وحيدة وعاطلة وفاشلة وانطوائية، دلوني كيف أتجاوز كل ذلك؟
2018-04-11 05:38:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور محمد عبدالعليم، كلماته رائعة جداً ونصائحه جميلة، أستمتع وأستفيد كثيراً بقراءة إجاباته على الاستشارات.
أريد أن أستشير الدكتور محمد عبدالعليم عن حالتي.
أنا أبلغ من العمر 28 سنة، في السابق كنت اجتماعية وفعالة في المجتمع، أحب الاختلاط مع الناس، وأخرج دائماً من المنزل، وشجاعة، وشخصيتي قوية، ولا أخاف إلا من الله.
لكن فجأة في 2016 أصبت بالرهاب الاجتماعي ونوبة هلع شديدة، أصبحت أخاف من كل شيء خصوصاً الناس، وأتوتر كثيراً وأتعب نفسياً عندما أختلط معهم لحد الاختناق، خاصةً في الأماكن المزدحمة كالأسواق مثلاً، أصبحت أخاف الخروج من المنزل، ولا أخرج من المنزل إلا إجباري لزيارة الأقارب، وإذا خرجت أكون طوال الوقت متوترة وقلقة وأعصابي مشدودة، ولا أهدأ إلا حين أدخل المنزل.
وضعي مأساوي جداً، أنا منذ حوالي 9 سنوات مصابة بالاكتئاب الحاد، في هذه المرحلة من حياتي حالتي سيئة جداً؛ اجتمع علي الاكتئاب والرهاب الاجتماعي والقلق والتوتر والوسواس والظروف العائلية القاهرة، أصبحت انطوائية أكثر، وأحياناً لا أخرج من غرفتي إلا للضرورة القصوى، في بعض الأحيان حتى حين أجلس مع أفراد عائلتي أتوتر وأذهب فوراً إلى غرفتي.
أعيش في عزلة تامة، لا أستطيع أن أعيش الحاضر فـكل تفكيري في الماضي والمستقبل، التفكير في الماضي يقودني إلى شعور سلبي.
أما بالنسبة للمستقبل يزيدني قلقاً، وربما خوفاً، أنا وحيدة تماماً، الشعور باليتم يزورني دائماً دون أن يكترث بوجود والدي، أخواتي ينفرن من الجلوس معي لأني أصبحت شخصاً منطفئاً وصامتاً وملولاً وكئيباً، ولا أستطيع أن أبوح لأمي وأبي بمرض الرهاب الاجتماعي؛ لأن أبي شخص قاس جداً، ودائماً يسخر مني؛ لأني مكتئبة وصامتة ولم أكمل دراستي وعاطلة وفاشلة، وعلاقتي معه سطحية، والنقاش بيننا معدوم، وإن قلت له سيستهزأ بي ويكسر قلبي أكثر، وأمي ليست حنونة علي، وتظلمني كثيراً، ولا تبالي بي أبداً حتى إن قلت لها عن مرضي لن تهتم لأمري، ولن تذهب بي إلى طبيب نفسي، ودائماً تشعرني بأني عبء ثقيل عليها، وتريد أن تتخلص مني بالزواج، وتخبر الخطابات عني.
كذلك أنا عاطلة، وليس لدي دخل مادي، وليس عندي وسيلة مواصلات تذهب بي إلى عيادة الطب النفسي، وضعي صعب جداً، ضاقت علي الأرض بما رحبت، ليس لي سوى الله، ثم هذا الموقع، أنا كل ثانية تمر علي في هذه الحياة تعذبني عذاباً أليماً، وأفكار الانتحار تراودني، وأقضي أغلب وقتي حزينة ومتألمة ومستلقية على السرير، ليس بي طاقة لعمل شيء.
قرأت عدة استشارات للدكتور عبدالعليم المتعلقة بالرهاب الاجتماعي، ووجدت حالات تشبهني، ووصف لهم الدكتور الزيروكسات، فاشتريت سيروكسات سي آر، وأريد من الدكتور عبدالعليم أن يخبرني مقدار الجرعة؟ ومتى أتدرج في الاستعمال؟ علماً أنني لم يسبق لي أن استخدمت علاجا نفسيا، والآن لا أستخدم أي علاج، وليس بي أي مرض عضوي مزمن سوى الإكزيما، وفي هذه الفترة اختفت.
شكراً لكم على هذا الموقع العظيم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرًا، وبارك الله فيك، ونشكرك على رسالتك هذه، وكذلك رسائلك السابقة.
أيتها الفاضلة الكريمة: الخوف والرهاب الاجتماعي قد يأتي للإنسان دون أيِّ أسباب واضحة أو مقدِّمات، لكنه قطعًا علَّة مكتسبة، بمعنى أن الإنسان لم يُولد بها، وربما يكون سببه تجربة سلبية مرَّت على الإنسان ولم يعْرها اهتمامًا في وقتها، وأصبحتْ تحوم حول عقله الباطني، وظهرتْ بعد ذلك في شكل خوفٍ ورهابٍ اجتماعيٍّ.
أنا لا أريدك أبدًا أن تُضخِّمي علَّتك، أنا لا أهوّن منها، لكن تضخيمها ليس من المصلحة، وحتى وإن كانت لديك أعراض اكتئابية وأعراض القلق والتوتر والوسوسة: هذه كلها في بوتقة واحدة، كلها تأتي تحت نطاق الاضطراب الوجداني، وفي حالتك قطعًا الرهاب هو الأساس.
من المهم جدًّا أن تُدخلي على نفسك الآليات العلاجية الإيجابية: أن تُحقِّري فكرة الرهاب هذه، وأن تعيدي تقييمك لعلاقتك مع الآخرين، خاصة والديك، حاولي أن تُحسني الظنَّ بأُمّك مهما كانت الظروف، واقبليها كما هي لا كما تُريدين، وحاولي أن تجدي لها العذر - أيتها الفاضلة الكريمة - هذا مهمٌّ جدًّا.
ولا بد أن تتخلصي من الفراغ الفكري، من خلال الإطلاع والقراءة، تدبير المنزل، القيام بعمل فيه فكر وتدبُّر وتأمُّل، مثل حفظ القرآن الكريم وقراءة تفسيره والتأمُّل فيه، أشياء كثيرة جدًّا يقوم بها الإنسان ويكون فاعلاً.
ومن المهم جدًّا أن تجبري نفسك على الخروج، حتى لمسافات أو لمشاوير بسيطة، مع والدتك، مع أحد محارمك، لأن العلاج بالعمل يُعتبر علاجًا أساسيًا وضروريًّا.
قطعًا العلاج الدوائي سوف يفيدك ويفيدك كثيرًا، وأرجو أن تستفيدي من التحسُّن الذي سوف يطرأ عليك حين تتناولين العلاج الدوائي لتقومي بالتطبيقات السلوكية والاجتماعية؛ لأن الرهاب الاجتماعي علَّة مُعطّلة للإنسان على النطاق النفسي، وكذلك على النطاق الاجتماعي، ولا بد أن يُعالج من هذه الزاوية.
أنا سعيد أنك اقتنعت بتناول العلاج الدوائي، ففائدته -إن شاء الله تعالى- تكون كبيرة جدًّا لك، والزيروكسات دواء سليم، ولا يضرُّ بالهرمونات النسائية، وليس إدمانيًّا، لكن تناوله يتطلب بروتوكولاً مُحدَّدًا، بمعنى أن تكون هنالك جرعة تمهيدية، ثم جرعة علاجية، ثم جرعة الوقاية، ثم جرعة التوقف عن الدواء.
ابدئي بتناول 12.5 مليجراما يوميًا، ويمكن أن تتناولينها نهارًا أو ليلاً، يفضّل تناوله بعد الأكل خاصة في الأسبوع الأول، وبعد أسبوعين اجعلي الجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا، وهذه هي الجرعة العلاجية في معظم الناس، لكن البعض قد يحتاج لـ 37.5 مليجراما يوميًا، أو حتى خمسين مليجرامًا، أنا أعتقد أن خمسة وعشرين مليجرامًا سوف تكون كافية جدًّا لك، واستمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، ثم اخفضي الجرعة إلى 12.5 مليجراما يوميًا كجرعة وقائية، وهذه استمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم ابدئي في الجرعة التخفيفية وجرعة التوقف، بأن تجعلي الجرعة 12.5 مليجراما يوميًا لمدة شهر، ثم 12.5 مليجراما يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم 12.5 مليجراما مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة أسبوعين، ثم تتوقفين عن تناول الدواء.
بهذه الكيفية -إن شاء الله تعالى- سوف تجدين أن الدواء قد أفادك كثيرًا.
أرجو أيضًا أن تقرئي عن الذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني، لأنه حقيقة يُوجِّهنا كيف نتعامل مع أنفسنا ومع الآخرين بصورة إيجابية. توجد كتبٌ كثيرةٌ حول هذا العلم (الذكاء الوجداني)، أفضلها كتاب (جولمان) والذي كتبه عام 1995.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.