خطبت فتاة ووالدها يتحجج باختلاف المنطقة وبعدها.. فما هو الحل؟
2017-03-30 01:46:06 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، وبعد بحث طويل تعرفت على فتاة متدينة وخلوقة ومؤدبة، وفي مستوى اجتماعي وتعليمي ممتاز، وحيدة أبويها، وتسكن في مدينة بعيدة عن مدينتي، رأيتها مرة واحدة فقط خلال سبعة أشهر، وذلك بعلم وموافقة والدتها ووالدتي، أهاتفها من حين لآخر، ونتكلم في حدود الشرع عن مستقبلنا، أعجبت بأخلاقها وتدينها، واقتنعت بأنها -إن شاء الله- ستكون الزوجة الصالحة التي كنت أدعو الله دائما أن يرزقني إياها، طلبت خطبتها وأخبرت الفتاة والدها بالموضوع، وكان رد والدها بأنه لا يتصور أن تتزوج شخصا من خارج مدينتهم، ولا يتصور بأنها تبتعد عنه، وقال للفتاة لو أنه مرض من سيقف بجانبه إذا عجز وكبر في السن، ومن سيقوم به وبأمها، وأخبرها بأنها حين تنجب الأطفال سيكون الأمر في غاية الصعوبة، ولن تتمكن من العناية بالأطفال ووالديها. والد الفتاة لم يرفضني شخصيا، ولكنه رفض فكرة الابتعاد، وترك حرية الاختيار للفتاة، وهي في حيرة عظيمة.
سؤالي لكم: هل أتشبت بها وأحاول إقناع والدها، فهي إنسانة رائعة أم أتركها وأخبرها أن تقدم بر والديها علي؟ لأنها يمكن أن تجد صعوبة مستقبلا بإعطاء الزوج والأبناء حقهم، وفي نفس الوقت البر بأبويها، رغم ما يمكن أن يسبب هدا القرار من ألم لي ولها.
أفيدوني، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الحسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبخصوص سؤالك فإن الأمر له أبعاده العاطفية والاجتماعية, وينبني على مراعاة قاعدة (ارتكاب أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما, وارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما)، ولما كان (الحكم على الشيء فرع عن تصوره, وتصوره فرعٌ عن الإحاطة به)، لذلك فإن الحكم يعتمد على مدى حاجة الأب وضرورته, ومدى ضرورة البنت ومشاعرها, ومدى القدرة على الجمع بين المصالح والمفاسد.
لا أنصحك بالإصرار على هذا الزواج منك ومن البنت, وذلك إذا أصر ولي الأمر على الرفض وتيقنا، والأغلب على الظن توفر مفاسد أكبر من الزواج، بحيث كان الأب كبيرا مريضا ولم يتوفر لديه بدائل من خدمة الزوجة, أو توفر استئجار خادمة, أو توفيرك لحلول وسط تضمن زوال المعاذير.
فلا يخفى ما لبر الوالدين عند بلوغهما الكبر من أجر عظيم، كما قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقُل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
وكذلك إذا كانت البنت شديدة العاطفة لأهلها، بحيث يشق عليها مفارقة الأهل والبلاد، وإدخال الحزن على والديها حين انتقالها إلى مدينة أخرى وحياة جديدة.
أما إذا كنت كما ذكرت -بحمد الله- بحيث تعرف من نفسك حسن الدين والخلق، و يؤنس منك حسن معاملتها في غربتها، والحرص على تواصلها مع أهلها، لا سيما مع سهولة المواصلات والاتصالات اليوم، أو زيارتهم إذا أتيحت الفرصة المناسبة، وخدمتهم إذا لزمت الضرورة, فإن الأصل أن لا تعتذر البنت عن الزواج، إذ يجب عدم إهدار مصلحة البنت عند زوال الأعذار، لا سيما مع خشية فوات الزواج أصلاً، وعدم أمن الفتنة، أو خشية فوات الزوج الصالح.
وقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير)، كون جريان العُرف والطبيعة على صيرورة الزوجة مع زوجها في حله وترحاله وحظره وسفره, وربما كان في البعد عن أهلها مصلحة في إكمال دراستها، والبعد عن المشكلات الأسرية والاجتماعية، واستغلالها لنعمة الغربة في الانشغال بالطاعة والأعمال المفيدة، والأجمل من ذلك أن ينتقل الزوج في سكنه وعمله إلى جوار أهل الزوجة إن أمكن, أو وعدهم بإمكانية أن تبقى عند أهلها عند اللزوم والضرورة، فيبقى الحكم على الأصل، وهو عدم اعتبار هذه المعاذير المانعة من الزواج، فهكذا هي الحياة، تفارق بين الأهل والأحبة، وكما قال الشاعر:
وكل أخٍ مفارقه أخوهُ ،،، لعمر أبيكَ إلا الفرقدانِ.
والفرقدان: نجمان قريبان من القطب لا يفترقان أبداً.
ومعلومٌ أنه لا يجوز للأب أن يمنع ابنته حقها من الزواج بالرجل الصالح، وإلا اعتبر في الشرع (عاضلاً)، عند عدم توفر أعذار صحيحة لديه فتنتقل ولاية النكاح عنه إلى الأقرب إن توفر، وإلا فإن الحاكم ولي من لا ولي له.
وأما مشاعر الغربة فتزول بالصبر والتعود على التعامل مع أهل الزوج والمجتمع، في مبادلتهم مشاعر الحب والاحترام، والانشغال بالأعمال المفيدة والطاعات.
وعليه فالذي أراه لك، عرض هذا الأمر على البنت وأهلها، ومحاولة جلب أكبر ما يمكن من مصالح هذا الزواج، ودفع أكبر ما يمكن من مفاسده, ثم الاستخارة، ودعاء الله تعالى بأن يوفقكما لما فيه الخير والمصلحة والرضا بما يقضيه الله تعالى ويقدره.
أسأل الله أن يلهمكم الرشد والصواب والتوفيق والسداد، وأن يهيئ لكم من أمركم رشدا، ويجعل لكم من أمركم مرفقا، وأن يفرج الهم ويكشف الغم، ويختار لكم ما فيه الخير والمصلحة.
والله الموفق والمسـتعان.