أعاني من صراع النفس لأني أذنب وأتوب مراراً.
2020-10-14 05:07:28 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم عبد الرؤوف، لدي مشكلة عويصة، وهي مع نفسي، فقبل الزواج كنت ضالاً، وتعرفت على الكثير من الفتيات، ولكن حتى قبل أن أفكر في الزواج تبت إلى الله، وواظبت على صلاتي، واتجهت لربي، ثم -الحمد لله- وفقني الله وتزوجت.
بقي في نفسي مشكلة عريضة، حيث أني عدة مرات حال الضعف أرمق الفتيات بالنظر، وفي كل مرة يحصل هذا أذهب إلى الصلاة وأذرف الدمعة لربي، وأطلب الصفح والثبات، ولكن بعد مدة تعود نفسي للضعف رغم مواظبتي على الصلاة والشكر.
عدة مرات يوسوس لي الشيطان أن الله لم يقبل توبتي، ولكني أعرف أن الله غفور رحيم، وهكذا الصراع على أشده في نفسي.
عدة مرات لم أعد أستطيع شيئاً والنفس تمنيني بالمعاصي تارة ثم تارة أخرى أبكي كالطفل، وأطلب الصفح، وفي الآونة الأخيرة تقربت مني فتاة وصددتها، ولكن لحظات الضعف لدي هي التي شجعتها.
والله إني أكرر المعاصي وكلما وقعت في واحدة أبكي وأبكي، وطول الوقت أصارع نفسي حتى شككت أني مريض بانفصام الشخصية.
أرجوكم أشيروا علي، كيف أتوقف عن هذه الحالة التي أنا فيها؟ كيف أغلب جانب الخير؟ وإن كان مرضاً نفسيا فهل أذهب للطبيب؟ فقد تعبت من نفسي التي تأمرني بالسوء رغم لحظاتها القليلة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرؤوف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابننا الفاضل وأخانا الكريم- في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل وهذا الحرص على الخير، ونحيي هذه النفس اللوامة التي دفعتك إلى التواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك لنتوب.
لا يخفى عليك أن التوبة تجُبُّ ما قبلها وتمحو ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وأن الله يغفر الذنوب جميعًا، وأنه هو التواب الرحيم، واحمد الله تبارك وتعالى الذي هداك للتوبة وللصلاة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُصرِّف قلوبنا وقلبك إلى طاعته، وأن يُثبتنا على الحق، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
أرجو أن تعلم أن الشيطان يغضب لتوبتنا ورجوعنا إلى الله تبارك وتعالى، ويظلُّ الشيطان يحاول أن يُعيد الإنسان إلى المربع الأول، مربّع الغفلات، فهذا الجهاد وهذا الصراع طبيعي، وينبغي أن تستخدم عناصر الخير وتقترب من زوجك الحلال وتطلب معونتها على الخير والطاعات لله تبارك وتعالى.
احذر من أن يُوصلك الشيطان إلى اليأس، فإن الشيطان يحاول أن يُوصل الإنسان إلى اليأس، بل هو الذي قاد الإنسان من قبل إلى المعصية، يقول: (لن يغفر الله لك، كيف تجلس هنا، أتظنّ أن الله يغفر لك)، والحمد لله أنك تعرف أن الله غفور رحيم، بل نحن نقول: ما سمَّى نفسه غفوراً إلَّا ليغفر لنا، ولا سمَّى نفسه توّاباً إلَّا ليتوب علينا، وانظر إلى صيغة (غفور) يعني كثير المغفرة، وانظر إلى صيغة (توّاب) يعني كثير قبول التوبة مِنَّا.
كن توّابًا رجَّاعًا إلى الله تبارك وتعالى، واجتهد في قطع الشر من أسبابه، يعني: تجنّب الأماكن التي فيها مناظر سيئة، وإذا نظرت فلك الأولى فلا تُتبعها بالثانية كما هو توجيه النبي عليه صلاة الله وسلامه، وإذا شاهدت شيئًا فعندك الحلال فلا تترك الحلال وتفكّر في الحرام، واستمر في الطاعات وفي هذه المجاهدة، واعلم أن الصراع بيننا وبين عدوّنا الشيطان مستمر، والله أخبرنا بذلك فقال: {إن الشيطان لكم عدوٌّ} ثم أعطانا العلاج فقال: {فاتخذوه عدوًّا}، بمعنى أن نخالف هذا العدو ونكون على انتباهٍ منه كما هو على انتباهٍ مِنَّا.
هذا الإحساس منك والخوف منك في مكانه الطبيعي، والإنسان لا بد أن يخاف على نفسه، ولا أعتقد أنك مريض، ولكن تحتاج إلى مجاهدة، نوصيك أولاً بكثرة الدعاء، ونوصيك بالقرب من أهلك، نوصيك بالحرص على مراقبة الله تبارك وتعالى، ونوصيك بأن تكون مع رفقة صالحة تُذكّرك بالله إذا نسيت، وتُعينك على طاعة الله إنْ ذكرت، نوصيك بأن تتخلص من كل آثار المعصية، ذكرياتها، أرقامها، أماكنها، وسائلها.
نوصيك أيضًا أن تبتعد عن المكان الذي فيه هذا الشر، كما في الحديث للذي قتل مائة نفسٍ: (لكنك بأرض سوءٍ فانطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أقوامًا يعبدون الله تبارك وتعالى فاعبد الله تبارك وتعالى معهم)، أرشده بترك بيئة الشر، وكذلك أرشده بترك رفقة الشر، والبحث عن الرفقة الصالحة التي تُعين الإنسان على الخير.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك الثبات، ونؤكد أن هذه الرغبة وهذا الانزعاج في مكانه، وثق بأن الله تبارك وتعالى يُوفقك، فاصدق مع الله، وأخلص في توبتك لله، وأكثر من الحسنات الماحية، فإن الحسنات يُذهبن السيئات، وعليك أن تفادى السقوط، وإذا وقعت فجدِّد التوبة، قيل للحسن البصري: إلى متى؟ قال: (حتى يكون الشيطان هو المخذول).
نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.