قاطعت والدي بسبب استيلائه على مالي دون إذني، فما توجيهكم؟
2025-03-04 02:16:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أنا أعمل مع والدي منذ صغري، ولم أعش طفولتي، أو أهتم بشهاداتي، ورغم ذلك فأنا إنسان أحمل المسؤولية، ومثقف دينيًا، وناضج فكريًّا، والعلاقة بيننا في الأسرة علاقة عادية، لا يوجد فيها دفء، ولا محبة، ولا ألفة.
لي أخت واحدة، ولي راتب يومي آخذه، وعندما كان والدي يجهز شقة جديدة بحث عن مالي من ورائي، وأخذه كله، ولم يطلبه مني بالحسنى، أو بالمعروف، وكانت حجته تجهيز الشقة الجديدة، فاشتعل الغضب والغيظ في صدري وقلبي، ولكني تغاضيت، وكظمت غيظي وغضبي.
وبعد سنوات عند زواج أختي فعل نفس الحركة مرةً ثانيةً، وسرق مالي مرةً أخرى، وكانت حجته أنه احتاج للمال لجهاز أختي، مع العلم أنه كان مسرفًا، ومبذرًا في زواج وجهاز أختي، واشتعل الغضب والغيظ في صدري وقلبي، ولكن تغاضيت، وكظمت غيظي وغضبي، أيضًا للمرة الثانية.
بعد زواج أختي سعيت كثيرًا للزواج، والبحث عن بنت الحلال، ولكن لم يشأ الله لي بعد، واستلمت إدارة المحل بالكامل؛ لأن والدي أجرى عملية الدوالي، وجلس في البيت مدةً طويلةً، وبدأت من الصفر في المحل؛ لأنه صرف كل ما يملك في زواج أختي، وفي العملية بعدها، وكانت مصاريف البيت ووالدي ووالدتي من المحل دائمًا.
لم أقصر في شيء منذ صغري، كنت أرى والدي مهملاً، فاشلًا، لم يعرف قيمة المال، وتمر السنين ولم يدخر شيئًا، وكان معظم الناس يخدعونه عندما يشاركهم في شيء، أو يقرضهم المال، وكنت أموت غيظًا منه، ومن تفكيره العقيم، وأفعاله، وكان كثير الكذب، حتى إني رأيت فيه حديث الرسول ﷺ: (وما يزال الرجل، ويتحرى الكذب حتي يُكتب عند الله كذابًا).
جاءني أحد أقاربي بعروس، فرأيتها، وأعجبتني، وبعد مرور الأيام ظهر وجهها الحقيقي، وأسلوبها وتفكيرها، وأنها تتدخل في أمور الرجال، وأنها تريد أن تفرضُ شخصيتها عليّ، وليس لها أب، أو أخ.
وللمرة الثالثة سرقني والدي، وأخذ مفتاح شقتي من ورائي، وأثناء وجودي في المحل دخل شقتي هو ووالدتي، وكسر خزانة المال، وأخذه كله، ونزع مفتاح شقته من مفاتيحي هذه المرة، ولم أقدر أن أتغاضى عن فعلته بسبب أشياء كثيرة، منها أنه لا يوجد سبب لفعلته، وأن المبلغ كان كبيرًا جدًّا.
منذ ذلك اليوم أعيش وحدي، ولا أخاطبهم، وقطعت علاقتي بهم، ولم أذهب إلى شقتهم، وأنا لن أسامحه أبدًا، ولأن المحل حِمل ثقيل عليه، ولا يقدر على تحمله، فقد أرسل لي يطلب رجوعي، ولكن ردي كان إما أن يختار المال، أو يختارني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.
قرأنا رسالتك –أيها الحبيب– ونريد أن نقف معها في نقاط مختصرة، فهي محتوية على كثير من النقاط التي تحتاج إلى جواب، نُجيب عنها بما يسمح به وقت الاستشارة.
النقطة الأولى –أيها الحبيب–: ينبغي أن تعلم أن الوالد له منزلة خاصة ليس كغيره من الناس، ولهذا جعل الله تعالى مكانته وحقّه بعد حق الله سبحانه وتعالى في العبادة والتوحيد، فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، والوالد كان سببًا لوجودك في هذه الدنيا، وبذلك لا يمكن لأحدٍ أن يُكافئ والده ويجزيه عن عمله معه.
ولك أن تتفكّر في أحوالك حين كنت ضعيفًا لا تملك شيئًا، ولا تقدر على كسب لقمة عيشك، ومَن كان السبب في تولّي أمورك، والقيام بحاجاتك، وإذا تذكرت هذه اللحظات، علمت مدى المعروف والإحسان الذي قدّمه إليك والدك، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يجزي والده أبدًا مهما فعل؛ وقد جاء رجل إلى النبي (ﷺ) كما روى هذا الحديث ابن ماجه والإمام أحمد في مسنده وغيرهم كثير – جاء رجل إلى رسول الله (ﷺ) يشكو والده، ويقول: (إن أبي يريد أن يجتاح مالي) أي يستأصل مالي ويأخذه كله، فقال له النبي (ﷺ): (أنت ومالُك لأبيك).
فالأب هو السبب في وجودك، ولا غرابة أن يقول النبي (ﷺ) هذه الكلمة، وأنتَ تُدرك تمام الإدراك –أيها الحبيب– بأن هذا الوالد قد فعل شيئًا كثيرًا من أجلكم، من أجل الأسرة، وكم حزنَّا –أيها الحبيب– حين وصفت والدك، بهذه الأوصاف التي ذكرتها في استشارتك من الذمِّ له، والقدح فيه، ووصفه بصفاتٍ غير جيدة، فإنها وإن كان الأمر كذلك في الحقيقة والواقع، إلَّا أنه لا ينبغي أبدًا أن يصدر هذا من الولد.
فاحذر –بارك الله فيك– من أن يجرّك الشيطان إلى ما لا تُحمد عاقبته من الأفعال، وبادرْ بالتوبة إلى الله تعالى والرجوع عن هذا الفعل الذي فعلته من قطيعة الوالدين، ويمكنك أن تحل المسائل المالية بأسلوب آخر غير هذا، فتتودد إلى والدك، وتُخبره بالحاجة إلى المال، وأنك بحاجة إلى الزواج، وتستعين على الوصول إلى هدفك وأغراضك بالأساليب المؤثرة على والدك، وبالاستعانة بكل مَن له كلمة مسموعة لديه، ونحو ذلك من الأساليب التي تصل بها إلى غرضك، دون الوقوع في غضب الله سبحانه وتعالى، وعقوق الوالدين.
لا تبالغ أبدًا في مدح نفسك بأنك لم تُقصّر في شيءٍ من حقِّ والديك، وراجع نفسك، واعرف مَا الذي يريده الله تعالى منك، وما معنى البر، وما معنى العقوق، فالبر معناه: إدخال السرور إلى قلب الوالدين بكل قولٍ أو فعلٍ، واعلم أن نفقتهما واجبة عليك ما دمت كبيرًا، ولا يكلف الوالد أن يعمل ليُنفق على نفسه. وإذا كنت قائمًا بحق والديك، ولديك مال تدخره للزواج أو لأي غرض مشروع، فيمكنك أن تضعه في مكان لا يستطيع والدك الوصول إليه، كالبنك مثلًا.
نحن ننصحك بأن تتفقّه، وأن ترجع إلى علماء الدين، لتعرف ما هو الدور الواجب عليك أن تقوم به تجاه والدك، حتى تعلم هل قصّرت أو لم تُقصّر.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.