نادمة على معاملتي لوالدتي قبل وفاتها، فماذا أفعل؟

2024-05-20 03:35:16 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 17 سنةً، توفيت أمي منذ فترة، ولا أدري هل كانت غاضبة علي أم لا؟

فقد تحملت مسؤولية التنظيف، والطبخ، والغسل، بسبب مرض أمي، ولزومها الفراش، وكم كنت أشعر بالحزن عندما أرى الفتيات الأخريات وهن ينشغلن باهتماماتهن، وتحقيق طموحاتهن، بينما أنا أنظف، وأطبخ، فكنت أرفع صوتي على أمي، وأغضب، وأقول لها: أنت تكرهينني، فكانت تغضب مني، وتقول بأنها لن تسامحني، ولكنها تعود فتتكلم معي!

أنا نادمة على كل ما فعلت، لدرجة أني دخلت في حالة اكتئاب، وأفكار انتحارية، فماذا أستطيع أن أفعل لأمي المتوفاة، وكيف أغير أفكاري؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يغفر لأُمّك، ويُثيبك أنت على ما فعلت من إعانتها في حياتها، وخدمتها، وملازمتها، وهذه الأعمال أعمال جليلة، والله تعالى لا يُضيع أجر مَن أحسن عملًا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30].

ونحن نرى -أيتها البنت الكريمة- أنك في خيرٍ كثير، وقد وُفقت لشيءٍ كبيرٍ من الإحسان، فملازمتُك لأُمّك، وقيامك بخدمتها، وخدمة البيت، وتحمُّل أعباء المنزل، وما فيه من الأعمال الكثيرة؛ كلُّ ذلك مدوَّنُ لك في صحائف أعمالك، وإن وقعت في بعض الإساءات والأخطاء، فهذه طبيعة الإنسان؛ فالإنسان يخلط في عمله عملًا صالحًا، وآخرَ سيئًا في غالب الأحيان، والله تعالى يقبل الحسنة ويُضاعفها، ويمحو السيئة إذا تاب صاحبها.

ونحن على ثقة تامَّة من أن أُمك وإن غضبت عليك في وقتٍ وحال؛ فإن رحمتها بك، وحُبِّها لك الذي فطرها الله تعالى عليه، وجبلَها عليه يدعوها إلى مسامحتك في باطن الأمر، فلا ينبغي أبدًا أن تُصيّري من تلك اللحظات التي عشتها مع أُمِّك في حالة غضبها، سببًا لتدمير حياتك، ودخولك في حالة من الاكتئاب المُعطّل لك عن العمل، الذي ينفعك في دنياك وآخرتك.

واحذري كل الحذر من أن يجرّك الشيطان إلى قرارات مدمّرة مثل الانتحار؛ فإن الانتحار في حقيقته إنما هو انتقال من راحة -وإن كان فيها شيء من العناء والتعب- إلى مشقّة دائمة، وعذاب يطول؛ فإن الإنسان المنتحر واقعٌ في ذنب من أكبر الذنوب والمعاصي، وهو قتل النفس التي حرّم الله تعالى، وقد توعَّده الله وهدّده، وأخبر الرسول (ﷺ) بأنه يُعذّب في نار جهنَّم بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه في الدنيا، فقال (ﷺ) : «مَنْ ‌قَتَلَ ‌نَفْسَهُ ‌بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».

فاحذري كل الحذر من أن يجرّك إلى الشيطان نحو هذا المصير، فإنه حريصٌ على أن يُفسد عليك دينك ودنياك. وأنت -أيتها البنت العزيزة- حققت شيئًا كبيرًا لم تُحققه غيرُك من الفتيات اللاتي أنتِ تريْنَ بأنهنَّ جميلاتٍ، وأنَّ لهنَّ أحلامًا وطموحات، في الحقيقة أنك قد سبقت غيرك من الفتيات في جوانب عديدة كثيرة، ونحن على ثقة من أن هذا السبق مُؤثّرٌ في حياتك، فلعلَّ الله تعالى أن يرزقك زوجًا صالحًا جادًّا، فالرجال الجادُّون كثر، والذين ينظرون إلى الفتاة بحسب ما يرون فيها من عقل، وحزم، وإيثار للآخرين، وخدمة للآخرين، وغير ذلك.

فهذا التاريخ الذي مررت به، والتجربة التي عشتها هي في الحقيقة تؤهلك لحياةٍ أطيب، فأحسني ظنّك بالله -سبحانه وتعالى- واطلبي الخير من عنده، وستجدينه -سبحانه وتعالى- برًّا رحيمًا.

ندمك على ما سبق منك من إغضاب أُمِّك أمرٌ طيبٌ، وهو جزءٌ من التوبة التي يمحو الله تعالى بها الذنوب، ونصيحتنا لك أن تُكثري من الدعاء لأُمِّك والاستغفار لها؛ فهذا من البِرِّ بها والإحسان إليها بعد موتها.

هذا هو التوجُّه الذي ينبغي أن تتجهين إليه، والتوجُّه نحو الإيجابية والنفع، وقد قال النبي (ﷺ): «احْرِصْ ‌عَلَى ‌مَا ‌يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ».

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير.

www.islamweb.net