إخوتي يقاطعونني، فكيف أصلهم دون أن أتأذى نفسياً؟
2024-05-22 03:28:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
أنا سيدة، بعمر ٣٨ عاماً، لدي أخ وأختان، وأنا الوسطى بينهم، وأخي الأكبر وأختي الصغرى يهجرونني ويخاصمونني لمدة شهور، دون أي أسباب، ويوقعون الفتنة بيني وبين أغلى الناس -أمي الحبيبة رحمها الله-.
لسنوات وأنا في عذاب، أخاف الله من قطيعتهم، لأن الاحتكاك بهم يؤدي بي إلى حالة نفسية سيئة جداً، وأنا أسأل حالي: ماذا فعلت بهم لأنال كل هذا الكره منهم؟! فوالله ما رأوا مني إلا كل خير.
أمي وأبي لم يقصروا في تربيتنا، ولم يفرقوا بيننا في شيء، إلا أن الله أكرمني بكلية الطب، وحالتي الاجتماعية أفضل منهم قليلاً، فهم يشعرون بأنهم أقل مني دائماً مع الأسف.
كنت العام الماضي حاملاً، وكان حملي صعباً جداً، فكان ضغطي منخفضاً طول فترة حملي، لدرجة أني إذا قمت من السرير أكاد أقع من شدة الهبوط، كنت مقصرة مع أمي جداً طيلة السبعة أشهر، حتى توفيت فجأة، وكنت لا أزورها إلا قليلاً، فما كان من إخوتي إلا تشويه صورتي أمام أمي بتقصيري، وأمي حبيبتي كانت عاجزة لا تستطيع الحركة.
ماتت أمي وأشعر بالقهر، أشعر بالتقصير نحوها كثيراً، وأخاف أن تكون توفيت وهي غاضبة مني، لقد كنت معها لآخر لحظة بالعناية المركزة، ولكن كانت في غيبوبة.
أنا مقهورة، وخائفة من غضب أمي علي، وإخواني للأسف يفتعلون المشاكل معي، هل لي مقاطعتهم؟ وهل سيحاسبني الله على القطيعة؟ لأني تعبت.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
أولًا: نحب أن نطمئنك فيما يتعلَّق بعلاقتك بأمك، بأنك ما دمت تريدين البر وتقصدينه، ولكنّك عجزت عن بعض أفعال البر؛ فإن هذا لا يُؤاخذك الله به، (لا يُكلِّف الله نفسًا إلَّا وُسعها)، وقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء في الآيات التي أمر فيها بالبر والإحسان إلى الوالدين: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24] ثم قال: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) [الإسراء: 25].
الله تعالى يعلم ما في النفوس، ويعلم ما تضمره القلوب من الحرص على البر والإحسان للوالدين أو خلاف ذلك، فإذا علم من قلب الإنسان حبه لوالديه وحرصه على بِرِّهما والإحسان إليهما؛ فإنه يعفو ويُسامح عمَّا قد يحصل من التقصير، لا سيما إذا كان بغير قصدٍ.
الله تعالى لا يُؤاخذك بما عجزت عنه من زيارتك لأُمّك بسبب مرضك، ولا نظنُّ أن الأم تغضب على بنتها فتموت وهي غاضبة؛ فإنها إن غضبت وقتًا لا يستمر ذلك الغضب دومًا، ولا سيما عند لحظات الموت، فلا تجعلي من هذا سببًا للكآبة والحزن، وأكثري من الدعاء لأمِّك، والإحسان إليها بعد موتها، بالصدقات عنها إن قدرت على ذلك، فإن هذا ينفعها، وهو بِرٌّ منك لها بعد موتها، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ) فلا ينبغي أن نتقيّد عن العمل بمجرد الأحزان بأوضاع سابقة.
أمَّا بالنسبة لإخوانك وأخواتك فالمطلوب منك أن تكوني مؤدّية لفريضة الله تعالى في صلة الرحم، بالتواصل معهم بما لا يضرُّك، فإن صلة الرحم فريضة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)، فصلة الرحم ليست مكافأة ومجازاة، بحيث أصل مَن وصلني وأقطع مَن قطعني، لكن هذه الفريضة -كما قلتُ لك- في حدود القدرة والاستطاعة، وبما لا يُؤدي إلى الضرر.
إن كانت بعض مظاهر الصِّلات تؤدي بك إلى ضرر فاقتصري على ما هو أقلّ منها، فالضرورة تُقدَّرُ بقدرها، فإن كنت تتضررين بزيارتهم واللقاء معهم، وكان هذا ضررًا حقيقيًّا وليس مجرد أوهام يحاول الشيطان أن يُمليها عليك، ليقطعك عن صلة الرحم، إذا كان هناك ضرر حقيقي بالزيارة البدنية فاقتصري على مجرد المحادثة بالهاتف، وتوددي إلى إخوانك وأخواتك بما تقدرين عليه من الهدايا، والهدايا ليست فريضة عليك، ولكن الإهداء سبب لجلب المحبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) فدلَّهم على ما تحصل به المحبّة من إفشاء السلام، وقال في حديث آخر: (تهادوا تحابوا).
سيُعينك الله تعالى على كسب ودّهم أو على كفِّ أذاهم وضررهم، وقد جاء رَجُل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ)، يعني: هم الذين سيحترقون بنار هذه المعصية، وأنت كأنك تُطعمهم الرماد الحار، والله تعالى يُعينك عليهم، (وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ) أي مُعين.
فاستعيني بالله سبحانه وتعالى على أداء ما فرض الله تعالى عليك، في حدود قدرتك واستطاعتك، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.