كيف تتجاوز الفتاة مشكلة تأخير الزواج؟
2020-12-23 04:54:51 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 29 سنة، وأختي 31 سنة، تقدم لنا الكثير، ولم يحصل النصيب، وفي السنتين الماضيتين مرضت أمي بالسرطان، ولم يتقدم لخطبتنا أحد.
توفيت أمي قبل ثلاثة أشهر -رحمها الله-، فطرت قلوبنا، نحن نعاني من دونها، ويستغرب الجميع من عدم زواجنا حتى الآن، وخالتي أرسلت خطيبا لأختي، وطلبت منها أن تراه، ولم تذكر مواصفاته، علما أن خالتي لديها ابنة عمرها 25 سنة وغير متزوجة، وهذا يعني أن الخاطب غير مناسب لذلك أرسلته إلينا.
ليس وحدها خالتي من تفعل ذلك، الكثير من معارفنا إن لم يعجبهم الشخص المتقدم يرسلوه، لنا أليس هذا ظلما؟ إلى متى ستبقى معاناة الفتاة إذا كبرت ولم تتزوج؟ كيف لنا أن نتجاوز هذه المشاكل؟ لماذا الشاب إذا بلغ الأربعين يقولون ما زال صغيرا يستطيع الزواج؟ في حين أن المرأة إذا بلغت الأربعين تصبح عجوزا في نظرهم.
أنا أرى أنه مجتمع ظالم، وأرجو الله أن يحاسب كل من ظلمني وظلم أختي وظلم كل فتاة عانت من هذا الأمر، أرجو منكم الإفادة، كيف لنا أن نتجاوز هذا الحمل الثقيل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً وسهلاً بك -أختي العزيزة-، وشكراً لمراسلتكِ وثقتكِ بنا، وأدعو لوالدتك بالرحمة والغفران، وأدعو لكِ ولأختك بالصبر على فراقها وأن يرزقكما كل ما تتمنيان، وأتفهم مشاعرك والمعاناة التي لديك، والتي تولّدت نتيجة الضغط الكبير الذي يمارسه المجتمع -مع الأسف- على الفتاة في هذا الموضوع.
موضوع التأخر في الزواج وما ينتج عنه من معاناة، قد يكون ناتجا إما عن تفكير الفتاة نفسها، أو عن ضغط من حولها عليها، أو الاثنين معا، ولكن من قراءتي لكلماتك أرى أن مشكلتك هي مع ضغط المجتمع فقط، وليست مع طريقة تفكيرك تجاه موضوع تأخر الزواج، وهذا يجعلني لن أركز في حديثي على طريقة تفكيرك نحو الأمر، بل على طريقة تجنيب نفسك قدر الإمكان من الأثر السلبي لضغط من حولك عليك في هذا الموضوع.
حيث لمستُ في كلامك أن لديك من الوعي الكافي الذي يجعلك تدركين تماما أن الزواج وسعادته ليس بتوقيت حدوثه، وليس بحدوثه أصلاً، بل هو بحدوثه في التوقيت المناسب ومع الشخص المناسب، ولكن مشكلتك هي المجتمع ومن حولك للأسف.
فيما يخص موضوع خالتك: أرى أن الإنسان بطبيعته أناني، وليس بالشيء الغريب ما تصرفته، ومن المحتمل أن والدتك -رحمة الله عليها- كانت قد تقوم بنفس التصرف تجاه غيرها، ولكن في الزواج الأمر مختلف تماما، دعينا نحاول رؤية الموضوع من زاوية ثانية، موضوع الارتباط في الزواج يقوم على التكامل بين الشاب والفتاة، في كافة الجوانب والاحتياجات، لذا فإن شريك الحياة غير المناسب لغيرك قد يكون فعلاً هو من يكملك، وشريك الحياة الذي يناسب غيرك ليس بالضرورة على الإطلاق أن يناسبك أنت، هذه الطريقة بالتفكير ستجعلك أقل حساسية تجاه تصرفها والتصرفات المشابهة، وكوني على ثقة بأن الحياة قد تكون فعلآ غير عادلة، ولكن مصيرك ليس متعلقاً بيد أحد، وأن اللّه سبحانه هو العدل، وسوف يعطي كل شخص الخير الذي يستحقه في التوقيت الخير بالنسبة له.
أرى أن لديك ضعفاً في التواصل الاجتماعي، وخاصة أن آخر عامين كان مرض والدتك سببا في عدم خروجك وممارسة حياتك بشكل طبيعي، لذا أهم ما تقومين به الآن هو أن تبدئي تدريجيا بالخروج ومعاودة التواصل مع محيطك -سواء التواصل الحقيقي أو عن بعد-، واختاري طبعا من محيطك من لا يسبب لك ضغطا في موضوع الزواج، فالتواصل هو من أخذ الأسباب برأيي في موضوع الزواج، فكيف لنا أن نلتقي بشريك حياتنا ونحن بعزلة عن الحياة.
لذا كثّفي أكثر من انضمامك للمناسبات الاجتماعية النسائية الهادفة، فهذا سيجعلك تتعرفين على عدد أكبر من الفتيات، والفتيات كما نعلم هنّ من يقمن على الأغلب بدور ترشيح عروس مناسبة من معارفهنّ لإخوانهن الشباب.
أقترح أيضا أن تعودي الى ممارسة عملك أو أي نشاط أو هواية تستمتعين بها، فهذا سيريحك نفسياً ويعينك على الخروج من دائرة التفكير بالضغط النفسي الذي يضعك به من حولك، وتأكدي أنّ الله تعالى يهيئكِ بخبراتك الحالية التي تكتسبينها لتكوني جاهزة لخوض خبراتك وتجاربكِ القادمة بنجاح ومنها الزواج.
إن الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، وقوة الإيمان والثقة واليقين بعطاء الله، هي من أهم الأمور التي ستعينك على عدم التأثر بضغط الناس من حولك، لذا اسمحي لي أن نستحضر ونتشارك سوياً هذه الأفكار الإيمانية الجميلة:
- حاولي أن تركزي في تفكيرك على ثقتك بالله تعالى بأنه يخبئ الخير لك في التوقيت الصحيح، فالعِبرة في نوعية الزواج أكثر من توقيته، وتأكّدي أن الله سيُعطيك حتى يُرضيك، فقط قوّي من ثقتكِ به، وتذكّري الحديث القدسي الذي يقول (أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظن بي ما شاء).
- ثقي بالله أنه يريد لك الخير، وأنه يُخفي لك في القدر ما هو خيرٌ لكِ، ولكنه لم يكشفه لك الآن، ولو كُشِفَ لك غطاء الغيب لَمَا اخترتِ إلّا الواقع، أي إنَ الله يُقدّر لنا دائماً الخير على اختلاف أشكال هذا الخير وتوقيته بالنسبة إلينا.
- إنّ الزواج نوع من أنواع الرزق، رزقٌ من الله، يمنحه لمن يشاء، ويسلبه عمّن يشاء، وإن الله تعالى يعلمُ الرزق أو النعمة -سواء زواجا أو غيره- التي يُنزلها علينا إن كان بها خيراً لنا أم لا، إذا بها خيراً يُنزلها، وإذا لا فيمنعها، فالتي تزوّجَتْ في توقيت معين فهذه لحكمة ربنا أنّ الزواج في ذلك التوقيت ينفعها وفيه خيرٌ لها، أمّا من لم تتزوج إلى الآن، أي مُنِعَ عنها الزواج ولم تُوفق للزواج -بالرغم من بذل الأسباب-، فإنّ الله يعلم علم الغيب، ويعلم أن الزواج لا خير فيه لها حينها، وأنه صَرَفَ عنها السوء والشر في ذلك التوقيت أو لعله أراد لها رفعة لدرجاتها.
الزواج كونه رزقاً من الله فهو يأتي في الوقت الذي يريده الله لا في الوقت الذي نريده نحن، وعلى الطريقة التي يريدها الله، لا على الطريقة التي نريدها نحن، فالرزق والزواج مثل الجنين، ينزل في الوقت الذي يقدّرهُ الله، ولا نستطيع نحن أن ننزله قبل أوانه -تسعة شهور-، فحينها سينزل ميتاً أو خُدّجاً يحتاج لعناية خاصة، هكذا هو الرزق، لذا اتركي الرزق كالجنين يأتي في الوقت الذي يريدهُ الله، فيأتيكِ كاملاً مباركاً فيه.
ختاماً: أتمنى أن أكون قد أفدتُكِ بإجابتي، وأدعو لكِ براحة البال وبكل الخير في حياتكِ، ولا تترددي في مراسلتنا مُجدداً في أي وقت تشائين، دمْتِ بحفظ الله.