نصائح لفتاة في فقدانها الإحساس العاطفي تجاه أبيها
2005-05-09 11:17:32 | إسلام ويب
السؤال:
أنا فتاة أتميز بصفات خلقية وخلقية جميلة وقريبة من النفوس، ولكني أعاني من مشكلة وهي عدم الإحساس بعاطفة نحو والدي بالرغم من أنه شخص طيب للغاية، ويحاول تنفيذ طلباتي في حدود استطاعته، ولكن سلبيته في الحياة وتصرفاته اللاواعية تركت بيننا فجوة كبيرة وعدم إحساس مني تجاهه، حتى لو غاب لفترة طويلة أتعمد عدم السؤال عنه وتأنيبه في حال وجوده، ودائماً ألومه على أخطائه بأساليب جارحة له بالرغم من أني أحبه والله شاهد على ذلك.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت الوطن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن ديننا يربط بين عبادة الله والإحسان إلى الوالدين، قال تعالى: (( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ))[النساء:36] ويقول سبحانه: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ))[الإسراء:23]، ومهما أساء الوالدان فلا ينبغي أن نقابلهما إلا بالصبر والبر والإحسان، وإذا أمر أحد الوالدين بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومع ذلك فنحن مطالبون بإحسان الصحبة لهما، قال تعالى: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15].
وإذا رزق الإنسان بأبٍ طيب فمن واجبه أن يحمد الله ويبالغ في إكرام والده، واحذري من رفع الصوت عليه أو النظر إليه بعين الغضب أو مواجهته بالكلمات الجارحة؛ لأن الله حرم علينا مجرد إظهار التضجر، فقال سبحانه: (( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ))[الإسراء:23]، وقالت عائشة رضي الله عنها: (ما بر أباه من أحدّ إليه النظر عند الغضب)، وقال أبو هريرة رضي الله عنه لشاب رآه يمشي مع رجل: من هذا الذي معك؟ فقال الفتى: هذا أبي، فقال له أبو هريرة رضي الله عنه: فلا تمش أمامه ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه. يعني: لا تقل له: يا فلان، ولكن تقول يا أبي يا والدي ونحو ذلك من الكلمات اللطيفة.
وقد ضرب سلف الأمة الأبرار أروع الأمثلة في البر والإحسان بآبائهم والأمهات، فكان فيهم من يتولى من والديه ما تولياه منه في الصغر من غسل وتنظيف وإماطة للأذى، وكان فيهم من يحمل أمه على ظهره ويطوف بها، وكان فيهم من لا يصعد سطح البيت إذا كانت أمه داخل الدار، وكان فيهم من ظل يدلك قدم والده حتى أصبح، وفي الصباح قال: ما أبالي بعبادة من صلى حتى أصبح. وقد أحسن من صلى حتى أصبح ولكنه كان يؤدي نافلة، أما من ظل يحسن لوالده ويخفف من ألمه فقد كان يقوم بواجب من واجبات هذه الشريعة، وقد ورد في الصحيح قصة الرجل الذي أمسك قصعة اللبن عند رأس والديه حتى أصبح ولم يقدم عليهما أولاده.
ولست أدري ما هو الوضع مع الأم؟ وهل هي موجودة؟ وهل لك إخوة آخرون؟ وكل هذه الأمور لها علاقة بتصرفاتك هذه، ولعل من أسباب هذا الجفاء والشدة مع الوالد ما يلي:
1- لأنه يفضل بعض إخوتك عليك.
2- لأنه كان قاسياً مع الوالدة.
3- لأنه يكثر الغياب عن المنزل.
4- لأن الوالدة لم تشجعك على البر بالوالد.
5- لأنك تقارنين بين حالك مع والدك ومع أوضاع الزميلات.
6- لأن الوالد كثير الصمت، أو كثير الخروج والجلوس مع أصدقائه.
7- لأنه يتعمد فعل أشياء لا يشاوركم عليها.
8- لأنه يعتقد أنكم ما زلتم أطفالاً.
9- لأنه لا يحسن التعبير عن حبه لك وعطفه عليك.
10- لأنه يتعامل مع الناس والجيران بطريقة قديمة لا تناسبك، وقد تسبب لكم بعض الحرج.
11- لأن طلباتك فوق طاقته فلا يستطيع أن ينفذها كاملة.
ومهما كانت الأسباب فلا يجوز لك الاستمرار على هذا الأسلوب، وأرجو أن تسارعي بالتوبة والرجوع إلى الله، واحرصي على إرضاء هذا الوالد وثقي بأنه حريص على مصالحكم، وأن قلبه عامر بحبكم، وقد تكون طريقته في التعبير عن الحب فيها خلل.
واعلمي أن الآباء والأمهات فطروا على حب أولادهم، ولذلك من إعجاز هذه الشريعة أنها أمرت الأولاد بالإحسان والبر، أما الآباء والأمهات فقد فطروا على الشفقة والعطف وتمني الخير والنجاح لأولادهم، ولذلك فلن نستطيع أن نكافئ الآباء على معروفهم مهما فعلنا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) أو كما قال عليه صلاة الله وسلامه، ومنه نتعلم الوفاء والبر والإحسان.
وأرجو أن تضعي إيجابيات هذا الوالد إلى جوار السلبيات حتى تتغير نظرتك تجاهه، واعلمي أنه لا يخلو إنسان من عيب، ولكن كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه، والتمسي للوالد الأعذار، فربما كانت طريقة الوالدة في التعامل معه من أسباب السلبية التي تظهر عليكم، وعلى كل حال فنحن مأمورون بالإحسان للآباء والأمهات، وأرجو أن تمنحي الوالد من عواطفك وشفقتك، فهو الذي يحتاج لمزيد من الاهتمام والعطف خاصة في حال كبره، وقد أشار القرآن الكريم لذلك فقال سبحانه: (( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ))[الإسراء:23-24]، وهذا تشبيه بديع يشبه فيه القرآن حالة العطف والحنان والشفقة بالوالدين في حال كبرهما وخفضهما بحال الطائر الذي يضع جناحه على صغاره ويحميهم بجسده وشعره من البرد والحر والمطر.
فأظهري لهذا الوالد مزيداً من الاهتمام، ولن يستفيد من الحب المكتوم في صدرك إذا كان لا يسمع منك إلا الكلمات الجارحة، وقد يكون في هذا التصرف تكرار لنفس الخطأ، فالوالد لم يحسن التعبير عن عواطفه، وأنت كذلك، فاستغفري وانتبهي وافتحي صفحة جديدة تحاولين فيها إظهار مزيد من الاحترام والشفقة، ولك منا كل شكر وتقدير على هذا الإحساس الطيب الذي دفعك للاهتمام والسؤال، وهذا دليل على أن فيك خيراً كثيراً وحرصاً على طاعة الله ورغبة في الخير، زادك الله خيراً وتوفيقاً، ورددي دائماً قول الله: رب اغفر لي ولولدي وللمؤمنين يوم الحساب.
والله ولي التوفيق والسداد.