كيف تفسر الرؤيا، وهل تقع كما فسرت؟
2015-11-17 23:16:24 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أريد منكم الإجابة على ما يلي:
1- إذا كان هناك رؤية لمنام معين فهل يقع أول تفسير لها، وإن كتب في القدر شيء آخر؟
2- إذا تم تفسير الحلم مرتين من قبل المفسرين، فأي تفسير منهما يقع، هل التفسير الأول، أم التفسير الذي يتوافق مع القدر؟
أرجو أن أكون قد وفقت في طرح السؤال.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ محبة الرحمن حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بداية الرؤيا التي تعبر والتي تقع بالتأويل هي الرؤيا الرحمانية، وأما النفسية والشيطانية فلا عبرة بهما ولا بتأويلهما، قال ابن قتيبة في شرح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت".
ولا يراد أن كل رؤيا تعبر وتتأول، لأن أكثرها أضغاث أحلام، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة، ومنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان، وإنما تكون الصحيحة، ثم قال: عن أبي المقدام أو قرة بن خالد قال: كنت أحضر بن سيرين يسأل عن الرؤيا، فكنت أحزره يعبر من كل أربعين واحدة، أو قال أحزوه -وهذه الصحيحة- هي التي تجول، حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول الموفق للصواب.
واختلفوا في أن الرؤيا هل لها حقيقة مستقرة بأنفسها، أو هي تابعة للتعبير، كيفما عبرت؟ فذهب جماعة: إلى أن الرؤيا لها حقيقة مستقرة بأنفسها، ومنهم البخاري، وتمسك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أصبت بعضا، وأخطأت بعضا»، فدل على أن الرؤيا لها حقيقة، حيث لم يدرك بعضها أبو بكر، وأخطأ فيها، ثم بتعبيره لم تتغير حقيقتها، قال الحافظ عند "باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب"، وأشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره، وأخذه من قوله -صلى الله عليه وسلم-لأبي بكر في حديث الباب أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاص، فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه، لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح، ولا عبرة بالتعبير الأول.
قال أبو عبيد وغيره معنى قوله: "الرؤيا لأول عابر"، إذا كان العابر الأول عالماً فعبر، فأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب في تعبير المنام، ليتوصل بذلك إلى مراد الله فيما ضربه من المثل، فإذا أصاب فلا ينبغي أن يسأل غيره، وإن لم يصب فليسأل الثاني، وعليه أن يخبر بما عنده، ويبين ما جهل الأول، ثم رد الحافظ على ذلك فقال: قلت وهذا التأويل لا يساعده حديث أبي رزين، أن الرؤيا إذا عبرت وقعت، إلا أن يدعى تخصيص عبرت، بأن عابرها يكون عالماً مصيباً، فيعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة، ولا يحدث بها أحداً، فقد تقدم في حكمة هذا النهي أنه ربما فسرها تفسيراً مكروها على ظاهرها، مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر، انظر: فتح الباري -ابن حجر- (12/ 432).
وذهب آخرون: إلى أنها تابعة للتعبير، كيفما عبرت، فقال النابلسي: الرؤيا معلقة متوقفة على تأويلها، فمتى أولت وقعت، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الرؤيا على جناح طائر فحيث قصت وقعت"، تعطير الأنام في تعبير المنام (ص: 379)، وفي تعبير الرؤيا (مخطوط) لإبراهيم بن يحيى بن غنام قال: اعْلَم أَن الرُّؤْيَا معلقَة على تَأْوِيلهَا، فَمَتَى أولت وَقعت لقَوْل النَّبِي: الرُّؤْيَا على رجْلي طَائِر فَمَتَى عبرت وَقعت "، واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
الرؤيا لأول عابر، وهو حديث ضعيف، فيه يزيد الرقاشي، ولكن له شاهد أخرجه أبو داود والترمذي وبن ماجة بسند حسن، وصححه الحاكم، عن أبي رزين العقيلي رفعه: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت"، لفظ أي داود وفي رواية الترمذي سقطت، وفي مرسل أبي قلابة عند عبد الرزاق الرؤيا تقع على ما يعبر مثل ذلك، مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، وأخرجه الحاكم موصولا بذكر أنس، وعند سعيد بن منصور بسند صحيح، عن عطاء كان يقال الرؤيا على ما أولت، وعند الدارمي بسند حسن عن سليمان بن يسار، عن عائشة قالت: كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر يختلف (يعني في التجارة)، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن زوجي غائب، وتركني حاملاً، فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلاما أعور، فقال خير، يرجع زوجك -إن شاء الله- صالحاً، وتلدين غلاماً براً، فذكرت ذلك ثلاثاً، فجاءت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- غائب، فسألتها فأخبرتني بالمنام، فقلت: لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك، وتلدين غلاما فاجراً، فقعدت تبكي، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: مه يا عائشة، إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها، انظر: فتح الباري - ابن حجر (12/ 432).
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في تخريج لتبويب البخاري، أن الرؤيا تكون للمعبر الأول إذا قصر الرائي، ولم يسأل غيره فقال: "يمكن الجواب بأن ذلك يتعلق بالرائي، فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه، أن يبادر فيسال غيره ممن يصيب، فلا يتحتم وقوع الأول، بل ويقع تأويل من أصاب، فإن قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول"، فتح الباري - ابن حجر (12/ 432)، ويقال أيضا: لقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصديق الخطأ، ولم يتعرض -صلى الله عليه وسلم- لمسألة وقوع التعبير من عدمه، ويقال أيضا: أن المعبر من قدر الرؤيا، فكل رؤيا يراها الإنسان يقيض الله لرائيها معبر يعبرها على القدر المحتوم، وقد أشار الحافظ إلى ذلك المعنى في تعقبه للكرماني فقال: قال إبراهيم بن عبد الله الكرماني: المعبر لا يغير الرؤيا عن وجهها عبارة عابر ولا غيره، وكيف يستطيع مخلوق أن يغير ما كانت نسخته من أم الكتاب؟ غير أنه يستحب لمن لم يتدرب في علم التأويل أن لا يتعرض لما سبق إليه من لا يشك في أمانته ودينه، قلت، وهذا مبني على تسليم أن المرائي تنسخ من أم الكتاب على وفق ما يعبرها العارف، وما المانع أنها تنسخ على وفق ما يعبرها أول عابر؟ فتح الباري - ابن حجر (12/ 437).
قال الطيبي: الرؤيا مستقرة على ما يسوقه التقدير إليه من التعبير، فإذا كانت في حكم الواقع قيض وألهم من يتكلم بتأويلها على ما قدره فيقع سريعاً، وإن لم يكن في حكمه، لم يقدر لها من يعبرها، شرح المشكاة للطيبي "الكاشف عن حقائق السنن" (9/ 3011)، وقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: في شرح حديث أبي رزين العقيلي معنى الحديث: لا تستقر الرؤيا قرارها كالشيء المعلق على رجل طائر، وذلك مثل قولهم: كأنه على جناح طائر، أراد بذلك -والله أعلم- أن الرؤيا على ما يوقة التقدير إليه من التفسير، فإذا كانت في حكم الواقع قيض لك من يتكلم بتأويلها على ما قدر (وهي لأول عابر)، يريد أن العبرة فيها بعبارة أول عابر، وذلك إذا كان عارفا بمعاني التعبير، فإن قيل: كيف له التخير فيمن يعبر على ما ورد به الحديث، ولا يقصها إلا على واد أو ذي رأي، والأقضية لا ترد بالتوقي عن الأسباب، ولا تختلف أحكامها باختلاف الدواعي.
قلنا: هو مثل السعادة والشقاوة والسلامة والآفة المقضي بكل واحدة منها لصاحبها، ومع ذلك فقد أمر العبد بالتعرض للمحمود منها، والحذر عن المكروه منها، وفيه (ولا تقصها إلا على واد أو ذي أرى)، قال الزجاج: إنما أمر بذلك؛ لأن الواد لا يحب أن يستقبلك في تفسيرها إلا بما تحب؛ لأن تعبيرها يزيلها عما جعلها الله عليه، وأما ذو الرأي فمعناه: ذو العلم بعبارة الرؤيا فإنه يخبرك بحقيقة تفسيرها، أو بأقرب ما يعلم منه، الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (3/ 1020).
قال الحسين بن محمود: الرُّؤيا قبلَ التعبير لا يثبت شيءٌ من تعبيرها على الرائي، ولا يلحقه منها ضررٌ، بل تحتمل تلك الرُّؤيا أشياءَ كثيرةً، فإذا عُبرَتْ ثبتَ للرائي حكمُ تعبيرها خيرًا كان أو شرًّا، وهذا تصريحٌ منه -صلى الله عليه وسلم- بأن التعبيرَ لا ينبغي لكل أحد، بل ينبغي لعالِمٍ بالتعبير؛ لأنه إذا عبَّر يلحق الرائي حكمُ تعبيره، فإن كان جاهلًا ربما يُعبر على وجهٍ قبيحٍ، فيلحق مِن تعبيره ضررٌ بالرائي. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 113)
قال الشيخ ابن عثيمين: الرؤيا المكروهة وهي من الشيطان، حيث يضرب الشيطان للإنسان أمثالا في منامه يزعجه بها، ودواءها أن يستعيذ بالله من شر الشيطان، ومن شر ما رأى، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره، ولا يحرص على أن تعبر؛ لأن بعض الناس إذا رأى ما يكره حرص على أن يعبر، وذهب إلى العابرين، أو يطالع في الكتب لينظر ما هذه الرؤيا المكروهة، ولكنها إذا عبرت فإنها تقع على الوجه المكروه، شرح رياض الصالحين (1 / 950).
فمن ذلك نتحصل على أن: الرؤيا على ما تعبر، وأن التعبير والتوفيق لمعبر معين هو من قدر الرؤيا، وأن الرؤيا تعبر على الخير ما وجد لذلك سبيل، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها"، وعلى الرائي إن عبرت له رؤياه على أمر مخوف أن يبحث عن معبر آخر واد، أو ذي علم لينقلها له على أحسن الوجوه، وعلى الرائي إذا عبرت رؤياه على أمر محمود، أو بعيد عن الضرر أن يكتفي ولا يذهب لمعبر آخر.
والله الموفق.