التقليل من قيمة الذات من أسباب الإحباط
2006-04-04 12:48:28 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقد تلمست من سيادتكم الطيبة، حب الخير للناس، وحب المساعدة والصدر الرحب، مما دفعني أكتب لكم هذه الرسالة، التي سوف أحاول فيها اختصار مشكلتي، وأكتبها وأنا في غاية الخجل.
أنا فتاة في التاسعة عشرة من عمري من دولة عربية مغاربية، أنتمي إلى عائلة مسلمة، تفوق الطبقة المتوسطة بقليل، تتكون من ثلاث أخوات، الأولاد يكبرني اثنين منهم بثمان سنوات، ويصغرني أحدهم بخمس سنوات، ومن والديّ حفظهما الله لنا، اسمي نور الأمل، وهو الاسم المستعار الذي أفضله.
أعاني من الفراغ الكبير في حياتي، فأنا أتممت الدراسة الثانوية السنة الماضية، وعندما دخلت الحياة الجامعية لم أستطع التأقلم مع العالم الجديد المليء بالمخاطر، كيف لا، وأنا التي عشت حياتي المدرسية من المدرسة إلى البيت، ومن البيت إلى المدرسة، حتى في طريقي إليها كنت غالباً ما أشعر بالخوف من الناس، ومن السيارات، ومن الضجة، وكنت دائماً أفضل الأماكن المنعزلة، وأحياناً كنت لا أذهب إليها حتى تكون نفسيتي مرتاحة، من خلال تواجدي في البيت، وهذا ما أثر تأثيراً سلبياً على نتائجي المدرسية، التي لم تخولني كي ألحق بالجامعة التي أفضلها.
إنني في غاية الخجل، وكأنني مسحورة أو معمول لي عمل أو ما شابه ذلك، لقد مللت من حياتي، ومن يأسي ومن خجلي المفرط، رغم أني متيقنة من أنني أستطيع أن أجعل حياتي أفضل من نمط هذا العيش المخجل الذي أعيشه، وأن أكون عنصراً فعالاً في المجتمع، إلا أن عائق الخوف الاجتماعي، والخجل والتوتر حين محاولة التعبير عن رأيي وسط المجموعة يحول دون مواجهة الحياة ومصاعبها، أنا التي أحس أن في داخلي شيء من الطيبة والرحمة وحب الله والآخرين رغم خوفي منهم، إنني أحس بالفراغ الكبير بعد أن فشلت في مواجهة الحياة الجديدة، وأنا الآن مقيمة مع أهلي، موهمة لهم أن طريقة التدريس في الجامعة التي كنت فيها لم تروقني، وأنني أفضل جامعة أخرى، فوافقوني بعد محاولتهم الفاشلة بإقناعي في البقاء مبدئياً في هذه الجامعة طيلة هذه السنة إلى أن تحل السنة القادمة، وألتحق بالجامعة التي فضلتها، حتى لا أشعر بالفراغ خلال هذه السنة.
نعم لقد أوهمت لهم أن هذه الجامعة لم تروقني إلا أن هدفي من ذلك كان الرجوع إلى السكينة وحياتي الهادئة المعزولة.
إنني أعاني من فقدان الثقة في النفس رغم أني فتاة عادية الجمال، ولم أعانِ من أي إعاقة عضويه أو ذهنية في حياتي، وربما تسألني عن طفولتي كيف عشتها، لقد عانيت خلال هذه المرحلة من عدم الاستقرار العائلي، فقد كانت المشاكل اليومية بين الوالدين تؤثر فيّ إلى درجة أني أنعزل في غرفتي وأنهمر في البكاء، فقد كنت أنزعج من صوت والدي، وهو يرفعه على صوت أمي، وغالباً ما يكلمها بعنف، بل أحياناً أخرى يعنفها، وإن أمي كانت متعلمة ومثقفة وتشتغل حالياً موضفة بإحدى الشركات، وأبي يملك شركة خاصة، وقلت لكم أن المشاكل لاتزال تستمر إلى الآن، ولكن بدرجات أقل بكثير من قبل، ربما تكون تفاصيل هذه المشاكل هي التي جعلتني في حالة خوف مستمرة، إنني حائرة في أمري، أحس أنني مريضة نفسياً غير عادية، كيف لا وأنا التي أفضل العزلة خاصة في سني هذا، فعندما أرى الشابات كيف يتصرفن وكيف يعشن حياتهن في منتهى الحرية من قيود الجسد، وفي منتهى السعادة، تحز في نفسي حالتي التي أنا عليها، إنني أعاني من عدم القدرة على التكيف مع العالم الخارجي ولا التواصل مع الآخرين، بسبب خجلي المفرط والخوف من مواجهة الناس، إنني إنسانة مؤمنة أحس أن في داخلي طيبة غير عادية، كما قلت لكم.
لقد فكرت في الانتحار، وأنا في حالات كنت فاقدة الأمل في القدرة على العيش في الحياة، والكثير يقولون أنني صعب جداً أن أستطيع مواجهة الحياة، فكلما خرجت من المنزل أو كلما زارنا ضيوف إلى البيت انتابني شعور غريب لا أستطيع أن أفهمه، ولماذا يلازمني هذا الشعور، كالخوف وزيادة ضربات القلب والتوتر وعدم القدرة على التركيز حول ما يدور حولي، والإحساس الفضيع بعدم القبول لدى الناس في مواقف سخيفة، لن يشعر بها أي إنسان عادي في مثل هذه المناسبات أحس بها حين تواجدي وسط الناس.
لقد دفعتني هذه الأفكار إلى اختيار المنزل للهروب من الواقع المرير والمخجل، بما أن البيت هو المكان الوحيد الذي أجد فيه راحتي واستقراري النفسي، أو ربما توهم لي كذلك، إلا أنني اكتشفت أنني أعاني من الفراغ الكبير الذي حاولت أن أملأه بالصلاة والتقرب إلى الله تعالى، إلا أن الكسل والخمول ونفسيتي غير المستقرة كانت عائقاً تحول دون تحقيق لذة التقرب من الله، فقد لجأت إلى الحل السلبي، ألا وهو أن أملأ فراغي بالشات على الإنترنت ومشاهدة التلفزيون أحياناً والنوم أحياناً أخرى، وقد ازداد الإحساس عندي بالفراغ، خاصة وأن كل فرد من أفراد العائلة يهم إلى مقر عمله، وأنا أجلس طوال اليوم وحيدة دون الاحتكاك بالعالم الخارجي، إلى أن بدأت تمر في خاطري أفكار أقل ما يقال عنها أنها مخجلة، يكفي أنها تشعرني بالذنب والخطيئة مما يدفعني إلى ممارسة العادة السيئة، إنني أحس أني أدمر وأنهار وأنتهي، خاصة وأن مشوار الحياة أمامي لايزال طويلاً جداً والمستقبل مجهول، فما الذي سوف يحل بي بعد أن ينتقل والديا حفظهما الله لي بعد عمر طويل إلى رحمة الله تعالى؟
أكيد سوف يحل بي الدمار، فكيف سيرضى إنسان بمعاشرة إنسانة مثلي تخاف من كل شيء؟ فتلك هي الحقيقة لو بقيت على قيد الحياة وأنا على حالتي هذه، فعلاً لقد أصبحت أفكر كثيراً في الانتحار رغم إيماني الشديد بالله ويوم البعث والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حاولت كثيراً التأقلم مع العالم والناس، ولكني فشلت رغم أنني إنسانة متواضعة جداً، وحتى مع الموظفين الذين يعملون لدى والدي وكل الناس تعرف أنني متواضعة جداً وأحب جميع الناس دون التفريق بينهم.
أرجو من سيادتكم قبول هذه الرسالة بما يتخللها من أخطاء لغوية فأنا لست بارعة في اللغة العربية، أرجو أن يكون المعنى قد وصل لسيادتكم، إنني ألتمس منكم العطف والمساعدة في أقرب وقت ممكن خاصة أنني سوف أعود إلى نفس نمط الحياة المزعج والممل والمخجل في السنة القادمة إن بقيت على قيد الحياة، أعرف أنني لست الوحيدة التي سوف تساعدونها، وفقكم الله في أعمالكم وحياتكم، ولكني أطلب منكم المساعدة على قدر المستطاع، فأنا لدي كل الأمل في سيادتكم لأنني أحب أن أكون عنصراً فاعلاً في المجتمع ولا أبقى عالة على أحد بتخلصي من الخجل المفرط ومن حالة الخوف الاجتماعي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الأمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
جزاك الله خيراً على رسالتك المفصلة، والتي من خلالها نستطيع أن نقول أن مشكلتك الأساسية تدور حول تقديرك الخاطئ لذاتك؛ حيث التقليل من قيمة الذات يُعتبر أسوأ علة نفسية تُصيب الإنسان بالإحباط وعدم الفعالية، فأرجو أن تعيدي تقييم نفسك مرةً أخرى، وسوف تجدين أنك أفضل مما كنت تتصورين، وهذا يُعتبر العامل العلاجي الأول في حالتك.
ثانياً: صعوبات الطفولة وخلافات الوالدين يجب أن تكون بالنسبة لك تجربة وليس أكثر من ذلك، لتجربة دائماً هي أفضل وسيلة للإنسان كي يتطور من خلالها، وأن لا يتخذها وسيلة إعاقة في حياته.
ثالثاً: هنالك ثلاثة أمور سلبية في حياتك الآن، وهي التفكير في الانتحار، وممارسة العادة السيئة، والإكثار من الشات، هذه السلبيات يجب أن تُقاوم بقوة الإرادة، والتحكم في الذات، وعدم التهاون مع النفس.
رابعاً: أمر التواصل الاجتماعي مهما كان محدوداً هو أمرٌ لا بد منه، ويمكنك في البداية أن تتواصلي في محيط ضيق، وسوف تجدي إن شاء الله أنك أصبحت أفضل بكثير فيما يخص مهاراتك الاجتماعية.
خامساً: الأدوية سوف تفيد كثيراً في حالتك، والدواء الذي أرى أنه مفيدٌ إن شاء الله في حالتك يُعرف باسم (Seroxat).
أرجو أن تبدئي في استعماله بجرعة 10 مليجراما (نصف حبة) ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفعي الجرعة بنفس المعدل حتى تصل الجرعة إلى حبتين في اليوم (40 مليجراما) وتستمري على هذه الجرعة لمدة 6 أشهر، ثم بعد ذلك تبدئي في تخفيض الجرعة بالتدرج، وهو بنفس طريقة البداية، أي 10 مليجراما كل أسبوعين.
هذا الدواء إن شاء الله مفيد جداً في علاج الخجل والرهاب الاجتماعي، والشعور العام بالإحباط، والذي أصبح مسيطراً عليك .
سادساً: لا بد أن تضعي الدراسة الجامعية كهدف سامٍ، وتشعري بأهمية الدراسة؛ حيث إنه من خلالها يمكنك التخلص من كثيرٍ من السلبيات في حياتك.
والله الموفق.