لم أعد أستطع التوفيق بين الدين والدنيا.. أرشدوني
2023-05-25 01:07:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمري 19 سنة، منذ صغري وأنا بعيد كل البعد عن الدين في ما عدا الصوم، فلم أكن أصلي أو أذكر الله أو أقرأ القرآن من صغري، كنت أحب القراءة في كافة المجالات والتخصصات حتى أتممت سن الـ17، وبدأت أتابع الميديا بشراهة ومعها بدأت أتابع الدعاة والشيوخ المشهورين بمناظراتهم حتى دخلت أكثر في علوم الدين وعلوم الفقه، وقرأت بها الكثير في خلال عامين، وبشكلٍ أو بآخر لقد تعودت ألا يكون للدين في حياتي مكانًا، فعندما بدأت أصلي وألتزم في علاقتي مع الله أصابني شيء من الفصام، فأصبحت منقسمًا في أفكاري، وأنام على وجهٍ وأستيقظ على وجهٍ آخر، فأستيقظ وأقول أن الدين هو سبب كل المشاكل، وأنام وأنا أقول الدين هو حل كل المشاكل.
في البداية كان الموضوع يأخذ فترات أسبوع على رأييٍ، وأسبوع على رأيٍ آخر، حتى أصبحت الفترة الأخيرة بين كل ساعةٍ وساعة أقول آراء متناقضة، وأشعر أني تائهة ولم أعد أستطيع المذاكرة وأصابني الاكتئاب عدة شهور حتى أنني أقدمت على الانتحار، لكن منعني خوفي من الله عز وجل، فلم أعد أجد معنى لحياتي، ولم أعد أستطع الربط بين الدين والدنيا.
أشعر أن كل ما اقتنعت به طيلة حياتي كان هباءً، أصبحت أشعر أني بلا بمعنى ولا هدف ولا حياة، مع إني كنت متقدمًا جدًا في شتى أمور حياتي، وكنت لا أجد متسعًا من الوقت للراحة، فبماذا تنصحوني؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شريف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في مثل مرحلتك السنيّة هذه والسنوات التي تلت سنوات اليفاعة من الطبيعي جدًّا أن يعيش بعض الشباب في نوع من النزاعات والتقلبات النفسية والفكرية، خاصة فيما يتعلق بالدين.
من الواضح - أيها الفاضل الكريم - أن فيك خيرًا كثيرًا إن شاء الله تعالى، والإنسان حتى وإن كان فيه الخير قد تتدخل نفسه الأمارة بالسوء وتنازعه في أمر الدين، وينتج عن كل هذا نوع من الوساوس والتقلُّبات الفكرية، وعدم الثبوت النفسي، وهذا هو الذي حدث لك، أعتقد أن هذه الحالة حالة وسواسية قلقية توترية، وينتج عنها ما يمكن ما نسميه بالاكتئاب الثانوي البسيط.
طبعًا من المؤسف أنك قد أقدمت على الانتحار، لا تكرر مثل هذا الفعل أبدًا، ولا تفكّر فيه، وإن شاء الله تعالى أمامك حياة طيبة، والله تعالى يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}.
نصيحتي لك - أيها الفاضل الكريم - أن تذهب إلى طبيب نفسي إذا كان ذلك ممكنًا، وإن لم يكن ممكنًا فأنت محتاج لدواء لمعالجة الوساوس وتحسين المزاج، وأفضل دواء هو عقار (فلوكسيتين Fluoxetine)، هذا هو اسمه العلمي، وله عدة أسماء تجارية، منها (بروزاك prozac)، ويسمى في مصر (فلوزاك Fluozac)، جرعة البداية هي عشرين مليجرامًا - أي كبسولة واحدة - يوميًا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة شهرين، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله.
الدواء دواء سليم ورائع جدًّا ومفيد.
وأريدك أن تدعم البروزاك بدواء آخر يُعرف باسم (ريسبيريدون Risperidone) بجرعة واحد مليجرام ليلاً، هو أيضًا دواء ممتاز وداعم للفلوكستين. تستمر على الرزبريدون لمدة ثلاثة أشهر، جرعة واحدة، أي واحد مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، هذا بالنسبة للعلاج الدوائي.
وطبعًا من جانبك يجب أن تسعى دائمًا لتحقير الفكر السلبي، وتوقف هذه النزاعات الفكرية الداخلية، وذلك من خلال أن تكون وسطيًّا في منهجك الحياتي، وأن تنظم وقتك بصورة إيجابية، وأن يكون لك أهداف، وأن تركز على الدراسة، وأنصحك أيضًا أن تتواصل مع إمام مسجدك لتتبادل معه بعض الأفكار، وأنا متأكد أنه سوف يُقدّم لك الوعظ والإرشاد المطلوب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك على الثقة في إسلام ويب.
____________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. محمد المحمدي المستشار الشرعي والتربوي.
_____________________
نسعد دائمًا بتوصلك معنا يا شريف، ونرجو الله أن تكون بخير وعافية، ومن خلال حديثك أحب أن أنبهك إلى عدة أمور:
أولاً: إن إقبالك على الله وتوبتك بعد هذا الانقطاع دليل خير فيك، نسأل الله أن يثبتك على الحق ما أحياك.
ثانيًا: لقد ذكرت الأثر الحاصل لك، ولم تذكر لنا السبب المؤدي إليه، بمعنى أنك ذكرت أن هناك نزاعًا قائمًا بينك وبين ذاتك يحدثك تارة أن الدين هو سبب كل المشاكل، ثم الدين حل لكل المشاكل، هذه كلها أخي الكريم آثار لشيء سمعته أو قرأته أو استقر في ذهنك لا نعلمه، ربما لو علمناه لكن أيسر على فهم ما أنت فيه.
ثالثًا: قد تحدثت إجمالا ًعن أمرين:
1- الآراء المتناقضة التي تسمعها.
2-العلاقة بين عمل الدنيا والطاعة.
أما الآراء المتناقضة التي تتحدث عنها، فإن كانت في الدين أو من المشايخ الذين تستمع لهم، فنود أن نخبرك بعدة أمور:
- ليس هناك اختلاف عند أهل السنة في الأصول والثوابت جملة، وليس هناك تناقض حاصل البتة، فإن وجدت ذلك، فلا شك أن من سمعت منه كان مخطئًا أو أنك لم تفهم عنه جيدًا.
- هناك اختلافات طبيعية في فهم بعض الأحاديث أو الآيات أو الأحكام الفقهية، وهذه كلها أمور عادية تتسع الشريعة لها، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كل من اجتهد ممن يملك أدوات الاجتهاد أي من العلماء وأصاب فله أجرين، وإن أخطأ فله أجر، أي أن الجميع والحمد لله مأجور، وعليه فإذا سمعت تناقضًا بين عالمين في فرع من فروع الشرعية، فلا يجب أن تقلق، فإن هذا من سعة الشريعة ومرونتها.
2- العلاقة بين الدين والدنيا علاقة تكاملية، ليست علاقة تصادمية أبدًا، فدراستك هذه متى ما صحت نيتك أنت مأجور عليها، وتفوقك في الدراسة متى ما صحت النية أنت مثاب عليها، فإذا تخرجت وعلمت في أي عمل: طبيب، مهندس، مدرس، إداري، مزارع، واتقيت الله في عملك، وأكلت من حلال فأنت مثاب على ذلك، بل أنت في عبادة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع" رواه الترمذي، وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».
وإذا قرأت القرآن الكريم وجدت التكامل واضحًا في أكثر من موضع قال الله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} (القصص:77).
والآية الكريمة تتضمن شطرين: أولهما: قوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة}، ثانيهما: قوله سبحانه: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}.
والشطر الأول من الآية يطلب من العباد أن يجعلوا مقصدهم الأول ومسعاهم الأساس: الآخرة، وذلك من باب أن الدار الآخرة {خير للذين يتقون} (الأنعام:32)، ومن باب أن ما {عند الله خير وأبقى} (القصص:60). وهذا واضح لا خفاء فيه.
والشطر الثاني من الآية: {ولا تنسَ نصيبك من الدنيا} بمعنى أن العمل والسعي في الدنيا بالحلال أمر مراد، بل التمتع بالمباح منها كذلك مباح ما دمت منضبطًا فيه بضوابط الشرع، والقاعدة الكلية عند قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة} (الأعراف:32).
وبحسب ما تقدم، يتبين أنه ليس ثمة خصام بين المؤمن ودنياه، بل هو على وفاق وتوافق معها.
أخي الكريم: هذا ما حاولنا أن نفهمه من رسالتك، ونريد أن تراسلنا وتكتب لنا الشبهات التي طرأت عليك، والتناقض الذي توهمته، ونحن -إن شاء الله- سنعينك، لكن اعلم أن الحياة الحقيقة لا تكون إلا في طاعة الله تعالى، وأن الشيطان المتربص بك لن يسلمك بسهولة، ولذلك ننصحك بما يلي:
1- المحافظة على الصلوات في المسجد.
2- المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
3- التعرف على أصحاب صالحين يذكروك بالله عز وجل.
4- البعد عن الفراغ وعدم الجلوس وحدك.
5- ممارسة بعض الرياضة من الأمور الهامة كذلك.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يرعاك، والله الموفق.