أشعر بأني غير محظوظة وينتابني الضيق بسبب ذلك.
2023-06-22 02:50:53 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا فتاة غير متزوجة، أبلغ من العمر 32 عاماً، مشكلتي هي شعوري الدائم بقلة التوفيق في الحياة والحظ العاثر، فأنا أعلم علم اليقين أن الدنيا لا تخلو من الكدر، وأن لكل إنسان نصيبه من المعاناة والألم، إلا أني بدأت فعلياً أشعر بالضيق رغم محاولاتي العديدة بتناسي الأمر.
فأنا أعمل في وظيفة سيئة، وأكره عملي بشكل كبير جداً، وقد حاولت مراراً وتكراراً العثور على وظيفة أخرى، لكني لم أوفق، ودعوت الله كثيراً أن يرزقني بالزوج الصالح الذي يعينني على أمر دنياي وديني، إلا أن الله لم يقدر لي ذلك أبداً، وحتى أنه لم يتقدم أحد لخطبتي أبداً عندما كنت في العشرينيات من عمري.
كما أن لي إخوةً متزوجين، لكنهم قساة علي، ولا يهتمون بأمري أبداً، وأنا محدودة في علاقاتي الاجتماعية؛ فهي قليلة، ولست محبوبةً بشكل عام، على الرغم من أن شخصيتي قوية، وأتظاهر بالتماسك أمام الآخرين، إلا أني فعلياً بدأت أفقد القدرة على ذلك، وبدأت أشعر بالضيق الدائم، وأني لست مستجابة الدعاء.
وبدأت أستسلم وأشعر بأن قدري في الحياة هو التعاسة والحظ العاثر، فأرجوكم هل من دعاء أو ذكر يبعث تكراره على الشعور بالاطمئنان؟ وهل من طريقة يمكن لي فيها أن أتجاوز هذه المشاكل وتتغير طريقة تفكيري السيئة هذه التي لم أعد أقدر على تغييرها؟
مع كل الشكر والاحترام لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلاً بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبخصوص رسالتك: فدعينا -أختنا الكريمة- نجمل حديثك كله في هذه النقاط:
1- قلة حظ وعدم توفيق.
2- نفسية متعبة.
3- التعاسة والكآبة أضحت قدرك المحتوم.
ذلك هو التوصيف لحالك، ونصف العلاج إن لم يكن أكثره في الإيمان بالقدر، لذا نرجو أن تقرئي ما نكتبه -أختنا- بقلبك وعقلك معاً، بهدوء وتمعن:
أولاً: ما أنت فيه ابتلاء لا نشك في ذلك، وما أنت فيه من مصائب متعددة لا سبيل إلى إنكارها، أو التقليل من آثارها، والتي أقلها ضعف فاعليتك الإيجابية تجاه المشاكل، هذا كله مما نتفق معك عليه، ولكن لنا هنا عدة أسئلة:
- قد ذكرت الابتلاءات التي أصابتك، فهلا ذكرت النعم التي أحاطت بك؟!
نحن هنا لا نتهمك -أختنا- معاذ الله، ولكن طبيعة الإنسان وضعفه مع وسوسة الشيطان قد تنسيه النعم، حتى لا تكون عنده قدرة على التحمل، ولا دافعية لمواجهة البلاء، وهنا تكون الآفة، فلا نعماً شكر الله عليها أو ذكرها، ولا بلاءً استطاع أن يزيله أو يخفف من آثاره، ولا أجراً حصل على هذا الصبر غير الاختياري، وتلك هي المصيبة التي لا نرجو أن يأخذك الشيطان إليها.
ثانياً: أختنا الكريمة: دعينا نذكر لك هذه القصة الحقيقة التي حدثت معنا، ففهيا تسلية وعبرة..
منذ فترة راسلتنا فتاة دون السادسة عشرة من عمرها، مات أبوها وهي صغيرة، وتعمل أمها مديرة مدرسة، أصيبت الفتاة بسرطان الدم وهي في العاشرة من عمرها، كان العلاج يلتهم راتب الأم كله، فاضطرت الأم أن تعمل مطبخاً في بيتها لتبيع الطعام للناس، ثم تذهب مساءً كل ليلة إلى ابنتها، تفعل الأم ذلك خمس سنوات كل يوم، تقول الفتاة: وأمي كلما دخلت علي قالت: نحن في نعم كبيرة جداً يا ابنتي، أهم نعمة عندنا الرضا عن الله، نحن راضون عن الله، وحياتنا قليلة في الدنيا يا ابنتي.
تقول الفتاة تدخل أمي عندي كل ليلة تحدثني عن الرضا، تدخل مبتسمةً وتخرج مبتسمةً، نويت من داخلي أن أستغل وقتي، جلبت كتباً وأشرطةً ووزعتها على المرضى، وكلما يأتي مريض أحدثه عن الله تعالى، وعن الصلاة، وعن الشوق لرضا الله، لم أكن أشعر بالتعب؛ لأني كنت أؤمن من داخلي أن المرض الأصلي يكمن في عدم الرضا عن الله.
منذ خمسة أشهر -تقول الفتاة- قاموا بنقل دم إلي، تبين أنه ملوث، فأصبت بمرض آخر هو التهاب الكبد الوبائي، أثر كثيراً على صحتي، ولما علمت أمي بذلك دخلت علي وقالت: الله يحبك، ويريد لك مكاناً أفضل، فقولي: الحمد لله، فقلت الحمد لله، وعدت إلى ممارسة الدعوة مع كل مريض يأتي إلي، تاب على يدي الكثير، وأحب الله على يدي الكثير.
ولكن قبل أسبوع حصل حادث لأمي فماتت!!
لم أستطع تقبل الصدمة، فأخذت أبكي كالمجنونة، فليس لي أحد بعد الله إلا هي.
ثم أخذت تعدد لنا ماذا فعلت أمها لها، ثم كان سؤالها لنا: هل أنا بعد هذا الصراخ والعويل وتمني الموت أصبحت غير راضية عن الله؟
أنا أخاف أن يغضب الله علي
لم أكن أقصد ما قلت
أجيبوني بالله عليكم
هذه -أختنا- نص رسالة لفتاة لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها، ونحن لا نعلم اليوم ما حالها، ولا ما آل إليه أمرها، ولكن قولي لنا بربك، هل حالها أفضل من حالك؟ مريضة، مقعدة، شابة، محكوم عليها بأن تظل هكذا، هل هي أحسن حالاً من فتاة تستطيع أن تتحرك، وتستطيع أن تنجز، وتستطيع أن تكون أفضل مما هي عليه الآن؟
ثم السؤال الثاني: ما سبب تلك القوة التي عند تلك الفتاة حتى تصمد صمود الجبال، وهدفها واحد: كيف أرضي الله تعالى حتى لا يكون علي غاضباً؟!
أختنا الفاضلة: ثلاثة أمور لابد من الإيمان بها واعتقادها؛ حتى يقوى قلبك وتقوى عزيمتك، وبذا تستثمرين الدنيا في تعمير الآخرة، وساعتها ستتغير حياتك كلها رضاً وقناعةً ومجاهدةً دائمةً في الوصول إلى الأفضل، مع احتساب الأجر، هذه الثلاثة هي:
1- الإيمان بأن الابتلاء قدر مكتوب على ابن آدم، لابد أن يصيبه ما دام مقيماً في الحياة، لابد أن يبتلى كما قال الشاعر:
ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر ثم سقم وعافية
تلك طبيعة الحياة مجبولة على الكدر، وعلى العناء، والعاقل من يقابل الابتلاء بالشكر، والمصائب بالصبر، راجياً العفو من الله، هنا -أختنا- يعان بعون الله له، ويأخذ الأجر عند الله وافياً.
ثم إن منافع الابتلاء عظيمة، فكثير من الذنوب تغفر بالصبر على البلاء، وقد قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس.
2- البلاء سيف من سيوف الله في الأرض، يختبر به أهل الصلاح، فيرفع درجاتهم، وبه -الابتلاء- يميز سبحانه الخبيث من الطيب، قال تعالى: " (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وقال -صلى الله عايه وسلم-: "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى المرء على قدر دينه"، فهو بهذا المعنى خير للمؤمن.
والمؤمن الصابر المحتسب هو من يتلقى البلاء برضاً ويقين، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل بلاء عند الصبر عليه نعمة لصاحبه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ "، وبذا تصير حياة المؤمن كلها بين شكر أو صبر.
إنه راض -أختنا- بقسمة الله له دون سخط عليه؛ لأنه لا يدري لو تغير حاله هل يكون خيراً له أم لا، هكذا علمه القرآن (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فهو مسلم لله فيما قدر، متوكل عليه فيما طلب، شاكر له فيما رزق، راض عنه فيما أصيب به من ضرر، يفعل ذلك وهو مدرك أنه مأجور.
3- لا يصلح مع البلاء إلا الرضا بالقضاء، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، ولا يغير هذا من قدر الله شيئاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ "، فالابتلاء -أختنا الكريمة- دليل عافية.
هذه الثلاثة -أختنا- متى ما استقرت كعقيدة في قلبك قويت نفسك، وصارت أحرص على الاستفادة من كل دقيقة من حياتك، وابتعد عنك اليأس، وذهب عنك الكسل، واستقبلت كل ما يؤلمك بالرضا عن ربك لعلمك أن الله يرضى بذلك.
ثالثاً: ما مضى هو الشق القلبي الإيماني، ومع الوصول إليه ستتغير نفسيتك، وتكون الدافعية إلى التغيير عندك أقوى، وهنا يأتي الشق العملي، والمراد به كيفية تعاطي الناس مع الابتلاء، والطريقة المثلى للمؤمن.
اعلمي -أيتها الكريمة- أن الناس أمام البلاء على قسمين:
1- قسم يهرب من الواقع ليعيش في خيال مريض، أو في تأفف وتضجر وسخط، وهذا ضيّع دنياه وقد يخسر آخرته.
2- وقسم آخر يضع الأمور في نصابها، فيحدد المشكلة بهدوء، ويجعل لها جدولاً، فالمشاكل الدائمة التي لا يمكن علاجها؛ يتعايش معها، ويجتهد في عدم تطورها، والمشاكل التي تعالج يبدأ فيها بالأسهل فالأسهل، وهذه النوعية من البشر لا يمر عليهم يوم إلا وهم يتقدمون خطوةً للأمام، وهذا ما نرجو منك أن تقومي به.
رابعاً: تسألين -أختنا- عن الأدعية التي تذهب الهم، وتعينك على تجاوز ما أنت فيه، وهذا هام جداً بالطبع، لكن ما مضى من حديث لا ينبغي التغافل عنه، فالدعاء مع الأخذ بالأسباب والإيمان بالقضاء مع احتساب الأجر هو الدواء النافع -بإذن الله-.
أما الأدعية فكثيرة، منها: ما قاله أحد السلف: "عجبت لمن اغتم ولم يفزع إلى قول الله تعالى: (أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأنبياء:87]، فإني وجدت الله يعقبها بقوله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]، فهي ليست لنبي الله يونس -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، ولكنها للمؤمنين في كل زمان ومكان إذا ذكروا الله بهذا الذكر المبارك: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
عجبت لمن ضاق صدره ولم يفزع إلى قول الله تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:97-99]، ولا عجب فإن التسبيح والذكر يطردان الشيطان، والسجود يغيظه فيعتزل ويبكي ويقول: أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار.
كذلك نوصيك بالإكثار من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدَّين وقهر الرجال).
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أصاب أحداً قطُّ همٌّ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب الله همَّه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً).
ومن الأدعية ذلك ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم)، وكذلك قوله: (اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت).
وأخيراً: الزمي الدعاء، وسلي الله أن يزيد إيمانك في قلبك: فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الإيمان ليخلق (أي يبلى) في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم".
وأخيراً، -أختنا- نحسبك من الصالحات ولا نزكيك على الله، وأنت على خير -إن شاء الله-، فلا تسمحي للشيطان أن يعبث بنفسيتك أو حياتك، وقومي الآن وفوراً، وأعلنيها صلحاً مع الله تعالى، وحددي أهدافك، وستجدين الخير كل الخير ساعتها.
بارك الله فيك، وأحسن الله إليك، والله الموفق.