها بالسِّحر وغيره.. والله أعلم". زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 125- 127).
ونصيحتي لك مع ما مضى:
عليك برقية نفسك؛ فرقية الإنسان لنفسه هي أنجع العلاجات وأنفعها، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرقي نفسه، ولما مرض كانت أم المؤمنين عائشة ترقيه، فعنها -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا). فتجمع كفيك، وتنفث فيهما بالمعوذات، هذا من أفضل الرقى، وأنفع التعويذات.
وينفعك أن تقرأ الرقية على ماء وتشرب منه وتغتسل، وعليك بكثرة الضراعة لله، وصدق اللجوء إليه، وتحري أوقات الإجابة، مع بناء اليقين في قلبك بأن الأمة لن تنفعك ولن تضرك، وإنما سيكون ما قدره الله، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفعت الأقلام، وجفت الصحف) ورفع الأقلام يدل على أنها لن تكتب عليك زيادة عما كتبته، وجفاف الصحف يدل على أنه لن يستطيع أحد أن يمحو قدرك؛ فكن على يقين أن الأمور تسير بأمر الله.
وكن حسن الظن بربك؛ فالله عند ظن عبده، فلا تظن إلا خيرا، وانتظر الفرج من الله؛ فإن مع العسر يسرا.
فرج الله كربك، وشرح صدرك، ورزقك اليقين، وحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين.