تأثرت وابنتي بغياب زوجي في الغربة وضاق بنا الحال، فماذا نفعل؟
2025-01-12 00:14:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زوجي مسافر، ودائمًا يشعرني بأن ظروفه صعبة، مع أنه -ما شاء الله- راتبه جيد جدًا.
أهله يعرفون كل شيء عنه وعن راتبه، حتى أنه لا يدخر أمواله لنفسه، إنما يرسلها لأهله ليقوموا بادخارها له، وقد حصل أكثر من مرة أن طلب منه أهله بعض الأموال لحاجتهم لها، فيأخذوا من ماله الذي ادخره عندهم!
لقد ساعدهم في زواج أخته بالكامل، وساهم في تعليم أخوه، وقد تملكوا شقة ويريدون منه مساعدتهم في تأثيثها! بينما أنا وأولادي لا نملك إلا شقة، ولم يفعل لنا شيئاً غيرها منذ 8 سنوات!
يطلبون منه هواتف من أغلى العلامات التجارية، وأمه تطلب منه أن يشتري لإخوته، وهو لا يتأخر عن ذلك أبدًا -جزاه الله خيرًا-، ويرسل لهم راتبًا شهريًا، وأنا لا أتدخل في ذلك أبدًا ما دام أنه لم يقصر معي، لكن هو لم يصطحبنا معه إلا مرة واحدة لأشهر قليلة، ومن ذلك الوقت وهو يقول: السكن غالٍ، والدنيا غالية، فاجلسي أنت في البلد، وقد كان يقول هذا وهو جاد، وكأن فكرة وجودنا مع بعضنا دائمًا مستحيلة.
أنا أتعب نفسًيا عندما يستكثر عليّ أنا وابنته ما نحتاجه من المال، بخلاف ما يفعله عندما يحتاجه أهله ماليًا! أنا لا أقدر على البقاء بدونه، وابنته بدأت تكبر وتتأثر نفسيًا، وعندما أحدثه في أمر يتهمني بأني لا أخاف عليه، كما أننا نريد أن نعمل لنا ما يؤمن لنا مستقبلنا.
أنا تعبت جدًا وأصابتني نوبات نفسية كثيرة، لكنه تجاهلني، ولم يعد يسأل عني ولا عن ابنته، وأهله -للأسف- يساعدونه في هذا الأمر، فماذا أفعل؟
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Ghada حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلًا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيك، وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضى عنك.
أختنا الكريمة: حين قرأنا رسالتك ووصلنا لآخر سطر فيها آثرنا أن نبدأ به، وذلك في قولك: (أنا تعبت جدًا وأصابتني نوبات نفسية كثيرة)، هذه الرسالة منك تظهر جيدًا أن المعاناة التي أحاطت بك أكثرها تفكيرًا وتضخيمًا، وتلاعب الشيطان بك.
اسمحي لنا فقد استشرت والمستشار مؤتمن، ويجب أن نصارحك أملًا في تجاوزك تلك المرحلة، فاسمعي منا بارك الله فيك:
أولًا: لا شك أن الوضع الأمثل والمأمول أن تكون الزوجة بجوار زوجها في بيتٍ واحدٍ، وهذا حق لك لا ينكره أحد، غير أن الضرورات لها حكمها، ومن اغترب يعلم جيدًا أن التكاليف الأسرية مرهقة، بالطبع لا نقول هذا تبريرًا للزوج، ولكن نقرر واقعًا لا نوافق عليه ولا يرتضيه الشرع، لكنه أضحى واقعًا.
ثانيًا: أكرمك الله بزوجٍ صالحٍ، واصل لرحمه، معين لأهله، وفي نفس الوقت غير مقصر معك في المصاريف الحياتية، ومن كانت هذه أخلاقه مع أهله فلا تخافي منه ولا تخافي عليه؛ لأن من هذه أخلاقه مع أهله فحتمًا سيكون معك وأولاده أكثر، ولا تخافي عليه؛ لأن واصل الرحم سيبارك الله له في أهله وماله وعمره، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).
ثالثًا: قانون الابتلاء صارم، ومن يفهمه يتجاوز عقبة آخر سطر في حديثك، فما هو هذا القانون؟ إنه:
1- كل إنسان له حظ من البلاء لا محالة، الدنيا -أختنا- دار ابتلاء لا دار جزاء، وكل من فيها له حظه لا محالة من حزن وسرور، وفرح وترح، والعاقل من يأخذها بحلوها ومرها، ولا ينتظر ألا يصيبه منه سراء أو ضراء كما قال الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الآلام والأكدار
ومكلف الأشياء ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار
2- بعض الناس يظن أن ما هم فيه من بلاء هو الأعظم والأشد والأقسى، ويتضخم الأمر عندهم ليصلوا إلى مثل هذه الحالة من المرض النفسي، والبعض الآخر ينظر إلى من هم دونه، ينظر إلى امرأة فقدت زوجها وفقدت معه ما تنفق على نفسها وأولادها، ينظر إلى مريض لا يجد ثمن الدواء ولا يصبر على مر الداء، ينظر إلى والد ابتلاه الله بمرض والده فلم يعرف له علة، أحوال الناس كثيرة، وكثيرة جدًا، والعاقل من ينظر إليها ليعلم نعيم الله عليه.
3- الإيمان بالقضاء والقدر، والاعتقاد الجازم بأن ما قدره الله هو الخير، وأن المسلم مأجور على الصبر كما أنه مأجور على الشكر، فقد بشره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".
أختنا الكريمة: ما مضى كان لأجل الجملة الأخيرة من رسالتك؛ لأنها هامة جدًا، ويجب معالجتها.
رابعًا: إننا نرى التعامل الصحيح مع هذا الوضع يكون كالآتي:
1- التحاور معه، وتذليل العقبات ما أمكن، والطلب منه بهدوء وفي أوقات صالحة لذلك.
2- المبادرات كأن تقولي له: إننا نريد أن نأتيك مرة في السنة، ونجرب أن نعيش سويًا، فإن استطعنا وننظر إلى الإيجابيات والسلبيات.
3- المبالغة في الاهتمام به كثيرًا أثناء تواجده معك، ليستشعر نعمة وجودك بجواره، فالمرء دائمًا يحب السعادة، ويحب الاقتراب ممن يمنحها له.
4- عدم التفكير فيما ينفق الزوج على أهله، وعدم الحديث في هذا الأمر حتى مع نفسك؛ لأنه سيسبب لك إرهاقًا أكثر.
5- إن كان لزوجك رجل صالح عاقل يثق به، فيمكن التواصل معه ليخبر الزوج بحق المرأة في الجلوس بجوار زوجها، وأثر وخطورة الأبعاد النفسية والاجتماعية على المرأة والطفل من فقدان الوالد.
6- كثرة الدعاء إلى الله -عز وجل- أن يحقق آمالك ويرضيك بما أنت فيه حتى يتم لك ما تريدين.
هذا ما ننصحك به -أختنا-، واعلمي أن آلاف الزوجات يشاركنك هذا الأمر، بل بعضهن كانت تتمنى على زوجها أن يأتيها فقط كل ثلاثة أعوام مرة، وهو لا يستطيع إلا كل خمسة أعوام، وهو أمر لا نقره طبعًا، بل نذكر واقعًا نعيشه.
حاوري الزوج وأسعديه، واجتهدي في إرضاءه، وستجديه كما تحبين -إن شاء الله-، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه.
والله الموفق.