ظلمني أبي في صغري ولا يزال، فهل يمكنني أن أستقل بحياتي عنه؟

2025-01-21 23:50:50 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي تتلخص في أبي الذي ظلمني منذ صغري، ولدت بخصية معلقة، ورفض أبي إجراء العملية الجراحية لي حينها خوفًا من الجراحة وأضرارها، كبرت وأصبت بضمور الخصيتين، وقصر العضو الذكري، وعدد الحيوانات المنوية صفر، ولا أملك لحية وشاربًا بعكس إخوتي الذكور المتزوجين، ولديهم أولاد.

فضلت العزلة بعد أن كنت من الأوائل في التعليم حتى الثانوية العامة، وانحدر مستواي بسبب مشاكل البلوغ، وعانيت من العزلة والانطوائية في فترة الجامعة، بسبب كلام زملائي عن الشارب واللحية، وأنني لست رجلًا، فهجرت كل أصدقائي، ولم يعد لي صديق، وكرهت الذهاب إلى الجامعة؛ لتجنب الكلمات التي هي أشد علي من الرصاص.

بلغت من العمر 35 سنة، وصار كل من حولي يتعجب لعدم زواجي، وأصبحت أخشى من الزواج لكي لا أظلم الفتاة معي، وحتى لا يُفضح أمري، أو يعايرني أحد بعيبي، وكان لهذا الموضوع بالغ الضرر على نفسيتي وشخصيتي.

لاحظت بأن شخصيتي ضعيفة، وأعاني من الرهاب الاجتماعي والجبن، وأبي رغم كل هذا الضرر الذي سببه لي، فهو لا يعاملني بشكل جيد، ويعايرني باللقمة التي يطعمني إياها، يهينني ويسبني لأتفه الأسباب أمام الناس والأهل والجيران، ويقلل من شأني.

شاب رأسي منه، ولا أحد من إخوتي يراعي والدي، ويقضي مصالحه، فأنا أصاحبه في كافة مصالحه، وأقضي طلباته، فأنا بصريح العبارة عكازه، وهو الآن مريض يعاني أمراض الشيخوخة، وأنا أعمل محامياً، ولكني غير ممارس للمهنة، وأغلب عملي في قضايا والدي، وبعض المعارف، فهل يحق لي هجره والاستقلال بعيداً عنه؟ وهل يحق لي أن أتزوج؟ وهل أخبر الزوجة بالعيب الذي أعانيه؟

شكرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلًا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فإننا قبل أن نجيبك نحب أن نقدم أربع مقدمات ضرورية ثم نجيب على السؤال:

أولًا: دعنا نبدأ من نقطة قد تظنها هامشية لكنها بالنسبة لنا منعرج ينبغي التوقف عنده، سؤالنا إليك أخي: ما هي جناية أبيك عليك حتى تقول: (رغم كل ما سببه لي)، هل حين خاف عليك، أو سمع كلام الأطباء أصبح الآن جانيًا؟ هل كان يستطيع أن يقيك مما أنت فيه فلم يفعل؟ هل كنت متأكدًا أنه لو أقدم على ما أردت ألن تكون هناك نتائج سلبية؟ إن والدك لم يجنِ عليك، وإنما هذا الشيطان المتربص بك، والذي يريد أن يحزنك ويباعد بينك وبين والدك، ويجعل بينكم من الحواجز النفسية ما لا تستطيع التعامل معه بأريحية الابن مع أبيه، وعليه: فإن أول ما ينبغي أن تضعه في عقلك هو أن والدك يقينًا ما أراد الإضرار بك، وأنه يحبك حبًا لا تستشعره ولا تعرفه، هو حب فطره الله عليه، فكن واثقًا -أخي- من هذا، وكن مؤمنًا بأن أحدًا لن يحبك مثله، ولن يحرص عليك حرصه هو عليك.

ثانيًا: طبيعة أي ولد -أخي- ونحن نتحدث من واقع خبرة وتراكم استشارات كبيرة، طبيعة الأولاد أنهم دائمًا يدققون النظر في معاملة الأب لإخوانهم دونهم، فما من ابن إلا وحديثه معنا أبي يفضل بعض إخوتي علي، والحق أن هذا ليس تفضيلًا، وإنما هي اجتهادات من الأب لحرصه على الجميع، قد يخطئ في بعضها نعم، وهذا أمر طبيعي لكن الأكيد والحتمي أنه لا يتعمد ذلك.

ثالثًا: الانطوائية والعزلة التي فرضتها على نفسك هي منك قبل أن تكون من غيرك، فما هي المشكلة إذا كان الرجل بلا لحية أو شارب، ما القضية إذا كان كذلك؟ إننا نرى أنك قد اصطحبت في شبابك مشاكل الطفولة، وظننت أن الاثنين سواء، وهذا خطأ -أخي الكريم-.

إن العلاقة بين الشباب تقوم على العقل ابتداء، ثم على الميول العلمية أو الخلقية أو الدينية بينهم، وأنت طالب ذكي وعاقل، ولا ينبغي أن تحتجب عن الناس، ولا أن تنعزل عنهم، واعلم أن الناس ينتقدونك لضعفك، فإذا وجدت الضعف في ذاتك وجدت الجميع ينظر إليك من خلاله، وإذا كنت واثقًا من نفسك تعامل الناس معك من هذا المنطلق، ونحن نريدك أن تأخذ بعض الدورات في الثقة بالنفس، وأن تبدأ الانخراط مع الغير من خلال المجتمع الآمن، وهم أهلك، ثم أهل مسجدك، ابدأ بأهل التدين والصلاح فإن هذا أدعى إلى الاندماج سريعًا.

رابعًا: اعلم بارك الله فيك أن عقد الزواج لا يبطل إلا بعيب يمنع الحياة الزوجية المعتبرة شرعًا، وذلك كالبرص والجنون والجذام، ونحو ذلك، أما قصر العضو الذكري فإن كان قصرًا فاحشاً لا تتمكن معه المرأة من الاستمتاع بزوجها، فهذا عيب، ولا يجوز كتمه عن المرأة، أما إذا كان أمرًا يسيرا لا يضر، فلا حرج عليك، ويمكن لأي طبيب أن يخبرك بذلك.

وأما ما يخص العقم، فليس من العيوب التي تبطل الزواج، غير أنه يثبت للزوجة خيار الفسخ، قال صاحب الإنصاف من الحنابلة: ونقل ابن منصور: (إذا كان عقيماً أعجب إلي أن يبين لها)، فما دامت هذه الزوجة قد علمت بكون الزوج عقيماً، ورضيت بذلك، فقد أدى الزوج ما عليه من واجب النصح، وليس للزوجة خيار في فسخ النكاح على أي حال.

قال الإمام الشافعي: لو نكحها، وهو يقول أنا عقيم، أو لا يقوله حتى ملك عقدتها، ثم أقر به، لم يكن لها خيار، وذلك أنه لا يعلم أنه عقيم أبداً حتى يموت، لأن ولد الرجل يبطئ شاباً، ويولد له شيخاً"، ومع هذا فإننا ننصحك أخي بالتبيين قبل الزواج.

وأخيرًا: نعود إلى سؤالك: والدك الذي أصبحت عكازه هو منّة من الله عليك، وأجرك عند الله عظيم بفضل خدمته وبره، ولا يجوز لك شرعًا تركه أو الاستقلال عنه إذا علمت شدة حاجته إليك، بل حتى لو طلب منك الاستقلال، فلا ننصحك بذلك، فإن خدمة الوالد، وبره من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله تعالى.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، والله الموفق.

www.islamweb.net