التزمت، وأحمل هم الدعوة، أرشدوني ماذا أفعل؟
2023-05-21 01:59:25 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا فتاة في بداية طريق الالتزام -والحمد لله-، لكني منذ أن بدأت التقرب إلى ربي وأنا أشعر بالتعاسة والاكتئاب، بسبب انتشار المعاصي من حولي، أحاول أن أذكر نفسي أنه لا دخل لي بغيري، ويجب علي أن أهتم فقط بديني، لكن أتذكر أنه يجب علي أن أنصح، لذا أنصح من أعرف من الناس، لكني لا أستطيع أن أنصح كل من في الشارع، لذا يصيبني هم آخر؛ هو أن ذنوب هؤلاء الأشخاص ستلحقني، لأنني لم أنصحهم.
أصبحت لا أريد الزواج حتى لا أنجب أطفالاً، أو أتمنى أن أتزوج رجلاً عقيماً كي لا أنجب، فقط لأنني لا أريد أن أربيهم، لأن ذنوبهم ستلحقني أيضاً إن لم أربهم تربية صالحة، خصوصاً مع انتشار المعاصي، أصبح الأمر أصعب، أظل أفكر أني إذا ارتكبت معصية سآخذ ذنبي فقط، أما أولادي سآخذ ذنوبهم وذنوب أولادهم إن لم أجعلهم مثاليين.
أحاول أن أقنع نفسي بأن علي فقط أن أفعل ما أستطيع من تربيتهم، ثم أتذكر أنه لا يوجد تهاون في مثل هذه المواضيع، أصبحت أعيش في هذه الدوامة من الأفكار كل يوم، أصبحت كئيبة، حتى أن أمي لاحظت ذلك، ولا أعلم كيف أتخلص من هذا التفكير الزائد الذي لا فائدة منه، أتمنى أن تساعدوني.
جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريماس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
أولاً: نهنئك بما منّ الله تعالى عليك به من الهداية، وسلوك طريق الاستقامة، والتقرب إليه سبحانه وتعالى، وهذه نعمة كبيرة منّ الله تعالى بها عليك، لذا ينبغي أن تكثري من شكر الله عليها، فقد قال سبحانه وتعالى: (بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَىٰكُمْ لِلْإِيمَٰنِ)، ومما لا شك فيه ولا ريب -ابنتنا الكريمة- أن الشيطان أخذته الغيرة لما رأى منك من سلوك الطريق الصحيح، ولهذا فهو حريص كل الحرص على أن يصرفك عن هذا الطريق.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه كلها)، فهو قاعد لك على هذا الطريق يحاول صرفك عنه، وهذه الآثار التي تجدينها من الشعور بالتعاسة والاكتئاب بهذه الحجج التي ذكرتها في سؤالك، ما هي إلا بعض ألاعيبه وحيله ليكره إليك المقاصد الحسنة والأعمال الطيبة، التي تقصدين الوصول إليها، فننصحك بالتالي:
أولاً: استعيذي بالله سبحانه وتعالى من شر الشيطان، والجئي إلى الله سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره، فإن الذكر حصن حصين يتحصن به الإنسان من وساوس الشيطان، فإن العبد إذا ذكر الله تعالى خنس الشيطان، وإذا غفل جثم على قلبه.
ثانياً: نوصيك بالتفقه في الدين، فإن الفقه في الدين سيعرفك ما عليك من الواجبات، وما يجب أن تقومي به، وما هو خارج حدود هذه الواجبات، والتعلم فرض فرضه الله تعالى علينا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
ثالثاً: ننصحك -ابنتنا الكريمة- بأن تجتهدي في أعمالك الصالحة الطيبة التي كنت تعملينها، وألا تتركي شيئاً من الأعمال بسبب هذه المشاعر التي تجدينها، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصيحة الآخرين فهي مطلوبة من الإنسان المسلم في حدود الاستطاعة، ولا يصح أبداً أن نصيرها سبباً للغم والهم، بل نمارس النصيحة للآخرين حباً للخير لهم، وحرصاً على أن نجنبهم عقاب الله سبحانه وتعالى وأن نوصلهم إلى جنته ورحمته، وهذه النية يثيب الله تعالى عليها الإنسان المسلم سواء حصلت الثمار المرجوة أو لم تحصل، وينبغي أن تعلمي جيداً -أيتها الأخت الكريمة، والبنت العزيزة- أن الله سبحانه وتعالى لن يعاقبك بذنب غيرك، فقد قال سبحانه وتعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، يعني ليس فرضاً متعيناً عليك، كما أنه مشروط أيضاً بشروط كثيرة، ربما لا تتوفر فيك مثل العلم بأن هذا الشيء الذي ستنكرينه هو منكر مما اتفق عليه العلماء أنه منكر، أي أن المخالف الذي يفعله لا يكون متابعاً لرأي صحيح من آراء العلماء الشرعيين، فالمعاصي المجمع عليها كقطع الصلاة والكذب وكذلك شرب الخمر، ونحو ذلك من المعاصي، فهذه لا إشكال في كونها من المنكرات، ولكن إنكارها أيضاً يكون بحسب القدرة وبحسب المصالح والمفاسد المترتبة على هذا الإنكار، فلست مطالبة بأن تنكري على كل من في الشارع -لا سيما وأنت امرأة- ربما تتعرضين لأنواع من الأذى، وتترتب على نصيحتك لبعض الناس مفاسد، فينبغي أن تكوني فطنة عالمة بالحدود الشرعية، وبحدود ما كلفك الله سبحانه وتعالى به.
وأما خوفك من الإنجاب بسبب أنك ستتحملين ذنوب هذه الذرية: فهذه ألعوبة كبيرة من الشيطان، يحاول أن يصرفك بها عن الخيرات الكثيرة التي يمكن أن تحققيها في حياتك الدنيا، فإن الولد امتداد للإنسان بعد مماته، فإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ومنها ولد صالح يدعو له، وهذا التخوف المبكر من أن الأولاد سيكونون منحرفين، أو غير ذلك، وساوس شيطانية ينبغي أن تستعيذي بالله سبحانه وتعالى منها، ولا يشترط في الإنسان أن يكون مثالياً، يكفي أن يكون ممن يؤدي فرائض الله تعالى عليه، ويجتنب ما حرم الله، فإن انحرف أحد الأولاد فإنك لا تتحملين الإثم ولا تبوئين بذنبه، ولكن ينبغي أن لا تسمحي لهذه المشاعر السيئة والظنون القبيحة أن تسيطر عليك، فأحسني بالله سبحانه وتعالى الظن، واعلمي أنه سبحانه وتعالى لا يخيب الإنسان المسلم إذا قصد خيراً، وتوكل على ربه في تحقيق ذلك الخير.
خير ما ننصحك به -ابنتنا العزيزة- مجالسة النساء الصالحات، وربط العلاقات معهن، وإشغال نفسك بما ينفعك من تعلم دينك، فإن هذا هو السبيل الأمثل لطرد كل هذه المشاعر الناشئة عن عدم الوعي الكامل لحقيقة دينك، وما يريده الله تعالى منك.
نسأل الله سبحانه وتعالى لك التوفيق والهداية.