أنا فتاة أدرس بالخارج وقد بدأ يعتريني الكسل والملل، ما الحل؟

2018-04-30 03:37:08 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

انتصف عقدي الثالث من العمر، وأدرس بالخارج، وأحضر لاختبار القبول للتخصص، وهو غير اختبار اللغة، الاختبار ليس سهلاً لأهل اللغة فضلاً عن الأجانب.

تخللت فترة دراستي بالخارج ظروف قاسية نوعاً ما، ومع ذلك كانت خيراً، وبفضل الله خرجت منها بأقل الضرر.

صرت أمر بفترة ضعف وانهزام، ولم أستطع الخلاص منها بالكلية، وأشعر أني أصبحت هشة، ولم أكن كذلك.

أعلم أن الظروف منها ما يسخرها الله لتقوية الإنسان، وكل ما زاد الإنسان قوة كان الابتلاء موازياً لتلك القوة، فاللطيف لا يحمّل نفساً ما لا طاقة لها به.

أحياناً لا أعلم ما علتي بالتحديد؟ حتى أستطيع السيطرة عليها وحلها، وأحياناً أخرى أعلم بها لكن أعجز عن حلها.

لذلك أنا أكتب هذه الأسطر طلباً للمساعدة لعل الله يجري بقلمك ما يخرجني من دوامة المعاركة التي أخوضها مع نفسي، والله أعلم بعد بداية حضوري للدورة للتحضير للاختبار أُحبطت إحباطاً شديداً لصعوبة اللغة المستخدمة، والطريقة التي وضعت بها الأسئلة.

تجاهلت ذلك الشعور، وبدأت بالدراسة والترجمة، بعد فترة من ترددي بين قوة وضعف عزيمة.

بدأت أفقد السيطرة على نفسي، فعقلي أصبح يتهرب من المذاكرة بشكل أريد أن أبكي منه، ولم أستطع! فمثلاً عندما أحاول أن أدرس أشعر بجوع وشهية عجيبة للأكل وبالأصل لست كذلك، أعلم أنه ليس بجوع بل تهرب.

أحياناً أخرى أقول لنفسي لا إشكال، أنا ضغطت على نفسي كثيراً فأحتاج لبعض الراحة ثم تأخذ تلك الراحة يوماً كاملاً بصفر فائدة، يضيع اليوم على أفلام أو مسلسلات أجنبية بحجة تقوية اللغة التي أدرسها، وأعلم أنه تهرّب أيضاً، وأحياناً كثيرة وكثيرة جداً يداهمني سرحان قاتل، وهو أيضاً تهرّب!

أصبحت فاقدة للسيطرة على نفسي، وأصبحت نفسي تتهرب وتتملص مما أنا بصدده.
رؤيتي وهدفي بحياتي:

أريد أن أتعلم وأتعلم علماً عميقاً وعظيماً حتى أجعل من يستمع لي ويسمع عني يفتخر أنه ينتمي لأهل السنة والجماعة، كما كنت يوماً ما أزهو على أهل الباطل من أن أحدهم كان من أهل السنة والجماعة -بفضل الله- ثم بسعة علمه واطلاعه وثقافته ورسوخه، كان كمنارة سراجها منير في ظلمات بعضها فوق بعض.

أريد أن أصبح مثل السلف الصالح في شغفهم في طلب العلم بلا كلل أو ملل، أريد أن أقضي الساعات الطوال منكبة على تحصيل العلوم بدون أن أفقد سيطرتي على نفسي. فكيف لي ذلك؟

أرى أني جزء من أمة، وجزء عظيم أيضاً، كوني أتمتع وبفضل من الكريم، بفهم لعلوم مختلفة، ورجاحة عقل من سن مبكرة، وحب عظيم لتحصيل العلوم، ولعلها هبة من الوهاب تستحق الشكر الكثير، وأيضاً هي بنفس الوقت تكليف للقيام بدوري الذي أُنطت به جراء تلك الهبة.

ما أريده هو أن يكون لي دور فعال وعظيم في وقت ضعف فيه المسلمين، وكثير منهم بحال لا يسر من هوان وسطحية وضحالة فهم وعلم.
هل كان السلف يمرون بحالات من تراخي وتقهقر عن طلب العلم؟ إن كانوا كذلك فكيف يصنعون حتى يعودوا لطبيعة حالهم؟ لأني عندما أقرأ في تراجمهم أرى العجب العجاب، من قلة نوم وكثرة مذاكرة وعبادة، وجد واجتهاد بطلب العلم وتعليمه، حتى إن بعضهم تمر عليه أيام لا ينام سوى غفوات.

عندما أقرأ سيرهم، تارة أُشحن بحماس وعزيمة وأخرى ألوم نفسي علي ضعف العزيمة التي أنا بها، أتمنى أن يكون سؤالي واضحاً.

جزيتم خير الجزاء.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول:

أنت في بلد تحتاجين فيها إلى أن توثقي صلتك بربك سبحانه وتعالى، وتجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة، والابتعاد عن مواطن الفتنة، حتى لا تقعي فيما يسخط الله عليك، وأنت قادرة بإذن الله تعالى على ذلك.

أخذ قسط كاف من الراحة والالتقاء مع صديقاتك وممارسة الرياضة المتاحة يعينك على إبعاد الملل ويساعدك في تجديد النشاط وزوال الرتابة في الحياة.


ترتيب أوقاتك في غاية الأهمة بحيث تعطي كل ذي حق حقه، والأصل في ذلك قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً ولزورك ـ ضيفك ـ عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه).

استعيني بالله ولا تعجزي، وقدمي الأهم قبل المهم، وابذلي جهدك في استخدام الوسائل الناجعة للوصول إلى أهدافك والطريق الذي جربته فيما مضى، ولم يوصلك لشيء لا تسلكيه مرة أخرى.

وسعي مداركك، ولا تكتفي بما يؤخذ في الكلية، فتوسيع المدارك يسهل عليك فهم المعلومات ويقرب لك المسافات، ويختزل لك الأوقات.

من أنفع ما يعين المرء على اجتياز المحن والمشاكل، وينفس الكروب ويجلب القوة الحسية والمعنوية للجسد كثرة الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ) وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الاستغفار أكبر الحسنات وبابه واسع فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو رزقه أو تقلب قلبه فعليه بالاستغفار).

كوني متفائلة على سبيل الدوام، فالتفاؤل يبعث على الأمل ويشرح الصدر، وينور الدروب، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه: (كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ). والطِّيَرَةَ: هي التشاؤم بالشيء. وعند مسلم: (.. وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ)، وعند البخاري: (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ؛ الْكَلِمَةُ الْحسَنَةُ).

في زمن الحديبية، وحين قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد قريش ليصالحوه رأى فيهم سهيل بن عمرو فقال عليه الصلاة والسلام: (قد سهل أمركم).

قد يخفق المرء في بعض الأمور، وهذا أمر طبيعي فالحياة فيها الأفراح والأتراح والنجاح والإخفاق ولم يستثن أحد من هذا حتى أنبياء الله وهم أكرم الخلق على الله سبحانه لم تخل حياتهم من ذلك.

لا تيأسي أبداً، وإياك أن تصابي بالإحباط نتيجة بعض الصعوبات أو الإخفاقات ألا ترين أن السيل المتدفق إن وجد الطريق أمامه مسدود بحث عن طريق أخرى أو هدم ما يقف حاجزاً ومانعاً له من الانسياب.

كلما اعتراك أمر أعيدي صياغة حياتك بما يتناسب مع الواقع الجديد، وأحسني الظن بالله، وانظري إلى الحياة بتفاؤل، واستبدلي الرسائل السلبية التي تكبلك عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية وأمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من شرب الخمر، فقال الصحابة: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به!

لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه، وتدفعه نحو التغيير، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام.

كذلك لما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال، فقال لهم من أنتم؟ قالوا: نحن الفرارون، قال بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش.

لقد كان للشعر دور في شحذ الهمم واجتياز الصعاب، فقال بعضهم:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ** فما انقادت الآمال إلا لصابر

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة لله، وتحيني أوقات الإجابة، وخاصة الثلث الأخير من الليل، وأحسني الظن بالله أثناء الدعاء، ففي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: (أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله) والمعنى كما قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكًا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".

اشتركي في المذاكرة مع زميلاتك المجدات كي تذهب عنك السآمة والملل وتقطعين على نفسك تعللها أو الميل للطعام أو مشاهدة التلفزيون.

الخروج للنزهة إلى الأماكن العامة مع بعض زميلاتك أو محارمك إن وجد مفيد فقد كان كثير من السلف إن أصيبوا بشيء من الملل فعلوا نحو ذلك وهي طريقة متبعة قديما وحديثا فالذي لا يعرف استغلال وقت الفراغ والإجازات لا يستطيع إنجاز مهامه بشكل جيد.

لا زالت همتك عالية، وهذا أمر مبشر بخير، وأنا متفائل أنه سيكون لك مستقبل باهر ومشرق -بإذن الله تعالى- فالفتور قد يصيب الكثير منا في بعض الفترات، وطالما والمرء لا يزال على الطريق فهذا أمر لا يخيف، لأن الإنسان في هذه الحياة لا يكون على وتيرة واحدة في حياته، بل هو متقلب بين النشاط والجد والعمل وبين الكسل والفتور والتقصير.

لقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى استغلال أوقات النشاط، وإقبال النفس على العمل بجد ونشاط، ونبقي العمل مستمراً، ولو بأدنى مستوى في حال الفتور والكسل، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة, ولكل شرة فترة, فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).
لا شك أن أهل العلم من سلفنا الصالح كان يعتريهم الفتور في طلب العلم فهم بشر، وقد ذكر كثير منهم ما كان يعتريه من ذلك كابن الجوزي رحمه الله وغيره، ولكن هذه الأمور الطارئة، قد لا تذكر في ترامهم وإنما يذكرون الجانب الأكثر إشراقاً من حياتهم، ومع هذا يوجد في ثنايا سيرهم ذكر ما كان يعتريهم من الفتور، لكنه لا يصل إلى حد الانقطاع، والذي أنصحك به هو أن تقرئي كتاب علو الهمة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم، وصفحات من صبر العلماء لعبد الفتاح أبو غدة، وكتاب صلاح الأمة في علو الهمة لسيد حسين العفاني، ففيها ما يشحذ الهمم ويعلي بإذن الله إلى القمم.

نسأل الله تعالى أن يسمعنا عنك خيرا والله الموفق.

www.islamweb.net