وسواس الخوف من السرطان دمر حياتي.

2020-10-27 03:03:37 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 16 سنة، أعاني من وسواس الخوف من الأمراض، وتحديدا السرطان، وهذا أثر على حياتي ودراستي، وصرت أكثر توترا وعصبية، وتدمرت حياتي، أصبت منذ 5 أشهر ونصف بنوبة هلع، وذهبت للمستشفى، وكنت أظن أني سوف أموت، ولكن -الحمد لله- تخلصت من نوبات الهلع، لكني لم أتخلص من الوسواس.

بحثت على الإنترنت عن أعراض وأسباب السرطان، ووجدت أن المواد المعقمة مثل الكحول الطبية والهايبكس تسبب السرطان، ومن وقتها وأنا خائف وأوسوس عندما أستعمل المواد المعقمة، وأيضا عندما أستعمل الصابون، فمثلا اليوم استعملت معقم اليد، وشممته، فشعرت بأنه دخل إلى حلقي، وصار يحرقني، وبدأت بالتوتر والقلق والخوف من الإصابة بسرطان الحلق.

يحدث هذا معي دائما، وفي سيناريوهات مختلفة كل يوم ٣ مرات، علمًا بأني مواظب على أذكار الصباح والمساء وأصلي دائمًا -والحمد لله-، فهل يزال الهايبكس المخفف والمعقمات عن طريق الماء؟

شكرا لمساعدتكم لنا جميعا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

أنت تعاني من قلق المخاوف الوسواسي، وحالتك لا نعتبرها حالة مرضية، إنما هي ظاهرة، ونحن حقيقة ننصح الناس ألَّا تقرأ كثيرًا عن الأمراض، وأن تأخذ الأمور من مصدرها الطبي الصحيح.

ربما تكون أصلاً شخصيتك فيها الجانب الوسواسي والجانب القلقي، لذا تكون سريع التأثُّر بما تقرأ، ويأتيك سوء التأويل والتفسير، مثلاً كلامك عن المُعقِّمات: مع احترامي الشديد لما ذكرته لكنّه غير صحيح، هذه المُعقِّمات ليست مرتبطة بالسرطان، هذا ليس صحيحًا أبدًا، وإن كانت مرتبطة بالسرطان لما تُركتْ في جميع الأماكن الآن، ولا غفل عنها كل مسؤول وكل من هم في الحقل الطبي، ولما استعملها الناس، لكن الإنسان يكون وسطيًّا في استعمالها، أنا شخصيًا لا أستعملها كثيرًا، أنا أعتقد بأن الماء والصابون أفضل كثيرًا، لأن هذه الجائحة وهذا الفيروس (الكورونا) أصلاً شيء دهني، والدهنيات تذوب أكثر بالماء والصابون، فلا تستعملها بمبالغة، ليس خوفًا منها، لكن أصلاً لا داعي لذلك.

هذا هو الإرشاد الذي أودُّ أن أركّز عليه، وفي ذات الوقت أريد أن ألفت نظرك لشيء مهمٌّ جدًّا – أيها الابن الفاضل -: التفكير لدى الإنسان يُوجد في طبقات (طبقات عُليا، وطبقات وسطى، وطبقات دنيا)، ودائمًا الأشياء ذات الأهمية نتركها في طبقاتها العليا للتفكير، في حالتك -بكل أسف- هذه المخاوف والوساوس أخذت هذه الطبقات العُليا من التفكير، ولذا أصبحت هي التي تُحرِّك حياتك وتشغلك بالكيفية التي تحدثت عنها، يجب أن تُسقط هذه الأفكار إلى مستوى أدنى فيما يتعلّق بالتدرُّج الفكري لديك، دعها في الجوانب السفلى، أو حتى الوسطى، وارتق بنفسك، اجعل التعليم، القراءة، الاطلاع، التميُّز، الاهتمام ببرِّ والديك، بأمور دينك، وأنت الحمد لله تُصلّي وتذكر الله تعالى، وهذا أمرٌ طيب، لكن نحن نريد المزيد {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}.

فإذًا يجب ألَّا تترك الطبقة الأولى في فكرك تُملأُ بهذا الحيِّز المرضي الوهمي الذي يشغلك، هذه حقيقةً مهمَّة جدًّا، والإنسان الذي يُحسن إدارة وقته، ويعرف مهامَّه في الحياة، ويعرف دوره في الحياة، وأن يكون نافعًا لنفسه ولغيره؛ يستطيع بالفعل أن يعطي الأمور المهمة وضعًا استثنائيًا، وهذا قطعًا يُخفض كثيرًا من حالات القلق والتوتر.

انشغالك الآن بالسرطان وبالأمراض: هذا أمرٌ يجب حقيقة ألَّا يستحوذ على تفكيرك، الأمراض موجودة نعم، والسرطانات موجودة نعم، لكن أيضًا الصحة موجودة والعافية موجودة، والإنسان يسأل الله تعالى أن يحفظه ويعافيه من شر الأمراض ومن كل سوء، ويعيش حياة طيبة وصحيّة، وحتى الموت: الآجال بيد الله، لا نستطيع أن نُغيّر في موضوع الموت أبدًا، نحن نعيش الحياة بقوة، وبصورة صحيحة ونستفيد من الحياة كأنَّا نعيش أبدًا، ونعمل للآخرة كأنَّا نموتُ غدًا، (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا)، وهذا هو مبدؤنا في الحياة كمسلمين، وأصلاً ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك.

أرجو أن تقرأ هذا الحديث بنصوصه المتعددة عن النبي-صلى الله عليه وسلم-، وعن أصحابه كأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، وتطلع على تفسيره، فمثلاً ابن عبادة ابن الصامت سأله عطاء بن رباح: كَيْفَ كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ؟ قَالَ: جَعَلَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تَتَّقِ اللَّهَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْعِلْمَ حَتَّى تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَتُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قُلْتُ: يَا أَبَهْ كَيْفَ لِي أَنْ أُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؟ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، فَإِنْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، فَجَرَى تِلْكَ السَّاعَةَ بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ)) [مسند ابن الجعد].

وأمَّا أبي بن كعب فلقيه ابن الديلمي فقال له: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، إِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي. قَالَ: "لَوْ أَنَّ اللهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ، كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ جَبَلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَدَخَلْتَ النَّارَ" قَالَ ابن الديلمي: فَأَتَيْتُ حُذَيْفَةَ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ. [مسند الإمام أحمد].

اجعل الرياضة جزءًا من حياتك، الرياضة مهمّة جدًّا، تقوي النفوس، وتقوي الأفكار، وتقوي الجسد، وعليك بالصحبة الطيبة التي تعين على الطاعة وتذكّر إذا نسيت، وعليك ببرِّ والديك كما ذكرتُ لك، يجب أن ترتق بفكرك وتترك هذا الكلام الذي لا داعي له أبدًا.

هذه هي نصيحتي لك، وأرجو أن تجعل هذا المنهج هو منهج تفكيرك، ولا أراك في حاجة لعلاج دوائي في الوقت الحاضر.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net