توقفت عن الدراسة ثم عدت إليها فأصابني توتر، ما نصيحتكم؟
2017-02-12 02:48:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا بعمر 27 عاماً، توقفت عن الدراسة الجامعية لظروف صحية منذ سنين بعد أن أكملت السنة الأولى من الجامعة، في تخصص الهندسة الكيميائية، وكنت متفوقاً بها، ودخلت هذا التخصص بإرادتي.
قبل عدة أشهر شعرت أني أستطيع إكمال الدراسة، وأني بصحة جيدة، فامتلكت الشجاعة الكافية وراسلت الجامعة لإكمال الدراسة وتم الرفض، ثم راسلت جامعة أخرى لأدرس من البداية ووافقت الجامعة، لكن في تخصص هندسة ميكانيكا.
صحيح إنه ليس حلمي، ولكن لدي رغبة في دراسته، فأنا لدي شغف بالتعلم بشكل عام، وهو تخصص له مستقبل، وبعد أن تم القبول تملكتني حالة من التشتت والرعب والذعر والخوف، لا أدري هل هو خوف من الفشل بعد التوقف عن الدراسة لسنوات أو خوف من نظرة الناس والأقارب لي وأنا أرجع للدراسة، وأنا في هذا السن.
أخاف من أن أفشل وأخيب أمل أبي، خصوصاً بعد السعادة التي غمرته عند ما علم برغبتي للعودة، أو خوف من نظرة الطلاب والمدرسين لي وأنا في هذا السن وأدرس أو خوف من مواجهة مجتمع غريب، حيث أن الجامعة خارج البلاد، أو خوف من أني اخترت تخصصاً غير الذي كنت أحلم به!
حلمي هو إكمال هندسة الميكانيكا، ولكن لم يتم قبولي، ودراسة تخصص الانتروبيولوجيا، علم الإنسان، وعلم النفس، وتعلم عشر لغات محددة، ولكن هذه التخصصات حسب علمي غير مطلوبة ولا تؤمن لخريجيها دخلاً محترماً.
كذلك تعلم اللغات لا يعطي شهادة ولا عملاً ثابتاً، وقد يستغرق وقتاً طويلاُ، وأنا يجب أن أكون مسؤولاً عن نفسي وأهلي، فأبي كبير في السن، صحيح أنه ما زال يعمل ويصرف على البيت لكنه بلغ الستين، متعه الله بالصحة، ويجب علي أن أسانده، فأنا أعمل وراتبي محدود.
أخاف إذا قبلت التخصص أن لا أمتلك الوقت أو القدرة في السنوات القادمة من تعلم اللغات، ودراسة علم الإنسان، وعلم النفس الذي هو حلم بالنسبة لي.
أخاف أن يكون رفضي للتخصص هو مجرد هروب من المخاوف التي ذكرتها في بداية الرسالة، وأخاف أن يكون قبولي بالتخصص تحت تهديد أن مثل هذه الفرصة لإكمال الدراسة قد لا تتاح لي مرة أخرى، فأنا متوتر جداً، وأتهرب من اتخاذ أي قرار، ولا أدري ماذا أفعل؟!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكراً لك على التواصل معنا بما في نفسك وحياتك، على هذا الموقع، ومعذرة على التأخر بسبب السفر وغيره.
بعض التشوش والتوتر الذي تشعر به طبيعي تماماً، بل هو مفيد أيضاً، فمن الطبيعي لأي طالب أو إنسان أن يشعر بمثل هذا التوتر والتشتت بعد الانقطاع عن الدراسة، والشيء غير الطبيعي ألا يشعر ببعض التوتر والقلق، فهيا يا رعاك الله، أقبل ودع القلق خلف ظهرك، والله موفقك للخير.
لا تنس أن سنوات الانقطاع عن الدراسة الجامعية لم تكن هدراً أو تضييعاً للوقت، فقد اكتسبت خبرة غير قليلة عن الحياة والناس ونفسك، وفي الغرب يسمون الطالب الذي انقطع سنوات عن الدراسة ومن ثم عاد إليها، يسمونه بالطالب الناضج (muture student)، مما سيعينك على السير براحة مع الدراسة بعد شيء من الصعوبة في البداية، وكأي أمر جديد بعد انقطاع.
من الواضح أنك شاب طموح وتتطلع للمعالي، وأنت كريم الخلق، والذي يظهر من خلال كلامك عن والدك، ومدى رغبتك في دعمه والوقوف معه، والجميل أنه مسرور لعودتك للدراسة، فهذا حلم ورغبة الكثير من الآباء، ولا شك أن هذا يدل على كرمه ونبل خلقه، حيث لم ينظر للأمر المادي.
العودة للدراسة ليست هي المشكلة، وإنما المشكلة أو التحدي هو في ثلاثة أمور، الأول نظرة الناس، سواء عامة الناس أو الأقارب، أو طلاب الجامعة الذين ستزاملهم في مقعد الدراسة، وتذكر هنا أن إرضاء الناس غاية لا تُنال، وحاول ألا تلق بالاً كثيراً لرأي الناس، فهذه حياتك ومستقبلك، وليس حياتهم أو مستقبلهم، ولو صحّ لهم ما صحّ لك فأخذوه ولم يبالوا بأحد!
ربما التحدي الثاني هو: السفر والغربة للدراسة في بلد أجنبي، وكما يبدو من رسالتك، وهذا -إن شاء الله- نعمة وليس نقمة، وخاصة لشاب ملتزم وخلوق، وأنت تعلم كم هناك من الشباب المتفوق الذين درسوا وعادوا لبلادهم لإعمارها ومساعدة أهلهم.
التحدي الثالث، وهو ربما الأصعب، هو نوع الدراسة أو التخصص، نعم أنا أشجع عادة على دراسة العلوم الإنسانية كعلم النفس و(الآنثروبولوجيا) وغيرهما، وربما لأنني طبيب نفسي، ولكن السبب الآخر هو حاجة مجتمعاتنا لمثل هذه التخصصات الهامة، ولكن فهمت من سؤالك أن رغبتك الأساسية إنما هي في مجال الهندسة، وخاصة الهندسة الكيماوية، ولكن القبول الذي أتاك فقد جاء في الهندسة الميكانيكية، فبالرغم من الفروق بينهما، فكلاهما في الهندسة، وكلاهما هام لإعمار بلادنا.
أنصحك ألا تزيد شدة التحدي الذي يواجهك، وذلك باختيار تخصص بعيد جداً عن رغبتك الأصلية وهي الهندسة، والذي أراه وأرتاح له هو أن تدرس الهندسة الميكانيكية، والرأي في النهاية لك، فهي حياتك ومستقبلك، كما ذكرت لك.
أدعوه تعالى أن يوفقك ويشرح صدرك لما فيه الخير لك ولأسرتك ولبلدك وأمتك.