أمي عصبية ومديري ظالم ..فكيف أخرج من كربي؟
2025-03-27 02:44:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أعاني من مرض في القلب، وجميع الأطباء نصحوني بعدم القلق، أو الضجر وما شابه، وأمي عصبية جدًا، وذات شخصية قلقلة جدًا، ودائمًا ما تثير قلقي وغضبي، ويشهد الله أني أبذل ما في وسعي لأرضيها، وأحاول نصحها دائمًا؛ فهي قاطعة للرحم، وتؤذي من حولها، سواءً أبي، أو إخوتي، أو جيراننا، ولا تتقبل مني النصيحة، وهذا ما يثير قلقي عليها، ولا أريد أن يقبضها الله على هذه الحال.
ومنذ أكثر من 10 سنوات وأنا أدعو لها، ولكن حالها لم يتغير، على الرغم من أنها تصلي، وتقرأ القرآن، وترى أنها على الحق طالما أنها تصلي، وتقرأ القرآن.
ووالله لقد تعبت جسديًا ونفسيًا، وفعلت ما بوسعي، ولم أعد أقوى على إصلاحها، وأخشى أن أتركها على هذا الحال، فبماذا تنصحون؟
الأمر الآخر: هو أنني أعمل في مكان جيد، وراتبي مقبول -ولله الحمد- تأمّر علينا رجل ظالم أنا وزملائي، وصار ينقص من رواتبنا وحقوقنا جميعًا بلا استثناء؛ مما جعل الكل يريد ترك العمل في هذا المكان، وفعلاً الكل خرج إلا أنا، فما كان من زملائي إلا أنهم كانوا يتصلون بي ليواسونني، ويصبروني على ما أنا فيه، حتى صرت مثيرًا للشفقة بعد أن كنت قائدًا لهم؛ مما جعلني أدخل في نوبة اكتئاب، وضيقٍ شديدٍ.
أنا أصلي جميع الصلوات، وأقوم الليل، وأتصبر به، ومواظب على حفظ كتاب الله، والورد اليومي، ولكن مع استمرار الظلم، والمواساة، والضغوطات أصبحت مشوشًا، ولا أستطيع العمل كالسابق؛ فأنا أشعر بأني لا أتلقى التقدير الذي أستحقه، مع راتب ضعيف، حتى صلواتي لم أعد أستلذ بها، ووصلت لمرحلة أصبحت أبكي من هذا الضيق، فكيف سأخرج من هذا الكرب والضيق؟
لم أعد أدعو إلا بأن يرزقني الله كما كان في بداية الأزمة، وصار لساني حرفيًا يتحجر عند هذه الدعوة، وأنتقل منها إلى دعوة أخرى بالصلاح، ونيل نعيم الآخرة، وأعتقد أنني لا أريد الإلحاح في دعوة الرزق وأنا غير موقن بالإجابة، فيكون هذا سوء ظن بالله.
طلبت من أصدقائي أن يبحثوا لي عن أي عمل، في أي مكان، ولا ألح في ذلك؛ من باب أن من يستعفف يعفه الله.
تحولت إلى الانطوائية الشديدة؛ مما أدى ذلك إلى تعب في جسدي، مع إرهاق، وعدم رغبة في تناول الطعام، وأصبحت لا أرد على اتصالات والدي وزوجتي؛ خشية سماع أي مشكلة أخرى، فلم أعد أستطع تحمل شيء.
أنا على هذا الحال منذ عدة أشهر، وأدعو بكل دعاء قد يكون سببًا في تفريج الهم، وأستغفر أكثر من 5000 مرة في اليوم، وأصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصلي النوافل، وأغض بصري، ولا أسمع الأغاني.
بارك الله لكم على سعة صدركم، وأسألكم الدعاء بظهر الغيب، والنصح.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فإننا يمكن أن نقسم الرسالة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما يخص عصبية الوالدة -حفظها الله تعالى-.
الثاني: ما يخص عملك.
الثالث: ما يخص الدعاء.
ولعلنا نجيب على كل نقطة باختصار:
أولاً: إننا نحمد الله إليك برك بوالدتك رغم ما ذكرته عنها من عصبية، وقطع للرحم، وتسأل عن كيفية التعامل معها؟ وخاصةً أنك دعوت لها كثيرًا، وهي على حالها، مع أنها -والحمد لله- مصلية، وقارئة للقرآن:
نقول لك -أخي الكريم-: العصبية أمر مقلق ولا شك، لكنها أحيانًا تكون أقرب إلى المرض منها إلى التخلق، وخاصةً لمن كبر سنهم، وهؤلاء يصعب عليهم تجاوز العصبية، وأي محاولة لثني هؤلاء عن العصبية فقد تزيد من حالة التوتر تلك، بل قد يتطور معها المرض؛ لذا ننصحك بما يلي:
1- معرفة المسائل التي تغضب منها الوالدة، والعمل على إزالتها، أو التخفيف منها قدر طاقتك.
2- عند عصبيتها كن في صفها، وأخبرها أنك معها، وأنك متفهم لغضبها، وأنك ستتولى الأمر، ثم عليك بالاجتهاد في تهدئتها.
3- حافظ على هدوئك قدر الطاقة، فإن وجدت عدم مقدرة على التحمل، فاترك المكان مظهرًا لها أنك متعب؛ لأن هذا سيصرف غضبها إلى القلق عليك فتهدأ.
4- احتسب في ذلك الأجر، واعلم أن الله سيكرمك لأجل برك وتحملك هذا.
أما ما يخص صلة الأرحام: فما دامت الوالدة لا تستجيب، فأوكل هذه المهمة لوسيط تحبه الوالدة، وتحترمه، وتسمع له: كعالم شرعي، أو أحد محارمها، أو صديقة صالحة، المهم أن يكون الوسيط متدينًا، ومؤتمنًا، ومحل ثقة عند الوالدة.
الثاني ما يخص العمل: لا شك أنه ابتلاء، وأنت تعلم أن الدنيا دار كدر ومصائب، والله عز وجل يبتلي عباده لحكم يعلمها؛ فأحيانًا يبتلي هذا بالمرض العضال كالسرطان، وأحيانًا يبتلي هذا بعدم وجود عمل أصلاً، وأحيانًا بقلة راتب، وتسلط ظالم، وكل هذه ابتلاءات، والواجب عليك ما يلي:
1- احتساب الأجر، مع الصبر، وكثرة الدعاء.
2- البحث عن بديل، مع الاستمرار في العمل.
3- الإيمان بأن أقدار الله ماضية، وما قدره الله لك بعد أخذك بالأسباب هو الخير لك.
4- الترفع عن الظن، والتوكل على الله، والرضا بما قسم الله لك بعد بذل الجهد هو طريق النجاة.
الثالث: لقد ذكرت أنك على هذا الحال منذ سنوات، ولم يستجب لك، وهنا لا بد من وقفات:
1- نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي)، وقد تظن أن الأشهر والسنوات مدة طويلة لقبول الدعاء، وهذا ما جعل اليأس يصل إلى قلبك، ونريدك أن تقرأ معنا ابتداءً قصة نبي الله أيوب، وكم ظل في بلائه يدعو الله عز وجل، فقد روى ابن حبان بسند صحيح أن نبي الله أيوب ﷺ لبث به بلاؤه ثمانية عشرة سنة، وهذا نبي، وظل يدعو الله، ولم يعجل ثمانية عشر عامًا، ولم يستجب الله له؛ لأن تأخير الإجابة رفعة للطائع، وفوز له في الدنيا والآخرة، فلا تعجل.
2- كذلك يجب أن تعلم أن كل دعاء مستجاب، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: " ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رَحِمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإما أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ، وإما أن يَصرِف عنه من السُّوءِ مثلَها، قالوا: إذًا نُكثِرُ؟ قال: اللهُ أكثرُ، فلا تتوقف -أخي- عن الدعاء، واعلم أنك مأجور في كل ذلك.
3- علمنا القرآن أن الإنسان قد يدعو بالشر يظنه خيرًا، ويصرف نفسه عن الخير يظنه شرًا، ولعل هذا بعض قول الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فما أنت فيه الآن هو الخير لك لا محالة، ما دمت على مرضاة الله حريصًا، واعلم أن الخير سيأتيك، وساعة أن يأتيك الفرج ستدرك كم أنعم الله عليك بعدم القبول في وقتها، وساعة أن تعلم الأجر المعد لك ستبكي فرحًا على ما أولاك الله إياه.
وأخيرًا -أخي الكريم-: إننا ندعوك إلى الاستزادة من العلم، والنوافل، والذكر، وقراءة القرآن، والصحبة الصالحة، مع ضرورة الرضا عن الله؛ فإن هذا هو سفينة النجاة، وأعمارنا مهما طالت قصيرة، وأمامنا جنة عرضها السماوات والأرض، هي دارنا ومستقرنا -إن شاء الله- ما أعددنا العدة لها.
نسأل الله أن نكون منهم، ونرجو أن نكون قد أجبنا على أكثر ما تود السؤال عنه، ونسأل الله لنا ولكم القبول، والله الموفق.