هل يمكنني ترك دراسة الرياضيات دون أن يؤثر في أجر الحصول على العلم؟
2018-03-04 23:42:08 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أريد أن أسأل عن الرياضيات.
طلب العلم واجب في ديننا، وأنا أحاول طلبه -والحمد لله-، ولكن لا أقدر على تعلم الرياضيات، عندما أصبر وأركز وأهتم فإني أتفوق فيها، لكني لا أحبها وليس لدي صبر عليها، وتسبب لي الخوف، وتشعرني بقلة ثقة.
نعم أعلم أنه سهل عند الدراسة، ليس لدي -والحمد لله- أية مشكلة مع مادة أخرى، ولكني أكره الرياضيات ولا أحبها، فهل يمكنني ترك تعليمها إذ لست مضطرة، وهل هذا ينقص أجري من التعلم؟
أيضا لدي وسواس، أخشى أن أحتاجها في المستقبل، ودراستها تضيق صدري ولا أتحملها، كنت أدرسها فقط لأجل العلامات والاختبار، هل الإنسان يحتاج لها، ويجب أن يتعلمها؟
قرأت عن فلاسفة وعلماء وناجحين أيضا لديهم نفس حالتي، ولكني أخاف، عفوا إذا كان سؤالي غريبا، ولكنه يقلقني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ houda حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أختي العزيزة – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, وحرصك على طاعة الرب, سائلاً الله تعالى أن يفرج همك ويشرح لكل العلوم صدرك وييسر لها أمرك ويقوي عزيمتك, ويرزقك التوفيق والسداد والحياة السعيدة والنجاح في أمورك عامة.
- بخصوص عدم محبتك لمادة الرياضيات وعدم صبرك على مذاكرتها وخوفك منها وقِلّة ثقتك فيها رغم سهولتها وتفوقك عند التركيز فيها, فلا يخفاك أن الكمال المطلق لله تعالى, وأن مواهب الناس وقدراتهم مختلفة, فما يقدر عليه البعض قد يعجز عنه آخرون, ولا يلزم إلمام كل الناس بكل العلوم, بل إن ذلك نادر أو متعذّر, ولذلك كانت التخصصات المهنية والعلمية, وذلك ليكمّل بعضهم بعضاً. وما دام قد أنعم الله عليك بفهم علم الرياضيات وانسجم مع قدراتك العقلية فاحمدي الله تعالى على توفيقه.
وأما عن عدم محبتك للمادة المذكورة: فلعلك إن لم تحبي هذا العلم اليوم قد تحبيه غداً كما هو واقع الكثيرين, ولذا فإني أنصحك بالتفهُّم والتعايش مع هذا العلم, وضرورة التحلّي بالمزيد من الصبر والمجاهدة للنفس؛ كونهما الوسيلة الوحيدة بعد عون الله تعالى وتوفيقه على تحصيل العلوم وعموم المصالح, والصبر كما تعلمين مهمة شاقة وصعبة وثقيلة إلا على من وفقه الله وأعانه, (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين), وقد صح في الحديث: (من يستغنِ يُغنِه الله, ومن يستعف يُعِفّه الله, ومن يتصبّر يُصبّره الله, وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر).
"الصبر مثل اسمه مرٌ مذاقته ** لكن عواقبهُ أحلى من العسلِ"
"ألا بالصبر تبلغُ ما تريدُ ** وبالتقوى يلين لك الحديدُ".
- فلا بد من التحلّي بالصبر والمزيد من قوة الإرادة والعزيمة والتصميم والإصرار مع لزوم الثقة بالله تعالى وحسن الظن به والاستعانة به وتقواه وطاعته والتوكل عليه في كل شؤون الحياة (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه...), وإلى استشعار الثقة بالنفس والقدرة على النجاح وتجاوز كل العوائق والتحديات في سبيل تحقيق ما لا بد منه من المصالح.
- استحضار طاعة الله تعالى في طلب العلوم سواء كانت شرعية أو عصرية, واستحضار رفع مستوى الثقافة لديكِ, ولا يخفاك أن العلوم يُكمّل بعضها بعضاً كما تكمّل شخصية الإنسان وثقافته, ومن فضل الله عليك أن منّ عليك بفهم هذه المادة عند التركيز عليها, الأمر الذي يخفف من حدّة ضيقك وقلقك منها, بل يسهم مع عامل الزمن من تجاوز مشكلتك في كراهية هذه المادة وعدم صبرك عليها وضعف ثقتك فيها.
ومن المهم بصدد ذلك التخلص من العوائق التي تسهم في ضعف المستوى الإيماني والأخلاقي والثقافي, كإضاعة الوقت والفراغ فيما لا ينفع فضلاً في شغله بما يضُر في دين الإنسان ودنياه, وعليه فلا بد من الترتيب والتنظيم والتخطيط الصحيح والدقيق للوقت، وشغله وتوجيهه بما يعود عليك بالمنفعة والفائدة في المذاكرة وتنمية المواهب والثقافة ومتابعة المحاضرات والدروس والبرامج المفيدة, والقراءة في السيرة النبوية وسير العظماء والصالحين, والتأمل والاعتبار في سِيَر الناجحين, والتأسي والاقتداء بهم.
"فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم ** إن التشبّه بالرجال فلاحُ"
"الوقت أغلى ما عُنيت بحفظهِ ** وأراه أهون ما عليك يضيعُ".
"إن الشباب والفراغ والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة".
- ضرورة توفير النيّة الحسنة في تعلُّم العلوم عامة ومنها مادة الرياضيات, فعلى قدر نيّتك وقناعتك بالغاية التي تطلبيها في تحصيل طاعة الله , فإن الإرادة تعظم وتسهل دونها كل العوائق -بإذن الله تعالى-, وفي الصحيحين: (إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئٍ ما نوى), فاستعيني بربك وتوكلي عليه وتيقّني بقدرتك على النجاح وتحقيق غاياتك وأهدافك النبيلة والجميلة, وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
وما أجمل وأحكم قول المتنبي:
"على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائمُ"
"تريدين إدراك المعالي رخيصةً ** ولابد دون الشهد من إبر النحلِ".
"لولا المشقّة ساد الناس كلهمُ ** الجود يُفقِر والإقدام قتّالُ".
- لزوم الصحبة الصالحة والجادة والواعية لا سيما المتميزة بتكميل ضعفك العلمي وغيره, ولا يخفى ما لها من تأثير كبير في حياة الإنسان وعلى مستوى ومنسوب إيمانه وقناعاته وتحقيق مصالحه الدينية والدنيوية, فالصديق الصالح مهم في حياة الإنسان, حيث وإن الصديق الصالح يذكّرك إذا نسيت وينبهك إذا غفلت ويعلمك إذا جهلت, وهو خير عدّة لأوقات الرخاء والشدة, وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل).
- تنمية وتعميق الإيمان بملازمة الطاعات والأذكار وقراءة القرآن, حيث لا يخفى ما لذلك من أثر حسن في استمداد عون وتوفيق الرحمن, والشعور بالراحة والاطمئنان وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان, قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه) وقال سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وقال جل شأنه: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
- ولا شك أن استرجاع الثقة والطاقة والحيوية والمستوى الدراسي بصورة عامة, يحتاج لعوامل التحلّي بالشجاعة ومرور الزمن وتعزيز الثقة فحسب (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين), فاطرحي مخاوفك جانباً, وتغلبي على شكوكك واطردي الأفكار السلبية وصفي ذهنك وتحرري من القلق والشعور بالضعف.
- الترويح عن النفس والتخفيف من ضغوط الدراسة والحياة, وذلك بممارسة هواياتك المحببة لديك، والرياضة والنزهة وزيارة الأهل والقراءة والدخول في تنافس مع نفسك ومع غيرك بهدوء وتوازن واعتدال.
- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, متحيّنة أوقات الإجابة, حيث قال تعالى : (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) (وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بما يحب ويرضى, ويسعدك في الآخرة والأولى، وأن يعينك ويقوّي عزيمتك وإرادتك، ويعيذك من العجز والكسل والضعف، ويحفظك من وساوس النفس والهوى والشيطان, ويرزقك الحياة السعيدة، ويثبتنا وإياك على الدين ويهدينا صراطه المستقيم, والله الموفق والمستعان, وهو الهادي إلى سواء السبيل.