كيف أتخلص من الماضي المظلم؟

2023-12-10 22:38:13 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.
بدايةً أود أشكركم على هذا الموقع الذي يجد فيه كل مسلم ضالته؛ فجزاكم الله خيراً.

سؤالي: هو عن كيف أتخلص من الماضي المظلم، الذي مررت به؟ حيث في كثير من الأحيان أقرأ وأطالع، فإذا بأفكار عن الماضي الذي لم يعد له وجود تهاجمني بأفكار مريضة عن أحداث قد مررت بها، أو حصلت معي أشياء، أو تأتيني أفكارٌ (لو أني فعلت كذا، لما حصل معي ما حصل)، فأنا أدافعها، لا أتركها تقض مضجعي، لكن الأمر أصبح يزعجني كل مرة تأتيني على حين غرة!

أنا أكره أصلي (قريتي) وأكره أناسها، وأكره كل شيء فيها، صرت أكره كل من أعرف من تلك المنطقة من أصدقاء الطفولة، والمعارف، والعائلة، بسبب مشاكل متداخلة ومتشابكة، وفترة الطفولة الصعبة هي التي أدت إلي هذه الحالة النفسية المتأزمة.

ففي الأعياد الإسلامية، أجبر نفسي رغماً عنها للذهاب لزيارة الوالدين -طلباً لرضوان الله- وأقصى حد من الوقت الذي أقضيه معهم يومين وأغادر إلى حال سبيلي.

أنا لا أطيق رؤية أحدهم (أبناء القرية) وأقابله في مكان إقامتي حالياً، فإذا رأيت أحدهم أغير اتجاهي، والحال أيضاً مع أفراد العائلة، عموماً لا أطيق أحداً، وأفضل العيش وحدي مع ربي.

منذ خرجت من منطقة المنشأ، اكتسبت أصدقاء جدداً، أصحاب دين وقيام؛ لذلك الماضي لا يهمني، ولكن ما يزعجني هو تفكيري المريض عن الماضي.

فأنا على سبيل المثال قمت بحذف جميع حسابات التواصل الاجتماعي التي تربطني مع الماضي، ومع أشخاص في الماضي لا أريد رؤية أحدهم، أريد التخلص من كل ما يذكرني بالماضي عموماً!

أتمنى أن أكون قد شرحت.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الثناء على الموقع، ونحب أن نؤكد أن هذا واجبنا، ونسأل الله أن يعيننا على خدمة أبنائنا والبنات، وشكراً أيضاً على حسن العرض للاستشارة، ونحب أن نقول: الإنسان ما ينبغي أن يقف مع الماضي المظلم طويلاً، والبكاء على اللبن المسكوب لا يعيده ولا يرده، ولكن عندما ننظر إلى الماضي ينبغي أن نحمد الله -تبارك وتعالى- الذي خلصنا من سلبياته، وننظر إلى الحياة بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد.

وقد أسعدنا أنك كسبت أصدقاء جدداً، وهذا مهمٌ في حياة الإنسان أن يكون متجدداً، وسعدنا أكثر لكون الأصدقاء من أهل الصيام والقيام، فنسأل الله أن يعينك على إتمام هذه الصحبة، وأن تكون في الله، ولله، وبالله، وعلى مراد الله، وتقوم على التناصح، فإن الله يقول: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين).

بالنسبة لزيارة الأهل والاهتمام بهم، أيضاً ينبغي أن تدرك أن هذا واجبٌ من الواجبات، وصلة الرحم كذلك من الأمور المهمة، فلتبقِ شعرة العلاقة بينك وبين أرحامك، وبينك وبين أهلك، هذه الشعرة من السلام، وتفقد الأحوال، والمباركة لهم في الأعياد، يعني مثل هذه الأمور ينبغي أن تبقى؛ لأن هذا من واجبات الشريعة، واعلم أن ثوابها عظيمٌ جداً، ولكن الإنسان قد يحتاج فيها إلى نسيان المرارات، أكرر نسيان المرارات، والصبر على الجراحات، ويحرص الإنسان على أن يبقي شعرة العلاقة، وأريد أن أقول المؤمن الذي يخالط ويصبر خيرٌ من الذي لا يخالط ولا يصبر.

أخيراً بالنسبة لأحداث الطفولة ينبغي أن تعلم أن تلك الأحداث مرت بحلوها ومرها، وأن كثيراً من الناس تعرضوا في طفولتهم لما يزعجهم، لكنهم تجاوزوا هذا الماضي، فإذا ذكرك الشيطان به فتعوذ بالله من شر الشيطان، ولا تطل التفكير والوقوف مع الماضي، وتذكر أن هم هذا العدو هو أن يحزن الذين آمنوا، فعندما علم الشيطان أن هذا الماضي يحزنك ويؤلمك هو يردك إليه من أجل أن يوصلك إلى السخط واليأس، وقطيعة الرحم، فتجنب كيد الشيطان، واعلم أن الفقيه الواحد أشد على الشيطان من ألف عابد.

كن حريصاً على الخير واستمر فيما أنت عليه، وأرجو زيادة التواصل، والاهتمام بالوالدين خاصة؛ لأن حقهم عظيمٌ ربطه العظيم بحقه، (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)، (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً). فرضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما -نسأل الله أن يعينك على الخير- ونعتقد أنك تجاوزت الكثير، وبقي أن لا تقف طويلاً مع الماضي -خاصة الصفحات المظلمة منه- وإذا ذكرك الشيطان بالماضي فاشكر الله -تبارك وتعالى- الذي منّ عليك بحاضر تعيش فيه مع الله في صحبة أصدقاء صالحين.

نسأل الله أن يديم علينا وعليكم الأمن والإيمان والعافية.

www.islamweb.net