لا نستطيع الجلوس مع والدي بسبب تصرفاته معنا ومع والدتنا!

2025-02-09 00:51:36 | إسلام ويب

السؤال:
والدي شخص سافر للخارج وتركنا تحت ظل ورعاية أمي، ربتنا على أحسن القيم والحشمة، والخلق الصحيح والأدب، عاد والدي بعمر 50 عاماً، لا أعلم كيف أصيغها، لكنه شخص نرجسي وسيئ جداً، يعمل الكثير من المعاصي ويجاهر بها دائماً، ويقول أنا رجل، ويرى نفسه متعالياً على الجميع، ويقول: إنه مثقف والوحيد من شخصه.

المهم من ذلك، أننا صراحة تعبنا جداً منه؛ فهو دائم الصراخ هو وأمي، ويتجادلون على كل شيء، نحن كبرنا، وإخواني تركوا البيت وتزوجوا، وكلما يأتون يعنفهم، وكل يوم يضع أقبح الأعذار فينا، ويعاملنا بقرف واشمئزاز، لا أنسى أنه من حين زواجه بأمي دائماً يضربها، ويستهزئ بها وبقوتها.

أمي مسكينة جداً، ورحيمة، ولا تعرف التصرفات التي تقوم بها، أي وصلت لمرحلة (الهبل) -أعاذنا الله- ومع ذلك يستهزئ بها، ولا يحترم عمرها أبداً.

دائمًا أدعو له بالهداية، وأن يحبنا، ولكن وصلنا لدرجة أننا ندعو عليه بالموت، نجلس حول أمي وهو يغار من هذا العمل، ولكن لا نستطيع أن نجلس عنده أو أن نقبله؛ لأنه لا يظهر مشاعره، ومغرور مع أبنائه وزوجته! رغم أننا من لحمه ودمه.

إنه كثير الخوف من عمي وأبنائه، هم يكرهوننا كثيراً، رغم أن أمي كانت تطبخ لهم في أعراسهم، وباعوا ذهبها عندما كان أبي مسافراً، والآن يؤذوننا، ولكن أبي يمنعنا من مبادلتهم الشعور، ويجبرنا على حبهم، من خوفه الشديد منهم.

ندعو الله أن يهديه ويصلح شأنه ويغير من حاله، لكن هو لا يعلم أنه واقع بمأزق، وهو أصلاً يخاف من الموت، ويعرف أن ما يفعله خطأ، أعطوني نصيحة، وجزاكم الله جزيل الخير.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مجهول حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تعالى أن يهدي والدك ويردّه إلى الحق ردًّا جميلاً.

بدايةً: نحب أن نذكّر -أيها الولد العزيز- بأن الوالد له حقٌّ على أولاده، مهما أساء إليهم أو قصَّر في حقوقهم، والقرآن الكريم يُحدِّثُنا عن هذا الجانب في آياتٍ كثيرة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15]، وهذه من الإساءات العُظمى التي يمكن أن تصدر من الوالد، وهو أن يُجبر ولده ويحاربه ويسعى في أن يُصيَّرَه كافرًا، والنتيجة معلومة هو أن يصير خالدًا مُخلَّدًا في نار جهنم.

ليست هناك إساءة أكبر من هذه الإساءة، ومع ذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحال بأن نُصاحبه في الدنيا معروفًا؛ حتى لا نتوهَّم أنه إذا فعل هذا يجوز لنا أن نجاهده وأن نُسيء إليه، فلا يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله، ولكن لا يجوز لنا أيضًا أن نفرِّط في حقه من المصاحبة بالمعروف، وذلك لأمرٍ معلوم لدى الجميع، وهو: الإحسان السابق من هذا الوالد، فإنه مهما أساء لكنّه قد أحسن يومًا ما، فقد أحسن حين كان هو السبب في وجودنا في هذه الحياة، التي ستنتهي وننتقل منها -إن شاء الله- إلى الوجود الدائم الخالد، وما دُمنا مسلمين -ولله الحمد- فإننا من أهل الجِنان الدائمة التي فيها النعيم المقيم، الذي لا انقطاع له، وهذا كلُّه بسبب هذا الوالد.

ثم أحسنَ ثانيةً أنه يومًا ما قد تولَّى رعايتنا أو الإنفاق علينا –أو غير ذلك من الإحسان– في حال ضعفنا وفقرنا، فلابد إذًا للإنسان أن يتذكّر هذا النوع من الإحسان؛ ليكون باعثًا له على القيام بحق الوالد، عندما يُسيء ويُفرط في الإساءة إليه.

نحن نقدّر الشعور الذي تعيشه من النفور من الوالد؛ لأن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها، وبُغض مَن أساء إليها، ولكن تذكُّر هذا الإحسان يُخفّف من حِدَّة هذه المشاعر السيئة.

قد أحسنتَ حين ختمت السؤال والاستشارة بالدعاء للوالد، بأن يهديه الله ويُصلح شأنه ويُغيّر حاله، وهذا هو الموقف الصحيح، وهذا من توفيق الله تعالى لك، أن تلجأ إلى الله تعالى بالسؤال والدعاء أن يُصلح حال هذا الوالد، ومع هذا الدعاء ننصح باستعمال كل الأدوات الممكنة للتأثير على هذا الوالد، ومن ذلك: نُصحه باللين والرفق؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، كما قال الله في كتابه، ولو تأخَّر هذا التأثير فإنه سيتأثّر يومًا ما، عندما تُحسنون العرض، وتتأدَّبون بالآداب الشرعية في دعوته ومحاولة هدايته.

من الأدوات التي تُؤثّر فيه: محاولة الإحسان إليه، واللطف به، فهذا من الأسباب التي تدعو النفس إلى حب مَن يُبادِلُها هذه المشاعر، وقد قال الله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]، فهذا مع العدو؛ فكيف بالقريب؟!

من الأدوات أيضًا أن تتلمَّسوا وتبحثوا عن الأشخاص الذين يمكن أن يُؤثِّروا عليه، من الصداقات والأقارب، فتحاولوا معهم بذل جُهدٍ في إصلاحه وتذكيره، وربطه بالناس الطيبين والرجال الصالحين؛ فكلُّ هذا من شأنه بإذن الله تعالى أن يُصلح أحواله، وكل ما تفعلونه في هذا الجانب هو نوع من البِرِّ والإحسان إلى هذا الوالد، والله تعالى يكتب لكم أجوركم، وسيُكلِّلْ جُهودكم بإذن الله تعالى بالنجاح والتوفيق.

نسأل الله تعالى أن يُوفقكم لكل خير.

www.islamweb.net