والداي انفصلا وقصّرا في حقي في طفولتي، فهل أبرهما في كبرهما؟

2025-02-02 00:54:27 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

أنا شاب بعمر 24 عاماً، أبي وأمي منفصلان قبل أن أولد، وربتني أمي سنة ونصف بعد ولادتي، ومن ثم تركتني لأبي، وأبي كان متزوجاً من امرأة أخرى، وقد ذقنا عندها كل أنواع العذاب في صغري، مثل: النوم في الحمام، ووضع الشطة في الفم، والضرب بكل قوة، وحرق أخواتي البنات بالملاعق الحارة، وعدم إطعامنا، والضرب الدائم.

لكن الله منّ علي في ذلك الوقت بالطمأنينة والسكينة -والحمد لله-، وكان ربي مواسياً لي في كل حياتي -الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه-، وأنا عفوت عنها، طمعاً في رحمة من الله.

منذ كنت في الرابعة من عمري منّ الله علينا بالدخول إلى دار الأيتام ليكفينا شرها، وكان يوجد إجازة سنوية في دار الأيتام فترة الصيف، لمدة 3 شهور، خلالها كان يتم إعادتنا إلى بيت أبينا، ونذوق العذاب منها، ولكن طمأنة الله لنا هي الغالبة، ونرجع إلى دار الأيتام مرة أخرى.

كانت أمنا تزورنا بين الفترة والأخرى في دار الأيتام، والآن هي مريضة بالوسواس القهري و(الشيزوفرينيا)، ولها معاشها الخاص الموروث من والدها، فهل يجب علي برها، أم بر التي قامت بتربيتي في دار الأيتام؟

أبي أصبح شيخاً كبيراً، وقد تركته امرأته وأولاده منها، ولم يبق لديه شيء، ولا حتى منزله، وهو يعيش في منزل جدتي الآن، وهي تشتكي منه بأنه حمل ثقيل عليها، هل يجب علي أن أبره؟

علماً بأني الآن مسافر بغرض الدراسة في علوم الدنيا في بلد مسلم آخر، ولكن منّ الله علي أيضًا بتعلم علوم الآخرة، والبدء بحفظ القرآن الكريم، ورجوعي إلى بلدي خلال فترة الدراسة يسبب لي المشاكل.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبيدة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، فقد سعدنا جدًّا بهذا الحمد لربِّنا الحميد، والثناء على نعمه، وسعدنا أيضًا بهذا الثبات أمام تلك الصعوبات التي واجهتك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك أيضًا على الوفاء والقيام بأمر أخواتك، وهذا لونٌ من البر الذي تُؤجر عليه، ونوع من صلة الرحم التي أمر الله بها أن تُوصل.

أمَّا بالنسبة للوالد: فينبغي أن تستمر على بِرِّه، لأن الوالد وإن قصّر يظلُّ والدًا، والبر عبادة لله تبارك وتعالى، فالمحسن فيها ينال الجزاء من الله، والمُقصِّر يُسائله الله تبارك وتعالى، وتقصير الأب أو تقصير الأم أو تقصير أي أحد لا يُبيح لنا التقصير، لأن الذي يُحاسبنا ويُحاسبهم هو السميع البصير، الذي لا تخفى عليه خافية.

احمد الله تبارك وتعالى، ونحن سعدنا لكثرة تردادك الحمد والثناء على الله تبارك وتعالى، ورغبتك في العفو طمعًا في مغفرة الغفور عن تلك التي أساءت إليك، فالوالدان أولى بهذا العفو من غيرهم، وعفوك عن الناس يزيدك عند الله تبارك وتعالى رفعة (ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا)،كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

إذًا فقد وفقك الله، وأرجو أن تعفو عمَّن ظلمك، وتجتهد في برّ الوالدين وإن قصّرا في الصّغر، وإن حصل ظلم من الوالد أو إهمال أو تقصير، فينبغي أن تُقابل كل ذلك بالإحسان، رغبةً في ما عند الله تبارك وتعالى.

إذا كنت لا تستطيع الرجوع، فأرجو أن يصله منك الاتصال والاهتمام والمال إذا احتاج، والشفقة عليه، وأبشر بالخير الوفير عند الله تبارك وتعالى، وتذكّر أن البرّ يتوارث، فإذا قمت بما عليك، فسيوفقك الله بأبناء بررة يعوضونك عن كل الصعوبات التي واجهتك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وأنت تُشاهد في هذه الدنيا أن الذي يفعل الخير يجد الخير، والذي لا يفعل الخير لن يجد إلَّا ما جنته يداه، والمكر السيء لا يحيق إلَّا بأهله.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يردّنا إلى الحق والخير، ومرة أخرى: نكرر شُكرنا وإعجابنا بما أنت عليه، وبحرصك على تعلُّم القرآن، والقرآن سيدلّك على منزلة البر للوالدين وإن قصّرا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

www.islamweb.net