لا زلت أفعل بعض المعاصي وأريد التوبة منها، فما توجيهكم لي؟
2017-10-19 04:48:14 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شاب أبلغ من العمر 32 عاما، غير متزوج، نشأت في أسرة محافظة، وأبي من المحافظين على الصلوات في المسجد، وأمي كذلك -ولله الحمد- كنت تاركا للصلاة، ولا أتورع عن فعل الكبائر والمعاصي، ومنَّ الله علي بالهداية قبل سنة ونصف، وأصبحت محافظا على الصلوات في المسجد، وأصلي النوافل والضحى ما استطعت، وأقوم الليل في بعض الأحيان، وأكثر من ذكر الله والصلاة على النبي، وأطالع بعض الكتب في العقيدة والسيرة النبوية، وأستمع لبعض الدروس وشروح الكتب الصوتية والمرئية لمشايخنا الأجلاء.
تركت فعل الكبائر، وبدأت أحفظ القرآن الكريم، وحفظت جزأين ولله الحمد، ولكنني أدخن، ولَم أستطع الإقلاع عنه، وأمارس العادة السرية التي أحاول جاهدا الفكاك منها، ولكن الشيطان يغلبني، وأشاهد الأفلام الإباحية أحيانا، وأشعر بضيق في النفس وبالحزن والكآبة، وأتحرى دائما مواطن إجابة الدعاء، وأدعو الله أن يعينني على ترك المعاصي وعلى الثبات، وأن يشرح صدري، ولكنني أحس بهذه الضيقة أغلب الأوقات، حتى أنني أصبحت خشن التعامل وقاسي الطباع والأخلاق مع المحيطين حولي عامة، وفي العمل خاصة، أريد منكم توجيها.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالكريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيك –أخي العزيز–، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وأبارك لك وأهنئك على توفيق الله لك بالتوبة من المعاصي والكبائر، سائلاً الله لك الثبات على الدين والهداية إلى صراطه المستقيم.
- إن حرصك على السؤال، وطلب النصح والحل، وإدراك الخطأ الذي أنت عليه, لاسيما مع ما أراك الله من آثاره السيئة على صحتك النفسية وحياتك وسعادتك ودينك وأخلاقك وتعاملك مع من حولك أيضا لأجل وقوعك في إثم (الإدمان على العادة السرية ومشاهدة الأفلام الإباحية مما ينبغي أن يقوي إرادتك وعزيمتك على التخلص من هذه الذنوب والعيوب والتوبة الصادقة والنصوح منها (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).
- ومما يسهم في تقوية عزيمتك وإرادتك ما ذكرته من فضل الله عليك بحرصك على الذكر لله تعالى، والحرص على حفظ القرآن، والمحافظة على صلاتك والطاعة لربك وطلب العلم النافع, كل ذلك –ولاشك– دليل على صحة إيمانك وخوفك من الله ربك سبحانه. فهنيئا لك هذه الحال التي تقرب صاحبها من التوبة من الله تعالى (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى).
- يبقى عليك واجب المجاهدة للنفس, وزيادة تنمية الإيمان, ولزوم الصحبة الطيبة والصالحة, والبعد عن أسباب الشبهات والشهوات المحرمة والفتن, والعلاج يكمن بعد توفيق الله وعونه من جهتك وقوة إرادتك, وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
والمرء – كما يقال – حيث يضع نفسه,
قال الشاعر:
"وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ** ففي صالح الأعمال نفسك فاجعلِ".
- لا يخفى عليك أنت -أخي العزيز خاصة- أن الأفلام الإباحية طريق للهوس والإدمان على العادة السرية، وهي أيضا من مقدمات الفاحشة للزنا والشذوذ الجنسي, كما هو طريق للضياع (ومن حام حول الحمى أو شك أن يقع فيه) متفق عليه؛ ولذلك قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ).
- أما عن الاستمناء فإنها عادة قبيحة وضارة يجب تركها والحذر منها, وقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريمها, أما من ذهب الى إباحتها فعند الضرورة فحسب , وذلك من باب (ارتكاب أهون الضررين وأخف المفسدتين)؛ منعا من الوقوع في أعظمها وهو الوقوع في فاحشتي الزنا او اللواط والعياذ بالله. فينبغي الاقتصار فيها عندهم عند ضرورة خوف الإثم والحرام -وذلك فحسب فيما لو رأى نفسه قريبة من الحرام؛ لما يترتب على الإكثار منه – كما هو حالك عافاك الله -من مفاسد وأضرار نفسية وصحية وغيرها, حيث ذكر المختصون تأثير الإدمان على العادة السرية في الإجهاز على الجهاز العصبي والبصري والتناسلي وكذا الشعور بالإحباط والقلق النفسي وأنه يسهم في انخفاض مستوى الذكاء ويساعد على انتشار الشذوذ الجنسي وغيره.
- وأما الأفلام فلا يخفى تأثيرها أيضا, حيث ثبت علمياً أنها تفقده الشعور بالسعادة بشكل تدريجي كما تسبب في ضعف عنصر الإثارة الطبيعية في المستقبل وفي إحراج شريك الحياة والارتباط مع الزوج وتؤدي إلى إصابته بأمراض في نهاية المطاف نتيجة العلاقات الجنسية المحرمة كأمراض الإيدز والسيلان, وتسبب أيضاً في تدهور الحالة الاقتصادية للمدمن حيث تعطّله عن دراسته كما هو حالك عافاك الله, وعن عمله وعموم حياته وفي إيجاد ضغوط نفسية متعددة وأمراض عضوية كالالتهاب البروستاتا, والتهاب المجرى البولي الذي يؤدي إلى مرض التبوّل الليلي أللا إرادي, واحتقان الغدد التناسلية, وتضخّم البروستاتا في عموم مبكّر.
- ولذلك, فإني أوصيك – ولدي العزيز – باتباع الخطوات التالية:
- استشعار واستعظام هذا الجرم الكبير والمسارعة الى التوبة الصادقة والنصوح, وذلك بالثبات على الشعور بالندم, والإقلاع عن مقدمات الفاحشة هذه المعاصي, والعزم الصادق على عدم العودة إليه والإكثار من الصدقة والاستغفار ونوافل الطاعات.
- المبادرة -ما أمكن- إلى الزواج الشرعي؛ كونه مما يعين على ترك هاتين العادتين المحرمتين القبيحتين ويسهم الزواج في: (غض البصر وإحصان الفرج) كما ورد في الصحيحين.
- شغل النفس والوقت والفراغ بالنافع المفيد, ومعلوم أن أصل كل الانحرافات الأخلاقية وغيرها يبدأ بالفراغ, فالوقت إن لم تشغله بالحق شغلك بالباطل, حيث بداية ظاهر الإدمان عادة بدافع الغريزة والفضول واستكشاف الأشياء ثم قتل الفراغ والتسلية وهكذا, حتى يصير الإنسان عبداً للشهوات وأسيراً للهوى والنفس والشيطان "الشباب والفراغ والجدة ** مفسدةٌ للمرء أي مفسدة".
واستبدال ذلك بما يملأ أوقات الفراغ لديك بالأعمال المناسبة كمزاولة الرياضة, وخروجك إلى المتنزهات وممارسة الرياضة, بل والاشتراك في نادي رياضي إذا أمكن, وزيارة الأهل والأصدقاء الصالحين والبعد عن الوسائل السيئة والأصدقاء السيئين فـ(المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني.
- الاستمرار في طلب العلم والمحاضرات والخطب والبرامج النافعة والاهتمام بالرياضة ملازمة البيئة الطيبة والصحبة الصالحة, وقد ثبت عن كثير من السلف الصالح قولهم: طلبنا العلم لغير الله, فأبى العلم إلا أن يكون لله, وفي الحديث عن فضل ملازمة والجلوس مع أهل العلم والخير والصلاح: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).
- البعد عن أسباب وعوامل الإغراء والإثارة الجنسية من الأفلام والمسلسلات والأغاني والصور الهابطة والساقطة والأفلام الإباحية ومجالس السوء." ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لا تجري على اليبسِ ".
- كما يستلزم منك تقوية الوازع الديني: الإيماني والأخلاقي في نفسك, وذلك بالابتداء في صلاح الجوانب الإيمانية والأخلاقية والعلمية لديك أولاً, عبر الاهتمام منك بطلب العلم النافع في استماع ومتابعة الدروس العلمية والخطب والمحاضرات والبرامج النافعة والمفيدة ولزوم الصحبة الطيبة, والحرص على ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصيام والقيام وحضور المجالس المفيدة لتوفير البديل الصالح.
- ولا سلاح أعظم من سلاح اللجوء إلى الله تعالى بحسن الصلة به ورجائه والتعلق به ودعائه جل جلاله (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) فتعهد –رعاك الله – أوقات الإجابة: في سجودك وفي جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة وعند الصدقة ونحوها مستحضراً الأمل في الله والرجاء وحسن الثقة والظن به سبحانه وتعالى, واحذر أن تتسلل إلى نفسك عوامل اليأس والقنوط, وفي الحديث (أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه إذا ذكرني..) وفقك الله وسددك.
- هذا وأسأل الله تعالى لنا ولك الثبات على التوبة والصبر والعفة والأجر وقوة الإيمان والتوفيق للصحبة الطيبة والصحبة الصالحة وأن يقوي عزائمنا ويغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويطهر نفوسنا وقلوبنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه, وهو الموفق والمعين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.