الوسواس يدمر حياتي ويشعرني بالكآبة، فماذا أفعل؟

2021-05-23 05:29:01 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

شاب بعمري ٢١ عاما، كنت أمارس العادة السرية ولكن -الحمد لله- توقفت عنها تماما، وتبت إلى الله، ولكن من حينها وأنا أعاني من الوسواس، هل نجست شيئا وأنا لا أعرف أم لا؟ أصبحت أشعر بأن البيت نجس بالكامل، وكل ما ألمس أي شيء أغسل يدي، وأشعر أنني قد أكون نجست شيئا ما، وأنا لا أعرف وألمسه، ولا تحتسب عباداتي.

أصبح الوسواس في كل شيء مثلا: في قضاء الحاجة أظل في الحمام ساعة في كل مرة لكي أتأكد من طهارتي وطهارة كل شيء، وأصبح الموضوع مرهقا جسدياً ونفسياً، وأصبحت في كآبة دائمة.

أنا أعرف أن الأصل الطهارة، وأن الشك لا يدل على نجاسة شيء، ويتوجب اليقين، ولكني حاولت أن أعمل بهذه الفتوى ولكني غير قادر، وقرأت حرفيا كل الفتاوى والأسئلة المتعلقة بالطهارة والنجاسة، ولكن لا شيء يريح قلبي، وأشعر أن هذا عقاب من الله لأنني كنت أمارس العادة السرية، وأنني إذا نجست شيئا وأنا لا أعرف فسوف يعاقبني الله عليه.

أرجو المساعدة، فأنا أعرف كل ما قيل عن الوسوسة وضررها، ولكنني حاولت التخلص منها بكل الطرق وفشلت، آسف على الإطالة.

وشكراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب مُجددًا.
هذه الوساوس التي تعاني منها – أيها الحبيب – علاجُها في ثلاثة محاور:
المحور الأول: دواء معرفي علمي.
والثاني: دواء سلوكي.
والثالث: التداوي بطلب الأدوية الحسِّية لدى الأطباء.

أمَّا المحور الأول – وهو جزءٌ مهمٌّ جدًّا – أن تعلم أن هذا الطريق هو طريق الشيطان، وقد بدأت بعض الآثار تظهر عليك، ومن ذلك أنك بدأت تشعر بالإرهاق الجسدي والنفسي، والكآبة الدائمة التي تدعوك إلى ترك العبادة، فهذا غاية ما يريد الشيطان أن يتوصّل إليه، وممَّا لا شك فيه أن هذا ليس هو الطريق الذي يحبه الله تعالى ويرضاه.

إذًا ينبغي أن تعلم أولاً أن سلوك هذا الطريق يُغضب الله ويُرضي الشيطان، وأنه متابعة للشيطان وابتعاد عن سبيل الله وعن صراطه المستقيم، وهذه المعرفة إذا ترسَّخت في قلبك فإنها تُساعدك وتُعينك للتخلُّص من هذا الداء الذي أنت فيه.

الشيء الثاني: أن تعلم علمًا يقينيًّا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحكم بطهارة الأشياء وبنجاستها، فالشرع وحده هو الذي يحكم بهذا، ولم يترك هذا لنا، وما دام الشرع يقول (الأصل في الأشياء الطهارة) فلا يجوز لأحدٍ أن يتعدَّى ذلك، وإذا تعدَّ ذلك فإنه لا يُصيبُ إلَّا نفسه بالإرهاق والتعب، أمَّا اللهُ فإنه لا يُريدُ مِنه أن يتقرَّبُ بذلك.

الأصل في الأشياء الطهارة، هذا حكم الشرع، وعليك أن تستسلم لهذا الحكم وترضى به.

المني طاهر، كما دلَّ على ذلك الحديث، فإن عائشة – رضي الله تعالى عنها – كانت لا تغسله من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم إذا يبس، بل تُزيل الظاهرُ منه بفرْكِه بيدها وتترك الآثار، فهذا يدلُّ على أن المني طاهر. فعلى فرض أنه أصاب بدنك أو ثيابك شيء من ذلك المني أو أصاب شيئًا من أغراض البيت فإنه طاهر.

هذا الجزء المعرفي أمرٌ في غاية الأهمية.

أمَّا الجزء السلوكي لدواء هذا الداء الذي أنت فيه؛ فأهمُّ أركانه هو الإعراض عن هذه الوساوس وعدم الاشتغال بها، فهذا هو أنفع الأدوية، وهو دواء قالع للمرض من جذوره. فجاهد نفسك على ترك هذه الوسوسة، ويُعينك ما سبق أن ذكرناه، يُعينك لتُعرض عن هذه الوساوس ولا تلتفت إليها.

من هذا المحور أيضًا ما سيذكره لك الأطباء النفسيون من ممارسات وأعمال تقترن بهذه الوساوس، فتؤدّي بعض الحركات التي تُوجعك أو تُؤلمك إذا عرضتْ لك هذه الوسوسة؛ حتى تكون تلك الآلام منفِّرة من الاستمرار مع هذه الوساوس، وهذا نُحيلُك فيه إلى الأطباء النفسيين، وسيُفيدونك بإذن الله تعالى في هذا الجانب.

وفي المحور الثالث وهو أن يصف لك الطبيب بعض الأدوية التي تُساعدك وتُهيأ جسمك للتخلص من هذا الداء.

نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يطرد عنك كل شرٍّ ومكروه.
---------------------------
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي....مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة د/ محمد عبد العليم.....استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
----------------------------

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء.

سؤالك سؤال واضح جدًّا، والتفاصيل التي ذكرتها تُشير بالفعل أن الذي تعاني منه هي وساوس قهرية مُلحّة ومستحوذة، وتُسبِّب لك الكثير من الألم النفسي الذي تحدثت عنه.

أنا أبعث لك رسالة طمأنينة إن شاء الله تعالى، وكما ذكر لك الشيخ أحمد الفودعي، هذه الوساوس هي سلوكيات مكتسبة، وكثيرًا ما نُشاهدها وسط الطيبين من الناس، والذين تتسم شخصياتهم بالحساسية والبحث عن المعرفة والاهتمام بالتفاصيل.

الوساوس ذات الطابع الديني كثيرة جدًّا، وقد أصابت أفضل القرون، فقد اشتكى منها أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطمأنهم الرسول بأن قال: (الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)، وبيَّن لهم أن هذا من صميم وصريح الإيمان، وأن الإنسان يجب أن يُواجهها بالتجاهل الكامل، ومجرد قول (آمنت بالله) وينتهي الإنسان من الخوض فيها؛ هذا له قيمة علاجية كبيرة جدًّا، وقد جرَّبنا هذا مع الكثير من الذين يتردَّدون علينا سعيًا للعلاج من هذه الوساوس.

أنا أقول لك: الوسواس ليس دليلاً على اضطراب في شخصيتك، ليس دليلاً على ضعف في إيمانك أبدًا، والوساوس متسلطة، وبما أنها على هذه الشاكلة فأنت إن شاء الله غير مسؤول عنها، فلا تُحمِّل على نفسك في هذا الجانب من الناحية الشرعية، وكما ذكر لك الشيخ وذكرتَ أنتَ فالأصل في الأمور هو الطهارة.

هناك ثلاثة محاور علاجية بسيطة جدًّا من الناحية السلوكية، وقد أشار إليها الشيخ أحمد الفودعي – جزاه الله خيرًا – هذه المحاور:

أولاً: أريدك أن تكتب كل هذه الوساوس في ورقة، ابدأ بأقلَّها شدة وانتهي بأشدِّها من ناحية ما تُسبِّبه لك من ضيق وإزعاج. ثم بعد ذلك طبِّق ثلاث تمارين على كل فكرة:
التمرين الأول هو: أن تُخاطب الفكرة الوسواسية أو الفعل الوسواسي قائلاً: (أقف، أقف، أقف، أقف، أنت وسواس حقير، لن أهتمَّ بك)، تُكرر هذا عدة مرات حتى تحسّ بالإجهاد.

التمرين الثاني نسمِّيه بـ (صرف الانتباه): ابدأ في التفكير في الفكرة الوسواسية، وفي بدايتها اصرف انتباهك لشيء آخر، تأمَّل مثلاً في شيء جميل، تذكّر صديقا لك، تذكّر أحد والديك وأنت قد قمت بعملٍ من أجل أن تبرُّه به، قم مثلاً بعدِّ التنفُّس لديك لمدة دقيقتين... هذه كلها فيها علاج ممتاز يقوم على مبدأ سلوكي يُسمَّى بالاستغراق الذهني، وهذا نوع من صرف الانتباه.

التمرين الثالث هو أن تلجأ لما يسمَّى بـ (تنفير الفكرة الوسواسية)، وذلك بأن تربط الفكرة أو الفعل الوسواسي مع شيء مُقزِّز، شيء غير مُحبَّب للنفس، شيء مُؤلمٌ للنفس. مثلاً: إذا جلست أمام طاولة وأنت في هدوء تام تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحسّ بالألم، وفي نفس الوقت تستجلب الفكرة الوسواسية. تُكرِّر هذا عدة مرات، اقتران الألم بالفكرة الوسواسية سوف يُضعفها.

أمَّا من الناحية العلاجية الدوائية فأنا أبشّرك أن هناك علاجات ممتازة، علاجات مفيدة، وكلها سليمة، أفضل علاج يُناسب عمرك هو العقار الذي يُعرف باسم (فافرين Faverin) واسمه العلمي (فلوفوكسامين Fluvoxamine)، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلاً لمدة شهرٍ، ثم تجعلها مائتين مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفضها إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تجعلها خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الفلوفوكسامين.

هذه جرعة معقولة، والدواء سليم، وغير إدماني، وأسأل الله أن ينفعك به.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net