كيفية مناصحة الوالدين والإحسان إليهم
2025-03-11 03:41:27 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
هل يجوز قطع العلاقة بالعائلة؟ فهم يعبدون المال، ورغم اجتهادي الدائم إلا أنهم لا يرون النتائج، ويحبون فقط المال، ويميزونني عن أخي الأكبر في كل شيء.
الآن أصبح السكوت عن الباطل والكذب والنفاق بشكل واضح في المنزل، فمثلاً كنت أساعد أخي في عمله على الإنترنت، ولا أطمع في شيء، وعندما جنى المال أصبح مغروراً جداً، ويتصرف بتصرفات لا تليق بديننا.
عندما أقوم وأنهاه وأرشده، يشاهد ذلك والدي ويسكت عن قول الحق، وينقلب معه! فأنا كنت دائماً أجتهد من أجلهم، وكل الجهة تشهد أني الآن أصبحت متعمقاً في الدين، لأنني لم أكن متمكناً كما يجب، بنظر عائلتي، فأمي وأخي ممن لا يؤدون صلاتهم دائماً، وأبي لا يقوم لصلاة الفجر، وكان قد تورط عدة مرات في قروض ربوية.
أنا متخرج منذ 4 أشهر، والحقيقة طموحي أن أستقل مالياً، لكن في هذه الفترة ليس لي رأس مال، وأبحث عن عمل، وأبي لم يعد يكلمني، لأنه كل يوم يأتي ويحاسبني على أنني عاطل، وأنا في لحظة غضب قلت له: إنك لا تقيم صلاة الفجر في وقتها، ومتورط في معاصٍ حرمها الله، فربما أصبح يشعر بالذنب، لذلك لم يعد يتحدث معي.
هو الآن يعمل في التجارة والتسويق، ويهتم بأخي، رغم أني السبب في بداية تحسين الوضع، وإصلاحهم جميعاً، والآن يريدون إخراجي من المنزل، والله يقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
أنا صابر لحكم الله، لكني لم أعد أطيق أن يفتِكوا بحقي كل مرة، ويتم استغلالي، وتعودت على أن لا أسكت عن الباطل، بل يجب أن أقول الحق، فهذه توجيهات ديننا، فصار معي هذا الابتلاء.
الرجاء نصحي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فراس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك –ابننا الفاضل– في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يثبتك ويُسدد خطاك، وأن يهدي الوالد وأفراد الأسرة لأحسن الأخلاق والأعمال؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.
حقيقةً نحن نريد من الشاب المتدين ألَّا يقطع العلاقة بعائلته، وأن يستمر في نصحهم، وأن يتلطف بهم، وأن يجتهد في القيام بما عليه، وتذكّر أن الله قال لرسولنا في البداية: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، والأقربون أولى بالمعروف، أيضًا عندما تنصح لا بد أن تُدرك أن نصيحة الوالد تحتاج إلى كثير من الهدوء والحكمة، وقدوة مَن يريد أن يدعو والده هو خليل الرحمن -إبراهيم عليه السلام- حين كان يُنادي أباه بقوله: (يا أبت...يا أبتِ...يا أبتِ...يا أبتِ...)، لاحظ هذا اللطف، حتى لمَّا أجحف في حقه وقال: (لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني مليًّا) قال إبراهيم في لطفٍ: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا) الآيات.
لذلك دائمًا عندما نريد أن ننصح للوالد أو الوالدة، ينبغي أن نتلطف أولًا في النصح، وإذا غضب الوالد أو الوالدة علينا أن نبتعد، ثم نأتي بصنوف من البر والإحسان، ثم نقدم النصيحة بطريقة أجمل وبطريقة مختلفة.
هذا هو الأساس الذي ينبغي أن يكون التعامل فيه مع الوالدين؛ لأن مقامهما رفيع، وكذلك الإخوة ينبغي أن تُحسن إليهم، وما قمت به من معروف أجره ثابت عند الله تبارك وتعالى، وأرجو أيضًا ألَّا تُذكر الوالد بأخطائه؛ لأن هذا أيضًا من الأمور التي تجلب له الأحزان، ولكن كن ناصحًا له، تُذكّره بطاعة الله تبارك وتعالى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.
أكرر دعوتنا لك إلى إبقاء العلاقة مع العائلة، مع الاستمرار في النصح، واجتهد في القيام بما عليك، واعلم أنهم إذا لم يُقدّروا ما قمت به فإنه عند الله لن يضيع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُلهمك السداد والرشاد، وأن يُعينك على طاعته، إنه رب العباد.
اعلم أن أفراد الأسرة إذا احتاجوا أخذوا منك؛ فهذا ممَّا يفرح به الإنسان، وتذكّر أن الحياة مدرسة، والإنسان في هذه الدنيا لن ينال إلَّا ما قُدّر له، فنسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
ندعوك إلى إصلاح ما بينك وبين والديك؛ لأن الإنسان ما ينبغي أن يعامل الوالد على أنه زميل، بل ينبغي أن يتذكر أن بره والصبر عليه من أعظم العبادات، بل هي عبادة ربطها العظيم سبحانه بعبادته فقال: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا)، (وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إياه وبالوالدين إحسانًا)، لاحظ هذا التلازم.
إذا قمت بما عليك، ولم يعرف الوالد فضلك، أو تنكروا لك، فهذا لا يضرك؛ لأنك تتعامل مع الذي يعلم السر وأخفى، والبر عبادة لرب البرية، وقد قال: (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوّابين غفورًا).
اجتهد في بر والديك، واجتهد في الصبر عليهم، والصبر عليهم لونٌ من ألوان البر، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.