أعاني من الوساوس في الدين

2020-07-05 05:27:54 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

في هذه الأيام أعاني من وسواس في الدين والشرك، وأستعيذ بالله، ولكن الكلمة تضل في مخي واليوم عندما نمت وصل الوسواس لدرجة قول: أريد ذلك حتى جاءت في بالي كلمة إلحاد، مع قول: أريد وأنا لا أريد ذلك، واستغفرت عدة مرات، ولكن خائفة من أن يكون هذا شركاً بالله.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول:
الوساوس الشيطانية لا تستثني أحداً من الناس، حتى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانت تأتيهم الوساوس، ولم يستثن أحد إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)، قيل أسلم أي دخل في الإسلام وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم يسلم من الشيطان بدليل أنه قال: فلا يأمرني إلا بخير.

لقد جَاءَ أنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ).

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه: (أما معاني الأحاديث وفقهها: فقوله: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك، وأنت أيتها الأخت المباركة بقلقك من هذه الأفكار الوسواسية وخوفك منها دليل على حسن إيمانك، إن شاء الله تعالى.

من جملة التوجيهات النبوية لهذه الأمة في اتقاء الوساوس قوله عليه الصلاة والسلام: (يَأتيِ ْالّشَّيْطَاْنُ أحَدَكُمْ فَيَقُوْلُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَاْ؟ حَتَّىْ يَقُوْلُ لَهُ مَنْ خَلَقَ ربَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ) وفي رواية: (فَمْن َوَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاْللهِ) ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل واحتقاره وعدم التحاور أو الاسترسال معه، والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.

قال الإمام المازري رحمه الله ظاهر الحديث أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمراً طارئاً بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها، والله أعلم.

وأما قوله: فليستعذ بالله ولينته فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله أعلم.

قال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: قوله: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.

قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك.

من علاج الوسواس الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور إتيان الوسواس، فلقد أَتَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي) ويقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ).

الشيطان حريص على إغواء بني آدم، وصدهم عن عبادة ربهم، وذلك عن طريق الوساوس التي يلقيها في صدورهم غير أن الله تعالى قد بين من خلال الآيات القرآنية وأمر نبيه صلى الله عليه الصلاة والسلام أن يبين للأمة من خلال الأحاديث النبوية طريق النجاة من هذه الوساوس الشيطانية.

أختنا الكريمة: لست مؤاخذة بهذه الوساوس الشيطانية وليس هذا من الشرك فأنت لم تقعي في الشرك أبدا لأن هذه خواطرك تجول في عقلك ولم تنطقي بها ثم هي خارجة عن إرادتك والمسلم غير محاسب على الوساوس قال عليه الصلاة والسلام:: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم).

الذي أوصيك به هو أن تقطعي الوسواس فور وروده، وأن تحتقريه كما سبق، وتستعيذي بالله من الشطان الرجيم، وأن تقومي من المكان الذي أتتك فيه، وأن تنشغلي بأي عمل يلهيك عنها، مع الإكثار من ذكر الله تعالى فإن كثرة الذكر يطرد الشيطان كما قال سيدنا ابن عباس (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل لصالح فذلك مما يجلب لك الحياة السعيدة الهائة البعيدة عن المنغصات يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

أكثري من تلاوة القرآن وحافظي على أذكار اليوم والليلة فذلك من سيجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة لله، مع تحين أوقات الإجابة وسلي ربك أن يصرف عنك الشيطان وهمزه ونفثه ونفخه، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.

www.islamweb.net