أمي تظلمني وتقسو عليّ وأختي تحرشها علي!

2023-12-12 23:43:48 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمي تظلمني منذ الصغر، وتقول لي: أنت مختلفة عن جميع إخوانك وأخواتك، تقسو عليّ بالكلام جدًا، حتى أنها تتهمني بالسرقة، وتقول لي إن كل أمراضي بسببك، وتدعو عليّ بالسوء والضرر والغضب، علمًا أن لي أختاً عازبة تبقى في المنزل دائمًا، وهي سبب كل المشاكل؛ حيث إنها تحرض أمي عليّ، وتقول لها إني سرقت ثيابها وأغراضها، كل فترة تتهمني تهمة جديدة!

أنا أقوم بجميع الأعمال المنزلية كي أرضيها، ولكنها لا ترضى، تصرخ وتقول لي: (لا تتعاملي معي أبدًا ولا تكلميني، أنت سبب كل مشكلة تحدث)، وتدعو عليّ بصحتي وتوفيقي وقوتي!

بصراحة أشعر بانهيار في أعصابي، ولم أعد أستطيع الصبر، وحلفت ألا أتعامل معهما أبدًا، لكني أخاف من الله -عز وجل- أن يغضب من تصرفي، ولكنه وحده يعلم الحقيقة وكل شيء، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

أرجو منكم النصح والدعاء بالخير، جزاكم الله خير الجزاء.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلكم معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضَّلتِ بالحديثِ عنه؛ فإنه يسرنا أن نُجيبكِ من خلالِ ما يلي:

أولًا: قد بدا من حديثك حرصك على عدم معصية الله -عز وجل-، وهذا أمر يحمد لك، نسأل الله أن تكوني كذلك وزيادة.

ثانيًا: اعلمي أن الشريعة ضد كل سلوك تربوي خاطئ، حتى ولو كان من الوالدين، فلا عصمة لأحد، نعم، قد يقع بعض الآباء في سلوك تربوي عنيف تجاه أولادهم، وقد يكون بسبب خطأ من الولد، أو وشاية عليه، أو تراكم ضغوط هائلة على الوالدين لا يعلم بها الأبناء، لكنّا في ذات الوقت نفرق بين الخطأ الذي دافعه الكراهية والبغض، أو الإضرار المتعمد بالولد، وبين الخطأ الذي ربما كانت تصحبه نية صالحة ويتبعه سلوك خطأ؛ ومما لا شك فيه أن الأول -وهو قصد الإضرار- محال وجوده بين الوالدين مع ولدهما.

ثالثًا: إننا نتفهم الضغط النفسي الحاصل من جراء الظلم الواقع، وتضخيم الشيطان لك أسبابه وآثاره؛ مما أثر على نفسيتك، هذا كله متفهم، لكن ننبهك إلى أمرين:

- إن الشيطان يعمد إلى تضخيم ما تنظرين إليه على أنها أخطاء من والدتك تجاهك؛ في الوقت الذي يضعّف لك ويهون عليك ما تقدمه لك وما بذلته وتبذله من جهد تجاهك وإخوانك؛ لذا حتى تستقيم تلك النظرة لا بد من الجمع بين الأمرين، مع الاعتذار لها بكثرة الضغوط أو بأشياء لا تعلمينها.

- الحب الأبوي حب فطري، لا تملك الوالدة من الأمر فيه شيئاً، الله فطرها على محبتك بلا مقابل، انتبهي -أختي الفاضلة-، الوالدان فقط هما من يبذل كل غال ونفيس لأولادهم بلا مقابل، وأي أحد بعدهما مهما قال أو ذكر لا يهتم إلا بمقدار ما يستفيد.

رابعًا: لا يخفاك مكانة بر الوالدة في الشريعة الإسلامية، حتى إن الله أمر ببرِّها وشدَّدَ على إكرامها حتى لو كانت كافرة، بل وحتى لو كانت تحرضك على الكفر بالله -عزَّ وجل-: {وإن جاهداكَ على أن تُشركَ بي ما ليسَ لك به علمٌ فلا تُطعْهُما وصاحبهُما في الدنيا معروفًا}، والعلة في ذلك ما فطرت عليه من ناحية، وما تحملته لأجلك من ناحية أخرى في حملك ووضعك، ثم كم تعبت في السهر على راحتك وأنت صغيرة، وكم تعبت وهي تمسحُ عنك الأذى، وإننا نخشى أن لا تعرفي قدرها إلا بعد رحيلها عنك، وساعتها ستكون حسرة وندامة لا تطاق، وقد أحسن من قال:

لأمك حقٌّ عليك كبيــــرُ *** كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنّةٌ وزفيرُ
وفي الوضع لا تدري عليها مشقةٌ *** فمن غُصصٍ منها الفؤاد يطيرُ
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** وما حجرها إلا لديك سريرُ
وتفديكَ مما تشتكيه بنفسها *** ومن ثديها شرب لديك نميرُ
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها *** حناناً وإشفاقاً وأنت صغيرُ
فضيعتها لما أسنّت جهالةً *** وطال عليك الأمر وهو قصيرُ
فآهاً لذي عقلٍ ويتبع الهوى *** وآهاً لأعمى القلب وهو بصيرُ
فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعو إليه فقيرُ

أختنا الفاضلة: أنت تعلمين جيدًا أن رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخطهما، قال صلى الله عليه وسلم: (سخط الله في سخط الوالدين، ورضاء الله في رضاء الوالدين)، لذا ننصحك بما يلي:

1- النظرة المتوازنة إلى الأم بما لها وما عليها وما الواجب في حقها حتى لو أساءت.

2- كثرة الحوار معها بلطف مع التذكير على أنها مفطورة على محبتك؛ لذا كل اقتراب منها سيجدي نفعًا، وتذكري لن تجدي في الدنيا كلها من يحبك مثلها، هذا ما فطرها اللهُ عليه.

3- التواصل مع أختك والإحسان إليها، والتحاور معها حتى تكسبي قلبها، فهي أختك ولها حق عليك، وأنت لو أحسنت بناء جسر بينك وبينها ستتخلصين من نصف المشاكل الموجودة -إن لم يكن أكثر-.

4- اتهمي نفسك بالخطأ، وراجعي حساباتك، فأحيانًا ما نفهم أمورًا على غير وجهها، ثم نعتقد أنها حقائق، ثم نبني عليها أحكاماً تعكر صفو حياتنا؛ لذا من المهم مراجعة طريقة تعاملك مع أمك وأختك والتماس الأخطاء وإصلاحها.

خامسًا: إننا نريد منك أن تذهبي إلى الوالدة بودٍّ صافٍ وعقلٍ مُتفتح، وأن تُحدِّثيها بحب، ولكن ليس عن أخطائها من وجهة نظرك، بل حدثيها عن تعبها لأجلكم وعن تقصيركم في حقها، أشعريها أنك تشعرين بها، حديثها بحب فأنت بعضها، وغدًا حين تتزوجين وتنجبين وتعانين في ابنتك ستذكرين هذا الكلام جيدًا.

وأخيرًا: نوصيك ونتمنى عليك مصاحبتها، والاستماع إليها، فهي فاكهة راحلة، اليوم معك وغدًا ستكون ذكرى، فاستمتعي بوجودها معك.

نسألُ الله أن يُباركَ لك في عمرها، وأن يحفظك من كلِّ مكروه، واللهُ الموفق.

www.islamweb.net