أريد قضاء الخدمة الوطنية بعيداً عن بلدتي ووالداي يريدان عكس ذلك!

2025-02-05 01:32:26 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 23 سنة، تخرجت في الجامعة، وقضيت مع أبويّ فترة من الزمن، وأنا ابن وحيد لوالديّ اللذين قد فقدا عدداً من أولادهما، وهم أجنة أو في الولادة، أو في عمر أيام.

أمي كانت تتدخل في شؤون حياتي، وكانت سابقاً في بعض الأحيان عندما تغضب مني لا تتحدث معي، ولا ترد علي، ويخاف أبواي علي كثيراً، وأعيش في بلدة يكثر فيها الحسد، وكان بعض أفراد بلدتنا يحاربوني نفسياً، ويتنمرون علي، وأنا تضررت من كل ذلك ضرراً بالغاً، واضطربت حياتي، وفقدت شخصيتي وثقتي بنفسي.

ذهبت إلى أكثر من طبيب نفسي، وآخرهم هذا الشهر، وقال لي: إني أعاني من اكتئاب، ووصف لي دواء 50mg sertaquin، وأنا كنت أسمع أوامر والدتي، وأصمت، وأكتم في قلبي، حتى أصبحت أحياناً أتكلم بصوت عال في أمور لا تحتاج لذلك، ربما لأني كتمت كثيراً.

الآن أنا سافرت إلى مدينة تبعد عن بلدي ما بين 500 إلى 600 كم، وأريد أن أقضي الخدمة الوطنية في مستشفى حكومي في هذه المدينة، ومدة الخدمة عام كامل، وأريد أن أبني شخصيتي وأعيد ثقتي، وهما يريدان مني أن أقضي الخدمة الوطنية في بلدتنا.

أنا أريد أن أقضيها هنا، وأتمنى ألا تحيلوني لفتوى أخرى، لأني قرأت عشرات الفتاوى المتعلقة بطاعة الوالدين، فمن الفتاوى من فرقتم فيها بين السفر الآمن وغير الآمن، ومنها من قلتم فيه إن من العقوق مخالفة الأمر أو النهي فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه، أو عضو من أعضائه، في غير الجهاد الواجب عليه، أو مخالفتهما في سفر يشق عليهما، وليس بفرض على الولد، أو في غيبة طويلة فيما ليس بطلب علم نافع أو كسب.

هناك تضارب واضح في هذه الفتاوى التي أفتيتم فيها، وآمل ألا تحيلوني إليها، لأن حالتي تحتاج لنظر، وقرأت أنه حيث نشأ أمر الوالدين من الحمق لم يلتفت إليه، لكني أفرق بين الحمق والغرض الصحيح.

لقد اضطربت حياتي من أسباب عديدة، منها ضغط الوالدة علي، وأصبحت حياتي تفتقر للاستقرار، لكن عندما أحكي وأتكلم أشعر بالراحة، وأصبحت شخصاً منعزلاً، وكثير من الذين أتعامل معهم فقدوا ثقتهم بي.

كما أعاني من التفكير الزائد، حتى إني لو جئتني واشتريت شيئاً مني وذهبت وجئت مرة أخرى بعد 15 دقائق قد لا أتذكرك.

ما حكم قضائي للخدمة بعيداً عنهما، وهما يريداني أن أقضيها في بلدتنا؟ وما حكم قولي لوالدي: لا تتدخلوا في شؤون حياتي؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبوبكر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعافية ويصرف عنك كل مكروه، وأن ييسر لك بر والديك والإحسان إليهما.

ثانياً: قد أحسنت -أيها الحبيب- حين اطلعت على الفتاوى في شأن طاعة الوالدين، وقد استوعبت ما فيها استيعاباً جيداً، يتضح ذلك من خلال نقلك لخلاصتها في سؤالك، فهو تلخيص جيد لمضمون هذه الفتاوى، ينبئ عن دقة في فهمك وقدرة على استيعاب ما تقرأ وتطلع عليه، وهذا ينبئ عن شخصية علمية واعية قادرة على الفهم والتحليل، وليس الأمر على خلاف ذلك، وهذا من شأنه أن يعزز ثقتك بنفسك ويعرفك بحقيقة نفسك.

هذه الخلاصات التي نقلتها -أيها الحبيب- خلاصات منسجمة ليس فيها اضطراب، فكلها تدور حول معنى واحد وهو أن الوالدين لهما الحق في الطاعة، ويحرم مخالفتهما إذا وجد المبرر لأمرهما، ومن المبررات: الخوف على الولد إذا كان هذا الخوف له ما يبرره، ويبعث عليه، فلا يجوز إيذاؤهما بما يعيشا مشاعر القلق والخوف، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد حرم علينا إيذاءهما بكلمة "أف" فكيف يجوز بعد ذلك أن نجعلهما يعيشان حالة من القلق والفزع عن الولد؟!

كذلك لهما الحق في الطاعة ومنع الولد من السفر إذا كانا يحتاجان إليه، وليس على الولد مضرة في البقاء معهما، فذلك لأنه إذا تركهما في هذه الحال يكون قد أوصل إليهما من الأذى أكبر من أذى كلمة "أف" وخوف الوالد على ولده حين يبتعد عنه ولا سيما إذا كانت الأوضاع في البلدان التي سيسافر إليها غير مستقرة ليس منشأه الحمق، بل هو خوف مبرر.

لهذا نصيحتنا لك -أيها الحبيب- أن ترجع إلى والديك، لأن كل ما سبق في الفتاوى إنما هو كلام عن القدر الواجب، وليس فيه تعرض للقدر المستحب، الكلام فيما سبق إنما هو عن منطقة الإثم التي سيقع فيها الولد إذا خالف، وليس فيها كلام عن منطقة الإحسان والبر وعظيم الأجر، وثم فرق كبير بين المقامين، فلنفترض أنه وجد ما يسوغ ويبرر لك الابتعاد عن الوالدين بحيث لا تكون آثماً، لكنه مما لا شك فيه أنه سيكون قد فاتك أجر جزيل وثواب كبير ببقائك معهما، ما دام ليس عليك ضرر في ذلك.

نصيحتنا لك: أن تستخير الله سبحانه وتعالى، وتلجأ إليه في أن ييسر لك الخير، وأن ترجع إلى والديك وتبقى معهما، وتحاول التغلب على مشكلاتك النفسية الأخرى، ومن ذلك الاستعانة بالأطباء النفسيين كما فعلت.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير وييسره لك.

www.islamweb.net