فكرة الظلم تعكر علي حياتي، فما نصيحتكم لي؟
2020-06-22 03:29:23 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أولا: أنا طالب جامعي، عمري 19 سنة، شخص ذو طابع قلقي، وعاطفي، ومحافظ على صلواتي وقراءة القرآن والأذكار، مرت علي عدة وساوس منها وسواس العقيدة، ووسواس الوضوء، وسواس الأفكار الخاطئة عن الدين، وسواس بما يتعلق بالأمور القدرية والجبرية، وأخطرها وسواس الموت، ولكن -الحمد لله- تخلصت من هذه الأفكار بصعوبة وبعد مدة طويلة.
في طفولتي تعرضت للتنمر، وأيضا قسوة الأب والأم، بسبب ذلك أصبح عندي كراهية ضد الظلم، وأصبحت حساسا في هذه المواضيع خصوصا عندما أقرأ في القرآن، وسيرة معاناة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأذية الكافرين له، ووضع المسلمين اليوم، ومؤخرا أصبح الإعلام يتداول الكثير من الأخبار كأباء يقتلون أطفالهم بدون رحمة، وتعذيب الحيوانات، وجرائم أخرى يستحيى ذكرها كتجارة الأطفال واستغلالهم جنسيا.
بسبب ذلك أصابني إحباط ويأس كبير، فالمشكلة أن ما يتداوله الإعلام هو 10% مما يحصل، إذاً ماذا عن الذين لم يتم تصويرهم أو المعرفة بشانهم؟ أي الذين يعانون بصمت ولا يوجد رادع لهؤلاء الظالمين الذين يستغلون الضعفاء كالأطفال، والنساء، والحيوانات لأغراضهم الجنسية والشريرة، ومعاملتهم كسلعة أو لعبة، أو إفراغ الغضب عليهم، أو لتصفية الحسابات، أو المضطهدين في الحروب، بل تجد للمجرم الكثير من الضحايا، ولكن هذا ما كشفه الإعلام فقط! حقا الأمر أصبح يجنني.
كل مرة أحاول عيش حياتي تستحضرني هذه الأفكار وتخيلات عن معاناة هؤلاء المساكين خصوصا الأطفال، مما يسبب لي صداعا خلف الرأس ويعكر استمتاعي بحياتي، فأنا لا أستحمل فكرة أنني أعيش وغيري يعاني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عيسى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب، ونحن أولاً نشكر فيك هذه المشاعر، ونُكبر فيك هذه الروح العالية الكبيرة التي تتألم لآلام الآخرين، وتشعر بمصائبهم وأحزانهم، وهذه علامة على شرفٍ في نفسك وعلوٍّ في همّتك ونقاء في سريرتك وصلاح في دينك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك هدىً وصلاحًا وخيرًا، والنبي صلى الله عليه وسلم هو داعِي البشرية إلى التراحم والرحمة والإشفاق على المستضعفين والمساكين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسحر والحمّى) متفق عليه، والعنوان الذي يُورد تحته البخاري هذا الحديث هو: «باب رحمة الناس والبهائم»، والإمام مسلم – رحمه الله – قال: «باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم»، فهذا الحديث يدلّ على الحالة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن، من الرحمة والعطف على إخوانه المسلمين، وعلى المستضعفين من البشرية عمومًا الذين لا ذنب لهم، ولكنّ الحديث بدأ بالكلام أو اعتنى بالكلام عن المؤمنين، الذين تجمعك بهم أخوّة الدين وأخوة الإسلام.
فالتراحم والعطف والاهتمام بمصائب المسلمين ومشاركتهم في أحزانهم أمرٌ مطلوب من المؤمن، وهو علامة – كما قلنا – على إيمانه، ولكن هذا في الحدود المقبولة، في الحدود التي يكون فيها هذا الشعور مثمرًا نافعًا، بأن يُولِّد في الإنسان المشاعر نحو الإنجاز، ونفع هؤلاء الناس، إمَّا بأن يدعوَ لهم إذا كان لا يقدر على شيء غير ذلك، وإمَّا أن يمدّ لهم يد العون فيما يقدر من صغير الأمر أو كبيره، أمَّا أن تتحول هذه المشاعر إلى سبب للاكتئاب والحسرة والحُزن المُقعد عن العمل، المُقعد عن الإنتاج، المُوقِعُ صاحبه في ظلمات من الحيرة والقلق واليأس، فهذا ليس هو الذي أراده مِنَّا النبي صلى الله عليه وسلم.
فينبغي أن تعلم – أيها الحبيب – أن الله سبحانه وتعالى أرحم بالعباد مِنَّا، وأعلم بأحوالهم، وأقدر على أن يُنجّيهم ويُخلِّصهم ممَّا هم فيه، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الكبيرة الجميلة في الله سبحانه وتعالى أنه الأرحم والأعلم والأقدر، ومع ذلك أجرى هذه الأقدار المؤلمة على الناس، فإنه لا يفعل ذلك سبحانه وتعالى إلَّا لحكمةٍ بالغةٍ، وهو سبحانه وتعالى يُريد بهذه الأقدار المؤلمة الخير لهؤلاء الناس الذين قدّر عليهم ذلك، فأنت لا تعلم كم هي الفوائد التي يجنيها هؤلاء الناس بنزول هذه المصائب فيهم وبساحتهم، فإن الله يرفع بها درجاتهم، ويُكفّرُ بها سيئاتهم، يُضاعفُ لهم الثواب، وهذا ما قال الله تعالى عنه في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تُحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وممَّا يجعلُك تشعر بخلاف ما أنت فيه من الاكتئاب والضيق والمبالغة في ذلك أن تعلم – أيها الحبيب – بأن الله سبحانه وتعالى حين يُقدّر تلك الأقدار المؤلمة على أصحابها فإنه سبحانه وتعالى يُعينهم بأن يُصبّرهم ويخلق فيهم من التفاؤل والجَلَد والقوة على تحمُّل تلك المصائب ما لا تشعر به أنت وأنت بعيد عن هذه المصيبة.
فإذًا لا تُذهب نفسك ولا تقتل نفسك بالحسرات والندامة، وتُوقعها في أنواع من المشاعر السلبية التي تعود عليك بالضرر دون فائدة، واعلم أن الله سبحانه وتعالى رحيمٌ بعباده، وأنه سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يخلِّصهم، وأنه متى شاء ذلك فعل، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، ولكنّه سبحانه وتعالى يفعل كل شيءٍ بمقدار.
فدعْ عنك هذه المشاعر التي بالغتَ فيها إلى أن وصلتك إلى ما وصلت إليه، وينبغي أن تحذر – أيها الحبيب – أن يفتح الشيطان عليك هذا الباب ليُحزنك ويُقيِّد حريتك، فهذا أقصى ما يتمنّاه الشيطان، كما قال سبحانه وتعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليَحْزُن الذين آمنوا}، فهو حريصٌ على أن يُدخل الحُزن إلى قلبك، لأنك إذا حزِنتَ تقيّدتْ حركتُك، وقلَّ إنتاجك، وقلَّ نفعك، حتى هؤلاء الذين ترحمهم وتُشفق عليهم يقلُّ نفعك لهم.
فتحوَّل – أيها الحبيب – إلى جانب الإنتاج والعمل النافع، وهؤلاء إذا لم تستطع أن تنفعهم بشيء عملي فانفعهم بدعائك، فأصلح حالك مع الله بالإقبال على الله سبحانه وتعالى والتزام فرائضه، واجتناب نواهيه، والإكثار من طاعته وذِكْره، وادعُ لهم، فإن دعائك بإذن الله تعالى ينفعهم.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يوفقك لكل خير.