لدي وسواس وخوف مستمر حول وفاة أمي!
2020-11-26 01:07:03 | إسلام ويب
السؤال:
لقد مر على الحادثة تقريبا سنة، أتذكر في ليلة أن أخي الأصغر مني قال لأمي شيئاً عن أن أجلها قريب (به مس)، وبدأت عيناه بالدموع، وكذا أمي عند إخبارها لنا بهذا، وأصابني الوسواس ودخلت في حالة مرضية، كل يوم أتوقع اتصالاً يخبرني بالفاجعة.
أبدأ بالبكاء ومع مرور الأسابيع بدأت أرتاح إلا أن الفكرة لدي والخوف لازمني، وفي الأشهر الماضية اشتدت جائحة كورونا، وأصبح كل من يدخل المستشفى يشخص بكورنا ويتوفى، وأصيب هذا الوباء بعض أفراد العائلة، وقبل وفاة جدة أمي رأت مناماً عنها فسرته بالنت وتفسيره كان موتها، وبالفعل هذا ما حصل فأصبحت أخشى الأحلام.
أمي دائماً كلما ترى مناماً تأتي لإخباري، وأنا أقول لها لا تفعل، إلا أنها تصر على إخباري، وأنا دائماً أفسره بما أخافه بدون إرادتي.
انتكست حالتي وأصبحت أسوأ، وأصبحت أفسر كل شيء بالموت، فترة عصيبة لا أتمناها لأحد، ولم أستطع الأكل، وأصبت بالأرق، ودائماً أبكي، ونقص وزني كثيراً، وقلبي يخفق، ولا أستطيع إنجاز شيء، حتى إني أعجز عن الاهتمام بنفسي، وإني أبدو كعجوز لا شابة، وكلما ذكرت أشياء عن الأحلام، وتفسيرها أو عن حالات الموت أو عن المرحومة أجد نفسي أتخيل وفاة أمي، وما سيؤول إليه حالنا، خاصة أني أنا الأخت الكبرى لـ 6 أطفال، ولم أخبر أحداً عن مشكلتي لأنه ليس لي أحد عدا أمي، والتي لا يمكن أن أخبرها عن مخاوفي حولها، ولأني كتومة بطبعي وكثيرة التفكير، أجد نفسي أمضي أكثر من نصف يومي وأنا أتخيل الوفاة، الجنازة، البكاء، ولم أعد أستطيع التحمل، فلجأت إليكم بعد الله عز وجل، وأرجو دعاءكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
قد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، والأعراض التي تحدثت عنها واضحة جدًّا، من الناحية التشخيصية: حالتك يسيرة، ونسميها بـ (قلق المخاوف الوسواسي)، هنالك قلق، وهنالك مخاوف، وهنالك وساوس، وأسباب هذه كلها ناتجة ربما بسبب أن البناء النفسي لديك أصلاً فيه شيء من الاستعداد للقلق.
القلق ليس مرفوضًا، لأنه طاقة إيجابية مهمة، ولكن بعد ذلك أتت ما نسميها بالأسباب المُهيئة، وهي موضوع جائحة كورونا، والوفيات التي حدثت بالفعل هي كثيرة، ونقول: إن لكل إنسان أجله، و{إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
هذا الجو وهذه البيئة وهذا المحيط الذي عاشه الناس ولا يزالون يعيشونه، وما سبَّبه لهم من مخاوف وذعر؛ قوَّى لديك هذه المشاعر الوسواسية والقلقية، ومشاعر الخوف.
الإشكالية أو السببية الأخرى هي أنه في بعض المجتمعات موضوع الاعتقاد حول العين والسحر والمس وتفسير الأحلام، هذا حقيقة يؤدي إلى كثير من الاضطراب النفسي، وأعتقد أن هذا أيضًا قد ساهم في حالتك هذه.
نحن – أيتها الفاضلة الكريمة – نؤمن بالعين والسحر والحسد والمس، كل هذا نؤمن به، لكن نؤمن أن الله خيرٌ حافظًا، ونؤمن أن الإنسان مكرَّم، ونؤمن أن العبد الذي يؤدي صلاته ويُحصّن نفسه بأذكاره ويتلو ورده القرآني ويعيش الحياة بقوة وثقةٍ، ويعلم أنه لن يُصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه وما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وهذا هو المتوكل على الله تعالى حقًّا {وما هم بضارين به من أحد إلَّا بإذن الله}.
أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو تصحيح المفاهيم، وأرجو ألَّا تشغلي نفسك بما يتم تداوله وسط بعض الناس، وأنا لا ألومك أبدًا، لأني أعرف أن التأثير المجتمعي في هذا الموضوع كبير جدًّا.
قضية الأحلام، هذه أيضًا أمر شائك وأضرَّ كثيرا بصحة الناس.
الأحلام السيئة لا تُحكى إذا، والإنسان يجب ألَّا يبحث عن تفسيرات لها، لأنه لا يوجد فيها شيء يقيني، والإنسان يستغفر الله تعالى، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتفل على شقه الأيسر ثلاثًا، ويسأل الله خير الأحلام، ويستعيذ بالله من شرِّها.
نعم أنت وجهتي والدتك ألَّا تتحدث عنها، لكنها تحاول أن تتحدث عن هذه الأحلام، واعتقادها في الأحلام اعتقاد مطلق جدًّا، مع أن هذه الأحلام أحلام باطلة.
أرجو أن تقومي بهذا الدور الإرشادي وسط أسرتك، ألَّا يتكلموا حول هذه الأحلام، والناس تتوكل على الله، وتعيش الحياة بكل قوة وبكل إيجابية.
أيتها الفاضلة الكريمة: أريدك أن تستفيدي من وقتك بطريقة صحيحة، ركزي على دراستك، رفهي عن نفسك بما هو طيب وجميل، عيشي الحاضر بكل قوة والمستقبل بأملٍ ورجاء، مارسي أي نوع من التمارين الرياضية المتاحة للفتاة المسلمة، وأيضًا هنالك تمارين استرخائية مفيدة جدًّا؛ أرجو أن تطلعي على أحد برامج الاسترخاء على اليوتيوب وتطبقيها.
حتى نضمن بحول الله وقوته الشفاء التام لك سأصف لك دواءً بسيطاً، أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي، الدواء يُسمَّى سبرالكس، هذا هو التجاري، واسمه العلمي (استالوبرام)، تبدئي في تناوله بجرعة خمسة مليجرام – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام – تناوليها لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة واحدة يوميًا – أي عشرة مليجرام – لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة لمدة أسبوعين يوميًا، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++
انتهت د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ عقيل المقطري مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
++++++++++
اعلمي أن الله لم يخلقنا لنعيش في الدنيا أبداً، وإنما خلقنا ليبلونا أينا أحسن عملاً، وليختبر الطائع من العاصي، وهذه الدنيا دار اختبار وليست دار قرار، وهي زائلة فانية، وليست هي الدار الحقيقة للإنسان، وخلق الله تعالى الجنة للمؤمنين والنار للكافرين، فإذا انتهى عمر الإنسان المقدر له فتقبض روحه وتقوم قيامته.
أعمار الناس بيد الله تعالى، وهو مقدرها سبحانه وتعالى، ولا يعلم أحد متى سيموت، فذلك من علم الغيب الذي انفرد الله تعالى به، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ابنتي الكريمة: كل من على ظهر هذه الأرض سيموت، ولن يخلد فيها أحد، وأنت تعرفين هذا وتوقنين به فلم كل هذا الخوف والهلع، انظري إلى من حولك لا يفكرون بتفكيرك، وليس عندهم هذا الهلع بل يعيشون حياتهم بطريقة اعتيادية.
صحيح يحصل للإنسان الخوف، ولكنه خوف محبة، والرضا بقضاء الله وقدره، فإن نزل قدر الله تعالى رضي به والحزن والبكاء معفو عنه، لقوله عليه الصلاة والسلام حين مات ابنه إبراهيم: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون).
كوني متوكلة على الله تعالى، واعلمي أن ما يصيب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
أحسني الظن بالله تعالى فالله عند حسن ظن عبده به كما ورد في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).
اعلمي أن البلاء موكل بالمنطق، ولذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى إحسان المنطق، ففي الحديث أنه دخل على رجل مريض بالحمي فدعا له بقوله: (طهور) فلم يقبل الرجل دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: بل حمى تفور على رجل كبير تزيره القبور، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (فنعم إذن) قال الراوي فما زالت فيه الحمى حتى صار كالفرخ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ المُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي! فانظري كيف ابتلاه الله من أجل أنه قال: كيف يفعل أحدنا إن وجد رجلاً مع امرأته إن قتله قتل به وإن سكت سكت على مضض.
حين طلب أبناء يعقوب عليه الصلام أن يرسل معهم يوسف عليه السلام، قال لأبنائه: (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) ابتلي بأن أبناءه كادوا ليوسف وأتوه قائلين: (يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ).
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد.
نصيحتي لك أن تبتعدي عن هذه الأفكار الوسواسية التي منشؤها من الشيطان الرجيم، يريد أن يحزنك ويفسد عليك حياتك.
يجب أن تحتقري هذه الوساوس وتقطعيها فور ورودها، ولا تتحاوري أو تسترسلي معها، واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واقرئي (قل أعوذ برب الناس)، وقومي من المكان الذي أتتك وأنت فيه، ومارسي أي عمل يلهيك عن هذه الأفكار.
احذري من الخلوة بنفسك، فإن الوسواس يداهمك في حال أن تكوني لوحدك، فعيشي مع أفراد أسرتك.
لا تعتمدي على تفسير الرؤى عن طريق النت، لأن التعبير يحتاج من المعبر أن يعرف حال الشخص، ويسأله بعض الأسئلة قبل أن يعبر الرؤيا، ثم إن الرؤيا تعبر بأحسن محاملها لا بأسوئها، فأنت ذهبت وفسرت الرؤيا بأسوأ المحامل، فحصل ذلك، لأن الرؤيا إن عبرت وقعت ثم أنت لست من المعبرين، فلا تستقبلي أي رؤيا من والدتك، ولا تعولي على الرؤى، وإن كان هنالك رؤيا ظاهرها أنها طيبة فابحثوا عن معبر موثوق.
الأعمار بيد الله تعالى، وليست مرهونة بسن ولا بوجود مرض أو جائحة، فترين من حولك طفلاً يموت وهو ابن ثلاث سنين وشخصاً مريضاً يعمر تسعين عاماً، وآخر يموت شاباً، وهكذا.. فلا ترهقي نفسك بالتفكير في أمور مقدرة، وليست بيد أحد من الخلق، وكثرة التفكير لن تغني شيئاً، بل قد تكون نتائج ذلك هو ما تخافينه.
يقول تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ويقول: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) فقد مات رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فكيف غيره.
أوصيك أن تكثري من تلاوة القرآن الكريم وسماعه، فذلك يجلب للقلب الطمأنينة، يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة لله، وتحيني أوقات الإجابة، وسلي ربك أن يمن على والدتك بالصحة والعافية، وأن يدفع عنها كل سوء ومكروه، وأن يصرف عنك التفكر وتلك الوساوس، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق وأن ينصرك على هذه الوساوس، وأن يقر عينيك بسلامة والدتك.