لا أجد رغبة في الحياة بالرغم من توفر سبيل العيش فيها، فما توجيهكم؟
2017-08-20 03:00:11 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا عمرى 28 عاما، منذ فترة طويلة -تصل لـ 4 أعوام أو أكثر- ليس عندي إقبال على الحياة، مع أني -والحمد لله- أعمل في وظيفة جيدة، والماديات جيدة كذلك، لكني أكره الحياة وأكره ما فيها، نظرتي لها بأنها لا تسوى شيئا، وأحيانا أتمنى الموت، وأن يكون ربي راضيا عني، فعلا لا أريد أن أبقى فيها، مع أني مدرك تماما أني لابد أن أعمل، وأخلص في عملي، وأحاول أن أعمل هذا، لكن كثيرا تأتي فكرة لماذا كل هذا، فأنا أكره هذه الدنيا، وأكره العيش فيها، ما الحكم الشرعي في هذا؟ وهل هذا جيد ومطلوب أم مكروه؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أخي الكريم: من حيث المكوّنات النفسية والسلوكية للإنسان هي ثلاثة: (التكوين الفكري –المشاعر– الأفعال)، أنت الآن أفعالك جيدة؛ لأنك على الأقل ملتزم بعملك، وهذا شيء جيد، لكن لديك المشاعر سلبية، ولديك أيضًا الأفكار سلبية، وذات طابع وسواسي.
هذه هي العلة التي لديك –أيها الفاضل الكريم– وهذه يمكن أن تُغيَّر، الفكر السلبي حين يستقبله الإنسان يجب أن يرفضه تمامًا، ولا تحاوره، ولا تناقشه، قل لنفسك: (هذه أفكار سيئة، هذه أفكار قبيحة، لن أقبل بها، أنا الحمد لله بخير، أنا أؤدي عملي، أنا يجب أن أستمتع بالحياة وأعيش حياة طيبة...). فيا أخي الكريم: لا بد أن تُسقط على نفسك هذا النوع من الفكر.
ويجب أن تُعزز مشاعرك وتجعلها أكثر إيجابية من خلال التفكّر والتدبُّر في إنجازاتك.
فيا أخي: أنت محتاج لما نسميه بإعادة تقييم الذات، تقييمك لذاتك خطأ، وربما –أخي الكريم– لديك أيضًا بعض الشعور الاكتئابي، هو الذي جعلك على هذه الكيفية، ولذا أنا أرى أن استعمال مضادات الاكتئاب والمضادة للوسوسة في نفس الوقت قد تُساعدك كثيرًا، ولستَ محتاجًا لأدوية كثيرة أبدًا، دواء واحد بسيط بجرعة صغيرة، مثل البروزاك – والذي يُعرف علميًا باسم فلوكستين – والجرعة هي كبسولة واحدة في اليوم – أي عشرون مليجرامًا – لمدة ثلاثة أشهر، ربما يُساعدك كثيرًا.
كما أن الإكثار من التواصل الاجتماعي، وممارسة الرياضة، والحرص على الصلاة خاصة مع الجماعة –أخي الكريم–، وأذكار الصباح والمساء تزيل عنك مثل هذه المشاعر، هذا أمرٌ مجرَّب.
فانخرط –أخي الكريم– في مثل هذه الأنشطة حتى تُبدِّل مشاعرك.
أنا أقول لك أن أفعالك جيدة، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، لأن معظم الناس قد يتحسَّنون من الناحية الفكرية وحتى من ناحية المشاعر، لكن يفشلون في أفعالهم، هذا ليس لديك أخي.
فإن شاء الله تعالى الأمر بسيط جدًّا، وأرجو أن تكون أكثر قبولاً لذاتك وأكثر تفاؤلاً.
التفكير الذي يأتيك -لماذا كل هذا يحدث لك؟– هو فكر وسواسي تشاؤمي قلقي، وفيما عرفتُ من علمائنا –أخي الكريم– أن الإنسان قطعًا لا يُحاسب على أفكاره ولا على مشاعره، إنما على أفعاله، لكن في ذات الوقت يجب أن تتأمَّل في الدنيا وما فيها من خير، وأن تُكافح وأن تُثابر، وأن تُشارك في عمارة الأرض، وأن تكون مفيدًا لنفسك ولغيرك –أخي الكريم– والذهاب من الدنيا أصلاً آتٍ، فلماذا يستعجل الإنسان له، تعمل لما بعد الحياة الدنيا، وتعيش الحياة الدنيا بقوة وإيجابية ومشاركة، وأكرر مرة أخرى: يجب أن تكون نافعًا لنفسك ولغيرك.
هذا هو الذي أراه –أيها الفاضل الكريم– وسوف أحيل الاستشارة إلى الأخوة في القسم الشرعي ليُدلي أحد المشايخ برأيه حول استفسارك الشرعي.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان)، وتليه إجابة الدكتور حسن شبالة (مستشار العلاقات الأسرية والتربوية).
++++++++++++++++++++++++++++++
اعلم -أخي الكريم- أن تمني الموت أو الدعاء به على النفس غير جائز شرعا مهما حصل للإنسان من معاناة وابتلاء، والمشروع أن يطلب العبد من ربه العفو والعافية إذا شعر بتعب ونصب في هذه الحياة.
والحكمة من نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تمني الموت، لأنه يحرم المؤمن من خير الطاعة، ولذة العبادة، وفرصة التوبة، واستدراك ما فات، فعن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال- : ( لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلا خَيْرًا) رواه مسلم (2682).
وعند البخاري (7235) بلفظ: (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ)، وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قالُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( لا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطَّلَع شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ) رواه أحمد.
ويظهر من الوصف أنك تعاني من مرض نفسي يدفعك إلى التفكير السلبي في الحياة، وخير علاج للتفكير السلبي قطعه وعدم الاستمرار فيه، ومقابلته بتفكير إيجابي.
والنصوص النبوية أعلاه تعينك على التفكير الإيجابي في الحياة وتدفعك إلى العمل فيها وعمارتها حتى تزداد أجرا وثوبا في الآخرة، بالإضافة إلى الإكثار من ذكر الله سبحانه، والتسبيح والاستغفار، وقراءة القرآن، فإنها من أعظم العلاج لجلاء الهم والحزن.
وننصحك بالابتعاد عن الانطواء والانزواء، وخالط الناس، ومارس حياتك بكل نشاط وحيوية، وابحث لك عن رفقة صالحة نشيطة تساعدك على ذلك، واشغل نفسك بالعمل النافع، ودرب تفسك على الجد والنشاط وخدمة الآخرين وفعل الخير لهم وستشعر بسعادة وحيوية.
وتذكر أنه كلما طال عمرك مع حسن عملك أنك تترقى في درجات الجنة فلم ترغب عن هذا الفضل الذي يتمناه كل مسلم.
وفقك الله لما يحب ويرضى.