أعاني من مشاكل كثيرة وأشعر أنني تائهة في هذه الحياة!
2020-12-28 04:50:04 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا طالبة، عمري 19 عاما، كنت أعاني من مشاكل وآلام نفسية -والحمد لله- رحلت، فعندما كنت في الصف الثالث الثانوي، كنت عندي مشاكل كثيرة متعلقة بنفسي -والحمد لله- ما زالت هذه المشاكل وأكثر، رغم اجتيازي الثانوية ودخولي إلى الكلية.
أصبحت معروفة أمام أهلي بأنني دائما أذهب إلى الطبيب النفسي، وأنني في أي وقت من الأوقات يمكن أن أصاب بالذعر؛ لأنني إنطوائية، ومنعزلة عن الناس، وأكره الآخرين، وأخاف من الجميع، بالإضافة إلى امتلاكي الرهاب، وعدم القدرة على حب الآخرين، فماذا أفعل؟
أنا أقرأ سورة يس كثيرا، وأحاول أن ألتزم بالصلاة قدر الإمكان، فماذا أفعل حيال تلك الخنقة التي تأتيني؟ على الرغم من دخولي كلية جيدة، إلا أنني أملك كل هذه المشاكل، هل أنا أخطئت عندما أحببت شخصا فقط ولم أتحدث معه، أو شيئا من هذا القبيل؟ فقط كنت أكتفي بالنظر إليه، فهو كان معي في المدرسة الإعدادية عندما كان عمري 16 عاما، فهل أنا مريضة من أجله أو بسببه؟
عندما تحدثت مع أهلي رفضوا ذلك -أقصد الحديث معه-، في البداية لم يصدقوني، ثم أصبحوا يعنفونني بسبب هذا الشخص، ولا يثقون بي رغم أنهم يعطونني كل ما أطلبه منهم، وأحيانا يقولون لي كلاما غير جيد مثل: هل أصبحت فجأة تريدين الزواج وترك التعليم؟ وهل نذهب إلى الباب نتركه لأجلك؟ أنا أشعر بهم ولكن أشعر بنفسي أيضا وهي أني تائهة، وأشعر أنني بعيدة عن شيء هو بالنسبة لي مهم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ محبة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نُرحب بك أجمل ترحيب بنيتي، رسالتك تحتاج إلى بعض التفاصيل المهمة جداً بما يتعلق بزيارتك للطبيب، والتشخيص الذي تم من قبله والعلاج الذي يستخدمه، وخاصة أنه كما ذكرت أنك تزورين الطبيب النفسي لسنوات، فهل وصف لك الدواء؟ هل تلتزمين به، وأما بالنسبة للنصائح والإجراءات هل اعتدمتها؟ فمعرفة هذه التفاصيل تبين لي أين الخلل في عدم تحسنك طوال هذه المدة.
ورغم ذلك فإنّ أول ما اتضح لي من رسالتك هو أنك تعانين من عدم الثقة بنفسك، وهي التي تسبب لك هذه المتاعب والضغط النفسي، فالأشخاص الذين لا يتمتعون بما يكفي من الثقة بالنفس يسببون لأنفسهم شعوراً بالضيق وعدم الاطمئنان، والانزعاج من الآخرين، بالإضافة إلى غالباً ما يواجهون مشكلة في الإمساك بزمام أمور حياتهم اليومية، عكس من يتمتع بالثقة بالنفس فإنه يفكر ويتصرف بكل استقلالية وحرية، ويعطي لعلاقاته مع الآخرين طابعاً مختلفاً ومتميزاً عن غيره، فإذن يا بنيتي فإن الحل الأساسي أنّ تعملي على تعزيز ثقتك بنفسك الذي قد سبب لك أيضاً الرهاب الذي تشعرين منه والذي يرجع بالدرجة الثانية قلة خبرتك والتجربة في الحياة، والذي يساعدك على التخلص منه تعزيز الثقة وتطوير لذاتك ومعرفتك لأساليب التواصل الذي هو أهم فن نحتاج لإتقانه.
غاليتي: أنت ذكرت أنك في كلية جيدة، ودراستك جيدة رغم الظروف التي عانيتها، وهذا ما يؤكد أنك لست فتاة عادية بل لديك قدرات مميزة، ولكن ينقصك أنّ تؤمني أنت بذلك، أنّ تؤمني بنفسك وميزاتك، وأنّ تتذكري أنّ لك هوية خاصة بك مختلفة عن الجميع، بمعنى أنّ تكوني على معرفة تامة وعلى اقتناع بما أنت عليه وبماهية شخصيتك، فأنت بالتأكيد لا تشبهين أحداً، لأنّ الطبيعة تفرض ألا يشبه أي منا الآخر، تماماً مثل بصمات الأصابع، وتذكري أيضاً أنّ لديك ذوقك الخاص واهتماماتك الخاصة وحساسيتك الخاصة، وأنك غير مضطرة إلى أنّ تشبهي أحداً نهائياً، وابتعدي كل البعد عن المقارنة، وحاولي تطوير هوايتك الشخصية.
اكتشفي الصفات الإيجابية داخلك، وتمسكي بها، فهذا كفيل بأنّ يمنحك شعوراً بالثقة ويخرجك من دائرة الإحباط.
أسمعي نفسك الجمل الإيجابية التي تدعمك مثل يمكنني فعل ذلك، لدي مميزات، وكرري ذلك على مسامعك فذلك سيساعدك على أنّ تصبحي أكثر إيجابية في طريقة تفكيرك، وعلى إنّ تتغلبي على إحساسك بالإحباط أو بعدم الثقة بنفسك، وكما أنها ستساعدك على طرد الأفكار السلبية من رأسك، من المهم أيضاً أنّ تعملي على التخلص من آثار كل الآراء والأحكام والألقاب الاستهزائية التي كان يطلقها عليك من حولك في السابق.
تجنبي الخوف؛ لأنّ الخوف أساس كل بلاء، بل حاولي أنّ تواجهي كل موقف يزعجك أو يحرجك ممن حولك بدلاً من الهروب، بالعكس ناقشي وتحاوري وكوني إيجابية في النقاش.
وعليك أنّ تدركي أنك قد لا تنجحين في رفع الإحساس بالضيق من المواجهة الأولى، ولكن حتماً مع تكرار الأمر ستكسبين خبرة خاصة بك تجعلك قادرة على تفادي مثل هذه المواقف، أو على الأقل مجابهتها بكل ثقة.
تحتاجين إلى دورات تطوير، فإنها تكسبك مهارات كثيرة ومتعددة مما يسهم ذلك في نضجك.
ضعي أهدافاً لك ترغبين بتحقيقها وتحملي مسؤوليتها ولا تستسلم للهزيمة.
اهتمي بتثقيف نفسك من خلال القراءة في المجالات المتعددة.
عززي إيمانك بالله، وعليك بالصلاة، وقراءة القرآن الكريم، فالعبادة تمد الإنسان بالطمأنينة والسكينة، قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
وأما بالنسبة للشاب الذي تحدثت عنه فيا بنيتي أقول لك: أنك وقتها كنت صغيرة وليس من العقلانية أنّ تكون فتاة في ذلك الوقت قادرة على اختيار الشاب المناسب واختباره لوحدها؛ لافتقادها للنضج والخبرة والقدرة على الاختيار، فهي بحاجة إلى الاستشارة من أهلها والاستخارة، وهذا أن طرق هذا الشاب باب بيت الفتاة وتقدم لخطبتها، وطبعاً بعد أن تكون الصفات التي تؤهله لأن يكون زوجاً موجودة فيه، كالأخلاق والدين، والنضج والقدرة على الزواج، وما مررت به في فترة المراهقة هو فيض من مشاعر الحبِّ والعاطفة الجياشة تجاه الجنس الآخر، فالأحاسيس والمشاعر تكون مضطربة عند المراهق ومتغيرة بشكل كبير، وهي مشاعر إعجاب أو رغبة في التعرف على الجنس الآخر.
وثقي علاقتك بأسرتك وخاصة والديك، فبرّ الوالدين واجب واطلب منهما الدعاء لك فإن دعوة الوالدين لولدهما لا ترد، وكوني وسيطًا وحنونة في أسرتك، فأنت يا بنيتي في عمر النضج، ومتعلمة ومثقفة، وكل مل تعيشينه اليوم يكون ذكرى لك.
وفقك الله لما يحب ويرضاه.
---------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة أ/ انتصار معروف، الاستشارية الاجتماعية، وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
نرحب بك في استشارت الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
قامت الأستاذة انتصار معروف جزاها الله ألف خير بتوجيه وإسداء النصح الإرشادي النفسي المعرفي لك، فأرجو أن تأخذي بكل ما ذكرته لك، فهو جوهر علاج حالتك. هذا أولاً.
ثانيًا: أريد أن أقول لك بأني أراك بخير حقيقة، ربما يكون لديك شيء من الحساسية النفسية التي تجعلك تستشعرين السلبيات بصورة متضخمة جدًّا، وهذا انعكس عليك فيما يتعلق بقناعاتك حول مقدراتك، مقدراتك عالية جدًّا بفضل من الله وتوفيق، وكل الذي تحتاجين إليه حقيقة هو أن تعيدي تقييم نفسك، وسوف تكتشفين أن الإيجابيات لديك كثيرة جدًّا، وبعد ذلك عليك أن تفهمي نفسك، وأن تقتنعي بمقدراتك ثم تسعي لتطوير نفسك.
بالنسبة لموضوع علاقتك مع ذلك الشاب – كما ذكرتْ لك الأستاذة انتصار – وموقف أهلك: هذا نوع من التجارب الذي تحدث في مرحلتك العمرية، والإنسان لا يكون حقيقة له المقدرة والمعرفة التامَّة لأن يعرف ما هي مآلات هذه العلاقات، هي حقيقة علاقة مرحلية حدثت في ظرف معيّن، وفي سِنٍّ معيّنة، ومعظم هذه العلاقات لا تنتهي بالزواج حقيقة.
عمومًا: أنا أريدك ألَّا تلومي أهلك أبدًا، هم حقيقة من محبتهم لك وشفقتهم عليك خافوا عليك كثيرًا من هذه العلاقة أن تنجرف بك وتصدّك عن تعليمك، وهم على قناعة تامَّة أن مثل هذه العلاقات أصلاً لا تنتهي بزواج كما ذكرتُ لك.
فأنا أريدك أن تعيشي قوة الحاضر، الآن أنت الحمد لله متجهة نحو النضوج، وفي مرحلة جامعية، وتجارب الماضي هذه يمكن أن يُستفاد منها للمستقبل، ودائمًا الماضي أضعف من الحاضر، والحاضر هو الأقوى، لذا أقول لك: اجتهدي في دراستك، وأهم شيء أن تنظمي وقتك، وأنت ذكرت أنه لديك تاريخ سابق وكنت تذهبي إلى الطبيب النفسي، هذا ليس عيبًا وليس نقصًا أبدًا، كثير من الناس يكون لديهم أعراض بسيطة جدًّا ويترددون على الأطباء النفسانيين، لأنهم يريدون أن يعيشوا حياة إيجابية، ونعرف تمامًا عدم وجود أعراض نفسية لا يعني كمال الصحة النفسية أو حتى الجسدية، فمن الجميل أن يرتقي الإنسان بنفسه، من خلال مقابلة المختصين، الأطباء النفسانيين، من خلال الأخصائيين النفسانيين، من أجل التوجيه، ومن أجل الاسترشاد، وهذا أمرٌ غير مرفوض أبدًا.
الآن أنا لا أعتقد أنك في حاجة حقيقية لمتابعة كثيرة مع الطب النفسي، كل الذي تحتاجين إليه هو أن تُحسني إدارة وقتك، أن تكون أهدافك واضحة، وأن تضعي الآليات التي توصلك إلى أهدافك، وأهم شيء في تنظيم الوقت هو النوم الليلي المبكّر، لأن ذلك يؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الجسم وخلايا الدماغ، وتستيقظين إن شاء الله مبكّرًا، وتصلين الفجر وأنت نشطة، وتبدئي يومك، الصباح فيه خير كثير، البكور فيه خير كثير جدًّا.
أيضًا يجب أن تكون لك أنشطة اجتماعية وأنشطة أسرية، يجب أن تُرفّهي عن نفسك بما هو طيب وجميل، ويجب أن تمارسي أي نوع من الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة. ويجب أن تمارسي تمارين الاسترخاء.
أعتقد أن هذا هو كل ما تحتاجين إليه، فأرجو أن تأخذي بهذا الاسترشاد بجانب ما ذكرته لك الأخت الدكتورة انتصار.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.